
أفادت وكالة "أسوشيتد برس" بأن قادة دول، كانت علاقتهم جيدة مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يواجهون وضعاً شائكاً بعد انتهاء ولايته.
وأشارت إلى أن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أدلى بتصريحات جيدة كثيرة عن ترمب، معرباً عن إعجابه به، إلى حدّ اقتراحه أنه قد يستحق جائزة نوبل للسلام.
ولكن نبرة جونسون تبدّلت، بعدما اقتحم بعض أنصار ترمب مقرّ الكونغرس، محاولين إحباط المصادقة على انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة. واعتبر رئيس الوزراء البريطاني أن الرئيس الأميركي شجّع تمرداً عنيفاً، وطعن بنتيجة "انتخابات حرة ونزيهة"، مضيفاً أنه كان "مخطئاً تماماً".
وذكّرت "أسوشيتد برس" بأن جونسون قورن كثيراً بترمب، وامتنع لسنوات عن انتقاده علناً. وأضافت أن قادة آخرين واجهوا أيضاً معضلات في التعامل مع "رئيس متقلّب لا يمكن التكهّن" بسلوكه.
وتابعت أن منتقدين لجونسون يعتبرون أن السنوات التي قضاها في مديح ترمب، أو تقليده كما يقول بعضهم، مسّت النفوذ الدولي لبريطانيا وسمّمت ثقافتها السياسية.
وقالت ليزلي فينجاموري، مديرة برنامج الولايات المتحدة والأميركتين في معهد "تشاتام هاوس"، إن مسألة كيفية التعامل مع ترمب كانت "أبرز سؤال في الدبلوماسية الغربية خلال السنوات الأربع الماضية"، معتبرة أن "المملكة المتحدة كانت في الجانب الخطأ منها".
ترمب وماكرون
وجونسون ليس الزعيم الغربي الوحيد الذي سعى إلى مصادقة ترمب، أو إقناعه واسترضائه، فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نسج علاقة صداقة مبكرة مع نظيره الأميركي، ودعاه إلى باريس في عام 2017، لحضور عرض عسكري في العيد الوطني لفرنسا، ولتناول عشاء في برج إيفل.
كذلك زارت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي البيت الأبيض، بعد أيام على تنصيب ترمب، والتُقطت صورة لها وهي تمسك بيده.
وتوترت علاقات ماكرون وماي بترمب سريعاً، لكن جونسون كان أكثر نجاحاً في علاقته بالرئيس، الذي وصفه بأنه "ترمب بريطانيا".
ونقلت "أسوشيتد برس" عن بريان كلاس، وهو أستاذ مشارك في السياسة العالمية بـ"يونيفرسيتي كوليدج لندن"، قوله: "السر المكشوف لأوروبا خلال حقبة ترمب، هو أن الجميع اعتقد بأنه خطر. لكن بوريس (جونسون) اعتقد بأنه كان مصدر تهديد يمكن أن يخدم مصالحه".
بريطانيا واستمالة أميركا
ولفتت الوكالة إلى أن مؤيّدين لبوريس جونسون، يجادلون بأنه لم يكن أمامه خيار سوى استمالة رئيس الولايات المتحدة، أبرز حليف للمملكة المتحدة، لا سيّما أنها انسحبت من الاتحاد الأوروبي (بريكست) وسعت إلى إبرام اتفاق تجاري جوهري مع واشنطن.
وأضافت أن جونسون حاول تغيير مسار ترمب، وإقناعه بالعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني. كما قاوم في البداية ضغوطاً أميركية لإقصاء شركة "هواوي" الصينية للتكنولوجيا، من شبكة الجيل الخامس للاتصالات السلكية واللاسلكية في بريطانيا، رغم أنه أذعن في النهاية. وفي الوقت ذاته، لم تبرم المملكة المتحدة والولايات المتحدة الاتفاق التجاري بعد.
لكن منتقدين يعتبرون أن جونسون بالغ في التودّد إلى ترمب، ولم ينل الكثير في المقابل.
وقالت إميلي ثورنبيري، وهي نائبة بارزة من حزب العمال المعارض، إن الموقف المتساهل لحكومة المحافظين إزاء الرئيس الأميركي كان "مهيناً وغير ضروري".
