مصر.. جدل بالوسط السينمائي بعد اعتزال المخرج داوود عبد السيد

time reading iconدقائق القراءة - 8
المخرج داوود عبد السيد يحمل جائزة عن فيلمه "رسائل البحر" من المهرجان القومي للسينما - AFP
المخرج داوود عبد السيد يحمل جائزة عن فيلمه "رسائل البحر" من المهرجان القومي للسينما - AFP
القاهرة -خيري الكمار

أثار  إعلان اعتزال المخرج السينمائي المصري داوود عبد السيد، جدلاً واسعاً خلال الساعات الماضية، ما تسبب في حزنٍ كبير لدى العديد من صناع الفن السابع في مصر وكذلك مُحبو أعماله سينمائية.

وتباينت ردود الفعل على قرار المخرج المصري البالغ من العمر 75 عاماً، والذي أعلنه في أحد الحوارات التلفزيونية، حيث اعتبر البعض أن منظومة الإنتاج السينمائي السائدة في مصر حالياً، أصبحت طاردة للمبدعين أمثال داوود من أصحاب المشاريع الجادة، خاصة مع وجود أكثر من مشروع سينمائي له لم يتم تنفيذها خلال الأعوام الماضية، من بينها فيلم "رسائل حب" والذي رُشح لبطولته الممثل محمد رمضان.

وأشار عبد السيد، إلى عدم رضاه عن مستوى السينما، وكذلك تراجع ذوق الجمهور، قائلاً: "لا أستطع التعامل مع الجمهور الموجود حالياً ونوعية الأفلام التي يفضلها، لأنه يبحث عن التسلية".

وأضاف أن هذه النوعية من الأفلام، تعتمد على التمويل من جهات وشركات لها أهداف معينة، في حين أنه يفضل أن يكون تمويل الفيلم من تذكرة السينما.

وأوضح داوود، أن مشاهد العنف، مثل تحطيم السيارات والإفراط في استخدام الأسلحة النارية أمر منقول عن السينما الأميركية، لكنه أشار إلى أن هذا النوع من السينما يقدم فناً تجارياً، لكن بشكل احترافي وحبكة أقوى.

ولقب عبد السيد، بـ"فيلسوف السينما"، وهو ينتمي لجيل من المخرجين أُطلق عليهم أصحاب "سينما الواقعية الجديدة" في الثمانينيات، مثل عاطف الطيب ومحمد خان وخيري بشارة.

وقدم عبد السيد، 8 أفلام طويلة و3 قصيرة، وحصل على جوائز عدة داخل مصر وخارجها، ولاقت أفلامه احتفاءً واسعاً منذ فيلمه الأول "الصعاليك" في عام 1985، مروراً بـ"الكيت كات" في عام 1991، و"أرض الأحلام" في عام 1993، و"سارق الفرح" في عام 1994، و"أرض الخوف" في عام 2000، و"مواطن ومخبر وحرامي" في عام 2001، و"رسائل البحر" في عام 2010، وحتى آخر أعماله "قدرات غير عادية"في عام 2015. 

"تراجع محتمل"

الكاتب والسيناريست المصري بشير الديك، عبر عن حزنه الشديد لاعتزال داوود عبد السيد، قائلاً: "أتمنى أن يتراجع عن قراره، ويعود.. ليُمتع جمهوره بفنه، فهو مخرج كبير ومتمكن من أدواته". 

فيما وصف المخرج أمير رمسيس، داوود، بـ"المخرج الذي يمتلك عالماً سينمائياً خاصاً به، رسمه منذ بداية طريقه الفني بشكل به حرفية شديدة وبفلسفته الخاصة".

وأشار رمسيس، إلى احتمال تراجع عبد السيد عن قراره في حال وجود عرض سينمائي جيد، قائلاً: "لن يتردد في العودة إذ وُجدت فرصة مناسبة، فالوضع السينمائي الآن لا يتناسب مع رؤيته". 

الفنان صلاح عبد الله، طالبه أيضاً بالعدول عن الاعتزال، قائلاً لـ"الشرق": "لا نمتلك مُبدعين بهذه الجودة، فلا أتمنى أن يعتزل، فالساحة الفنية في حاجة إليه". ووصف داوود بأنه "استثنائي وغير تقليدي وواجهة مشرفة لمصر، فهو مدرسة شديدة التدقيق في كل تفاصيلها الفنية".

