قلما تترك الصين أي تبادل على أي مستوى، بين الولايات المتحدة وتايوان من دون ردّ، فما المدى الذي يمكن أن تذهب إليه بكين للتعبير عن "استيائها" من زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، المقررة الشهر المقبل لتايوان؟
سلّطت "بلومبرغ" الضوء على الرحلة، التي لن تكون الأولى التي يقوم بها مسؤول أميركي رفيع في مكانة بيلوسي، خلال ربع قرن من الزمان فحسب، وإنما تأتي أيضاً في وقت عصيب للرئيس الصيني شي جين بينج.
ومن المتوقع أن يقضي الرئيس الصيني النصف الأول من أغسطس مجتمعاً بقادة الحزب الشيوعي قبيل إعادة ترتيب الأوراق، سعياً للحصول على الدعم للاستمرار في الحكم لخمس سنوات أخرى على الأقل.
ولا يستطيع شي جين بينج تحمل أن يبدو ضعيفاً أمام ما تعتبره بكين "جهداً أجنبياً لاقتطاع جزء من الأراضي الصينية".
"فكرة غير جيدة"
على الناحية الأخرى، أثار الرئيس الأميركي جو بايدن، الأربعاء، المخاوف من أن ترد الصين بقوة، عندما قال للصحافيين إن الجيش الأميركي يعتبر أي زيارة لبيلوسي "فكرة غير جيدة في الوقت الحالي".
من جهتها، قالت بيلوسي خلال مؤتمر صحافي في الكابيتول، إنها لا تدري ما الذي كان يشير إليه الرئيس، مضيفة: "ربما كان الجيش يخشى إسقاط طائرتنا، أو أن يفعل الصينيون أمراً مشابهاً"، بحسب "بلومبرغ".
وتجنبت الردّ على أسئلة بشأن زيارتها المحتملة إلى تايوان، قائلة: "لا أناقش أبداً خطط سفري. إنها مسألة أمنية، لذلك لن أناقش ذلك الآن".
وأضافت: "أعتقد بأن إظهار الدعم لتايوان هو (أمر) مهم بالنسبة إلينا. وأعتقد أيضاً أن أحداً منا لم يقل إنه مؤيّد للاستقلال عندما يتعلّق الأمر بتايوان، والقرار متروك لها" في هذا الصدد.
"استياء تايواني"
من جهتها، بدت تايوان مستاءة من موقف بايدن بشأن الزيارة المحتملة لبيلوسي.
ونقلت "بلومبرغ" عن جوني تشيانج، وهو نائب عن حزب "كومينتانج" المعارض، يشارك في رئاسة لجنة الشؤون الخارجية والدفاع الوطني في البرلمان، قوله: "من وجهة نظر تايوان، تعليقات بايدن لا تجعلنا نشعر بالرضا. نشعر بالأذى. لأن تعليقاته توحي، أولاً وقبل كل شيء، بوجود خطر عسكري حقيقي، وثانياً، بأن العلاقات بين تايوان والولايات المتحدة تخضع لبكين، كما لو كانت العلاقات بين الولايات المتحدة وتايوان مشروطة".
وأضاف تشيانج: "لا نعلم ما إذا كان بايدن أدلى بهذه التعليقات عن قصد، أم هي مجرّد زلة لسان. أعتقد بأن لديه مثل هذه المخاوف في ذهنه، ولكن من وجهة نظر تايوان، نعتقد بأن هذا ليس أمراً يجب الإشارة إليه علناً".
"أزمة تايوان الكبرى"
الوقع الحالي استدعى مقارنات بأزمة تايوان الكبرى بين عامي 1995 و1996، عندما أطلقت الصين صواريخ في البحر قرب الموانئ التايوانية، وأرسل الرئيس الأميركي حينها بيل كلينتون، مجموعتين مقاتلتين من حاملات الطائرات إلى المنطقة.
وفي العام التالي، زار المتحدث السابق باسم مجلس النواب نيوت جينجريتش، كلاً من تايوان والصين، حيث حذر بكين من أن الولايات المتحدة ستدافع عن الجزيرة.
وفي ما بعد، قدمت بكين رداً محسوباً على التحذير الأميركي، إذ قال الرئيس الصيني السابق جيانج زيمين، إن العلاقات بين واشنطن وبكين تنتقل إلى "مرحلة شروق الشمس التي تعقب سقوط الأمطار".
لكن درو تومسون، كبير الباحثين في كلية لي كوان يو للسياسة العامة، في جامعة سنغافورة الوطنية، والمسؤول الدفاعي الأميركي السابق، قال لـ"بلومبرغ" إنه "من المحتمل أن يكون الرد الصيني على زيارة بيلوسي مختلفاً عما كان عليه مع وفود الكونجرس السابقة"، مضيفاً أن "السؤال هو ماذا سيكون الرد؟".
"توغل جوي"
شهدت السنوات الأخيرة اختراق طائرات جيش التحرير الشعبي لمنطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية بوتيرة متزايدة، ما وضع ضغوطاً متفاقمة على رئيسة تايوان، تساي إنج ون، بعد أن أظهر الصيني قدراته على استعراض قوته في المضيق.
وعلى نحو ذلك، قد تُقابل زيارة بيلوسي بسلسلة كبيرة أو ممتدة من الطلعات الجوية، كما حدث عندما حلقت نحو 15 طائرة حول الجانب الشرقي من تايوان بعد زيارة وفد من الكونجرس الأميركي مؤخراً.
وسجّلت الصين رقماً قياسياً بـ54 طائرة في عمليات توغل جوية قرب تايوان في 4 أكتوبر من العام الماضي، الذي ربما جاء رداً على التدريبات العسكرية التي كانت تقودها الولايات المتحدة في منطقة قريبة، كما يمكن للصين أيضاً أن ترسل بوارج حربية لإجراء تدريبات في المياه القريبة.
عبور خط الوسط لمضيق تايوان
إحدى الاستجابات المحتملة التي قد تقوم بها بكين هي "إرسال طائرات حربية عبر خط الوسط لمضيق تايوان"، وهي منطقة عازلة أنشأتها الولايات المتحدة في 1954 لمنع نشوب صراع بين الصين وتايوان، وفقاً لـ"بلومبرغ".
لكن المقاتلات الصينية انتهكت هذا الخط مراراً في سبتمبر 2020، عندما زار مساعد وزير الخارجية الأميركي آنذاك، كيث كراش، الجزيرة.
وبالمثل، عبرت الطائرات الصينية الخط في وقت سابق من الشهر الجاري، عندما زار السيناتور الأميركي ريك سكوت الرئيسة التايوانية تساي إنج ون.
وأشارت الوكالة إلى أن أي طلعة جوية عميقة أو ممتدة عبر هذا الخط، الذي لا تعترف به بكين، ستفرض ضغطاً خاصاً على الجيش التايواني الصغير، لأن ذلك سيتطلب "بقاء طائراته في الجو".
لكن تشيه تشونج، زميل أبحاث مشارك في مؤسسة "السياسة الوطنية" في تايوان، قال لـ"بلومبرغ" إن السيناريو الأكثر احتمالاً هو أن "يرسل جيش التحرير الشعبي العديد من الطائرات الحربية لعبور خط الوسط، خصوصاً في المنطقة الواقعة بين تايبيه وهسينشو، أضيق نقطة في مضيق تايوان".
اختبار صواريخ قرب تايوان
وفق "بلومبرغ"، جاء أحد الردود الصينية "الأكثر استفزازاً" على التبادل بين واشنطن وتايبيه في صيف العام 1995، حين اختبرت الصين إطلاق صواريخ في البحر على مقربة من الجزيرة.
وكانت هذه الخطوة جزءاً من احتجاجات بكين ضد قرار بيل كلينتون بالسماح لأول رئيس تايواني منتخب ديمقراطياً، لي تنج هوي، بزيارة الولايات المتحدة، وحينها أعلنت الصين مناطق حظر حول المناطق المستهدفة أثناء الاختبارات، ما أدى إلى تعطيل الحركة الملاحية البحرية والجوية.
ومؤخراً، أطلق جيش التحرير الشعبي صواريخ باليستية مدمرة لحاملات الطائرات في بحر الصين الجنوبي، في أغسطس 2020، وذلك رداً على التدريبات البحرية الأميركية.
التحليق فوق تايوان
من بين الخيارات التي طرحتها صحيفة "جلوبال تايمز" الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الحاكم في الصين، مراراً "إجراء تحليق عسكري مباشر فوق تايوان"، ما اعتبرته الوكالة الأميركية "سيؤدي إلى مواجهة متوترة بين الجيشين".
والعام الماضي، أخبر وزير الدفاع التايواني تشيو كو تشينج، برلمان بلاده أن قواته "ستتخذ إجراءات صارمة ضد الطائرات المغيرة"، مضيفاً أنه "كلما اقتربت الطائرات المغيرة أكثر من الجزيرة، سيزداد ردنا قوة".
مرافقة رحلة بيلوسي
من جانبه، اقترح هو شينجين، رئيس التحرير السابق لـ"جلوبال تايمز"، أن ترافق الطائرات الحربية الصينية بيلوسي في أي رحلة جوية إلى تايوان، ما سيضع الكثير من الضغوط على الطيارين الصينيين والأميركيين لتجنب الأخطاء.
وفي مايو الماضي، اتهمت أستراليا الجيش الصيني بالتحليق "بطريقة خطيرة" إلى جانب إحدى طائرات الاستطلاع التابعة لها، التهمة التي اعترض عليها جيش التحرير الشعبي.
وقال المشرع التايواني وانج تينج يو، لـ"بلومبرغ" إن "شي يحتاج إلى تحقيق توازن دقيق واختيار الرد المناسب قبل مؤتمر الحزب"، موضحاً أنه "من ناحية، يتعين عليه إرضاء صقور الداخل بالقيام ببعض الأعمال على الصعيد العسكري. ولكن، من الناحية الأخرى، يجب ألا تقود هذه الخطوات إلى ردة فعل دولية في وقت تكافح فيه الصين في التعامل مع القضايا الاقتصادية والدبلوماسية".