وأضافت في حديث لـ"أسوشيتد برس": "فعلنا كل ما في وسعنا لجذبه.. كان متنمراً، وطريقة التعامل مع المتنمرين تتمثل في مواجهتهم. كان ذلك خطأً مبدئياً، لم يعزّز مصالحنا بأي شكل، ومنح ترمب نوعاً من صدقية لم يكن يستحقها".
جونسون وترمب وبايدن
أشارت "أسوشيتد برس" إلى أن جونسون، مثل ترمب، انخرط في مسائل شعبوية، ووعود مبالغ فيها، معتمداً أحياناً لغة عنصرية وتحريضية.
وقالت إن رئيس الوزراء البريطاني أقرب إلى بايدن عن ترمب، في غالبية الملفات السياسية الكبرى، إذ يعتقد بجدوى التحالفات الدولية، مثل حلف شمال الأطلسي، وبأولوية مكافحة الاحتباس الحراري.
ولفتت الوكالة إلى أن ساسة ومسؤولين في المملكة المتحدة قلقون من أن ارتباط حكومة جونسون بترمب قد تمسّ علاقتها مع إدارة بايدن.
وتابعت أن ترمب لا يثق بجونسون، الذي وصف الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بأنه زعيم "نصف كيني" يكنّ كراهية لبريطانيا، مستمدة من أسلافه.
كما انتقد بايدن جونسون في الخريف، بعدما هدد الأخير بانتهاك اتفاق "بريكست"، الذي وقعه مع الاتحاد الأوروبي.
وفي مقال نشرته صحيفة "فايننشال تايمز"، كتب كيم داروتش، الذي خسر منصبه سفيراً للندن في واشنطن، بعد تسريب تعليقاته السرية الصريحة بشأن ترمب، في عام 2019: "هناك ثمن يجب دفعه... لتذلّلنا لسلف بايدن".
نتنياهو وتكتيكات ترمب
التغيير في رئاسة الولايات المتحدة محرج أيضاً بالنسبة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي لم يذكر اسم ترمب لدى إدانته الشغب "المخزي" في الكونغرس.
واعتبرت "أسوشيتد برس" أن تردّد نتنياهو في انتقاد صديقه ترمب لم يكن مفاجئاً، إذ إن الأخير "أمطره" في السنوات الأربع الماضية بهدايا دبلوماسية، بما في ذلك الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإبرام الأخيرة اتفاقات للتطبيع مع دول عربية.
لكن نتنياهو ربما كان أيضاً حذراً من انتقاد تكتيكات يستخدمها ضد أعدائه. فهو ينتقد كثيراً وسائل الإعلام، ويقلّل من شأن خصومه، بلغة تُعتبر عنصرية أو تحريضية، مثل ترمب.
ووصل نتنياهو إلى افتتاح محاكمته بتهم فساد، العام الماضي، برفقة حاشية من وزراء ونواب، وقفوا وراءه فيما كان يتهم وسائل الإعلام والشرطة والمدعين العامين والقضاء، بالتآمر لإطاحته في انقلاب. وفي الآونة الأخيرة، التزم نتنياهو الصمت فيما اتُهم مؤيّدون له بشنّ هجمات على متظاهرين مناهضين له.
وفي المملكة المتحدة، حذر النائب المحافظ نيل أوبراين، الذي يفنّد منشورات مناهضة للعلم على الإنترنت، من أن البريطانيين سيكونون مخطئين إذا رأوا في أحداث الكابيتول أزمة تقتصر على الولايات المتحدة.
وأضاف أن لدى بريطانيا أيضاً منظري مؤامرة، واجهوا الشرطة خلال تظاهرات مناهضة للإغلاق، نتيجة فيروس كورونا وساسة "يتودّدون إليهم لاستغلال طاقتهم".
وكتب أن الفوضى في واشنطن "لم تحدث فقط بسبب رجل واحد، ولكن لأن أشخاصاً في السلطة اتخذوا قرارات قصيرة المدى لدعم الوضع القائم"، وزاد: "لا أعتقد بأن ذلك لن يحدث هنا".