"ساحة غير مناسبة"

من جهته، علق المخرج مجدي أحمد علي، على قرار الاعتزال، بأنّ "الساحة لا تُناسب عبد السيد، ولا تحمسه للعودة تماماً"، معرباً في تصريحات لـ"الشرق" عن تفهمه لأسباب اعتزاله، "لكني مُعترض على قراره، فنحن في حاجة إلى قامة كبيرة مثله".

وأضاف أنّ "داوود، ليس الوحيد الذي يعاني من هذه الظروف.. هناك مخرجون ومؤلفون كبار عانوا، ولكنهم لم يتوقفوا أو يبتعدوا عن الفن".

فيما يرى الناقد طارق الشناوي، أن اعتزال المخرج الكبير، "مجرد استراحة محارب"، لافتاً إلى أنه يتلقى عروضاً فنية كثيرة، لكنه كان يعتذر عنها، معزياً ذلك إلى أن شركات الإنتاج تفرض وجهة نظرها على العمل دون الاهتمام برؤية المخرج، وهو ما يرفضه داوود تماماً.

وأضاف: "الدولة يجب أن توفر مناخاً لهذه النوعية من المخرجين للعمل، وتقديم الدعم لهم، خاصة أن داوود يمتلك قدرات إبداعية كبيرة". 

دعم فني

وحظي قرار عبد السيد، باهتمام كبير من قبل العاملين في صناعة السينما من بينهم الكاتب محمد العدل الذي قال في صفحته على فيسبوك، "أفخر بأني عاشرتك وصادقتك واستمتعت بأفكارك، رغم حزني الشديد على قرارك لكن لك كل الحق، قرارك سليم جداً ويتفق مع المعطيات الموجودة". 

وتابع: "إعلان داوود اعتزاله، هى صرخة السينما المصرية التى يتمنى أن يطلقها كثيرون من صناعها، لكنه كان الأجرأ والأكثر شجاعة".

فيما تضامنت المخرجة هالة خليل، مع قرار داوود، كونه غير راض عن الأحوال التي تشهدها الساحة الفنية، إذ أطلقت هاشتاج "#أنقذوا_السينما_الجميلة". 

المصور السينمائي سعيد شيمي، استرجع واقعة ابتعاد المخرج اليابانى أكيرا كيروساوا، حيث كتب: "عندما لم يجد من الإنتاج في بلادي رجا.. فقرر أن يتوقف، إلى أن هرع إليه من العالم المتحضر الفاهم والعاشق للفن الجميل الصادق من الاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة.. المال والإنتاج فأخرج تحفتين غاية الروعة فى آخر العمر.. هذا الكلام بمناسبة خبر اعتزال الصديق العزيز الفنان المخرج داوود عبد السيد".

كما اعتبرت الفنانة فيدرا، اعتزال عبد السيد، بمثابة "أكبر خسارة قد تحدث للوسط الفني.. ضربة كبيرة للفن ومحبي الفن.. أنا في شدة الحزن".

"اعتراف بالهزيمة"

المخرج والموزع مالك خوري، من ناحيته، حمّل المسؤولية لعبد السيد، إذ رأى أن اعتزاله هو "اعتراف بالهزيمة"، واصفاً القرار بـ"خطأ كبير"، خاصة عندما يأتي هذا القرار من مبدع بحجم داوود.

وأضاف خوري، في صفحته على فيسبوك، أن داوود ارتكب خطأ كبيراً، بوصفه أن "السينما وجمهورها" سبب اعتزاله، موضحاً أن "جمهور السينما في بلادنا لا حول له ولا قوة.. في ظل وجود شركات نجحت تدريجياً في إغراق السوق بمنتجاتها، إلى درجة أدت إلى منع الجمهور من حقه في الاختيار بين ما يطرحونه من قمامة فنية، وبين تذوق أي بديل فني مغاير فكراً وجمالاً أو التزاماً بقضايا الإنسان".

وقال إنّ: "داوود كان عليه توجيه الاتهام للمسؤول الحقيقي وليس الجمهور.. هؤلاء من يجب أن ننتقدهم ونحذر من دورهم التخريبي والمشوِه للعقل الجمعي لجمهور السينما في بلادنا، خلال هذه المرحلة الصعبة من تاريخها".

وأشار بحديثه إلى المخرج الأميركي مارتن سكورسيزي، عندما أغرقت "مارفيل" أسواق العالم السينمائي، قائلاً إنّ "سكورسيزي وجه أصبعه تجاه المسؤول الحقيقي عن هذا الوضع الذي حرم العالم تدريجياً من حقه الأساسي في الاختيار بين أنواع مختلفة من السينما، وحتى من حقه في الاختيار بين أنواع مختلفة من التسلية والترفيه". 

اقرأ أيضاً: