نفوذ "ائتلاف نتنياهو" يثير مخاوف في الجيش الإسرائيلي

time reading iconدقائق القراءة - 7
رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي يلقي بياناً مشتركاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تل أبيب إسرائيل. 12 سبتمبر 2019 - REUTERS
رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي يلقي بياناً مشتركاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تل أبيب إسرائيل. 12 سبتمبر 2019 - REUTERS
القدس- قاسم الخطيب

تواصلت حالة القلق داخل صفوف الجيش الإسرائيلي، جرَّاء "اتفاقات الائتلاف" التي مكَّنت حزب "الليكود" من تشكيل الحكومة برئاسة زعيمه بنيامين نتنياهو، والتي تسحب بعض اختصاصات رئاسة الأركان، وذلك بعد مرور أكثر من أسبوع على بدء الحكومة الجديدة مزاولة مهامها.

وتخشى الأجهزة الأمنية أن تصبح مسؤولة عن مواجهة وضعيات ناتجة عن قرارات لم تشارك في اتخاذها، وسط مخاوف من تفاقم الأوضاع بشكل قد يمثل تهديداً داخلياً ينتج عنه "تدمير أجهزة الأمن من الداخل"، عبر تسييسها وإخضاعها لمصالح حزبية، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية وآراء خبراء عسكريين.

وينص الاتفاق مع حزب الليكود، خلال مفاوضات تشكيل الحكومة، على نقل الإدارة المدنية ووحدة منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية إلى حزب "الصهيونية المتدينة" من خلال استحداث منصب جديد في وزارة الدفاع، تحت اسم "وزير في وزارة الدفاع".

ومنح الاتفاق زعيم حزب "الصهيونية المتدينة" الذي يشغل منصب وزير المالية، مسؤولية عمل تلك الوحدات بالتنسيق مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.

تحفظ الأجهزة الأمنية

في 26 ديسمبر الماضي، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية، خبراً مفاده أن رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية، أفيف كوخافي، أجرى محادثة غير عادية مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، قبل أن يتسلم الأخير مهام منصبه.

واستهدفت المحادثة، وفق ما نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية، نقل تحفظ الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على التغييرات التي طلبها الشركاء في حكومة نتنياهو على الجيش والأجهزة الأمنية.

وطلب كوخافي من نتنياهو منح الجيش الحق في نقل وجهة نظره المهنية، قبل أي قرار أو تشريع يعتزم اتخاذه، وأن يدعم نتنياهو الجيش بشكل كامل.

وأعرب كوخافي عن قلقه البالغ خلال المحادثة من التصريحات الهجومية التي تعرضت لها قيادات عسكرية في الجيش، من قِبل شخصيات مركزية في معسكر نتنياهو .

وكتب وزير الدفاع الإسرائيلي السابق بيني جانتس، على حسابه في تلجرام، يوم نقل الصلاحيات إلى خليفته: "أبلغت وزير الدفاع الجديد يواف جالانت، خلال لقائنا أنني قلق جداً من تقسيم وزارة الدفاع ومن تبعات خطوات المتطرفين في الحكومة على عمل الجيش، والتي يمكن أن تكون لها تأثيرات استراتيجية ".

عجز عن المناورة

بالنسبة للجيش والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، يأتي القلق من نقطتين أساسيتين، الأولى تتعلق بفقدان أداة طالما شكلت بالنسبة للجيش وسيلة مهمة للسيطرة على وتيرة تصاعد الأحداث على الأرض، وأعطته إمكانية اتخاذ خطوات تخفف من حدة الضغط داخل أراضي الضفة الغربية عند انشغاله بجبهات أخرى كجبهة غزة أو الجبهة الشمالية.

وبالتالي فإن الجيش بات فاقداً، على الأقل رسمياً، لقدرة المناورة بين الجبهات في أوقات الأزمة، ما يمكن أن يكون له تبعات قد تضطره في سيناريوهات قصوى، إلى نقل وحدات عسكرية من جبهة ملتهبة إلى الضفة الغربية حال اندلاع مواجهات بسبب قرارات صدرت عن الإدارة المدنية أو وحدة المنسق دون أخذ رأى الأجهزة الأمنية.

أجندة عقائدية

أما النقطة الثانية، فهي إخراج وحدات عسكرية تابعة للجيش من الهيكلية التنظيمية العسكرية للجيش الإسرائيلي وإلحاقها بوزارات أخرى، بمعنى أن رئيس هيئة الأركان، القائد العام للجيش، وصاحب المرجعية والمسؤولية عن عمل كافة الجنود، لن يكون مسؤولاً عن تعيين ضباط عسكريين في هذه الوحدات، وستنتقل المسؤولية إلى شخص آخر برتبة وزير، ومعه رئيس الحكومة الإسرائيلية.

وتخدم هذه التعيينات وفق الاتفاقات الائتلافية، أطرافاً سياسية ذات أجندات عقائدية وحزبية وسياسية، إذ باتت هي المسؤولة عنها بما يخدم مصالحها.

وفي هذه الحالة، ستخضع عمليات التخطيط والبناء وتوسيع المستوطنات وكل ما يتعلق بالناء الفلسطيني في منطقة "C" إلى رؤية وبرامج المستوطنين أنفسهم، الذين يشكلون أغلبية جمهور حزب "الصهيونية المتدينة" الذي يتزعمه الوزير سمودريتش.

وزير الدفاع وفق الاتفاقات الأخيرة، بات مُحيَّداً تقريباً عن هذه المسألة، لأنه رغم بقاء طرح المرشحين لإشغال هذه المناصب بيد الجيش، إلا أن الشخص المركزي، وصاحب حق النقض في كل ما يتعلق بهذه التعيينات، هو بتسلئيل سمودريتش، الوزير في وزارة الدفاع وليس وزير الدفاع أو رئيس هيئة الأركان.

"انهيار" التراتبية العسكرية

ويقول الجنرال المتقاعد، لواء احتياط، إيتان دانجوت، منسق سابق لأعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، سكرتير عسكري سابق لثلاثة وزراء دفاع في إسرائيل، إن هذه الاتفاقات "يمكن أن  تكسر محاور الارتكاز المركزية للبنيان العسكري الأساسي المبني عليه الجيش".

وأضاف دانجوت في حديث مع "الشرق"، أن "التغييرات تحمل في طياتها إمكانية لضرب القدرة على تنفيذ العمليات العسكرية، وتعصف بالمسؤولية والتراتبية العسكرية"، مشيراً إلى أنها "قد تقحم اعتبارات سياسية وحزبية دخيلة وغريبة في عمل الجيش، ما يشكل خطراً على صلابة المنظومة العسكرية والأجهزة الأمنية".

"كسر سلسلة القادة"

وتابع  الجنرال المتقاعد دانجوت قائلاً: "بالنسبة للعسكريين الحاليين والمتقاعدين والمراسلين العسكريين فإن هذه الخطوة هي كسر لما يعرف بـ(سلسلة القادة) داخل المؤسسة العسكرية، وضرب للهيكل العسكري التنظيمي للجيش الإسرائيلي، وربما بداية لتفكيكه من الداخل".

وواصل الخبير العسكري: "الجيش يعمل بصورة حادة وواضحة وبسيطة، كل شخص فيه خاضع لمستوى قيادي واحد وواضح ومعروف، أعلى منه، يكون مسؤولاً عنه"، وشدد على أن "يوجد شخص واحد مسؤول أمام المؤسسة السياسية الممثلة في شخصية وزير الدفاع وهو رئيس هيئة الأركان".

تعيين حاخام الجيش

ما زاد من مخاوف الجيش بهذا الخصوص، نقل صلاحية تعيين الحاخام الرئيسي للجيش من رئيس هيئة الأركان إلى لجنة تابعة للحاخامية الإسرائيلية العليا، التي تسيطر عليها رسمياً الأحزاب الدينية اليهودية الأرثوذكسية (الحريديم)، وفق اتفاق ائتلافي آخر بين الليكود وهذه الأحزاب.

بالإضافة إلى ذلك، تم نقل مسؤولية تحريك قوات حرس الحدود العاملة في الضفة الغربية، المكلفة بالتعامل مع المدنيين الفلسطينيين والمستوطنين داخلها، من نطاق صلاحيات الجيش ممثلاً في قائد المنطقة الوسطى الإسرائيلية، إلى وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، إيتمار بن جفير.

وأعلن بن جفير، في تصريحات سابقة، أنه سيُخرج هذه القوات من الضفة الغربية المحتلة، وينقلها إلى منطقة النقب لمواجهة ما أسماه "سرقة الأرض التي يقوم بها البدو في الجنوب ولإعادة الشعور بالأمان الشخصي للإسرائيليين هناك".

وتعني هذه الخطوة في حال حدوثها، أنه سيكون على الجيش استدعاء المزيد من وحداته العسكرية في الاحتياط من أجل تنفيذ مهام أقرب للمهام الشرطية، كانت تخص وحدات حرس الحدود التابعة رسمياً للشرطة الإسرائيلية التي تعمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة تحت إمرة الجيش الإسرائيلي. 

ويُشكل استدعاء قوات عسكرية احتياطية مزيداً من الضغط على قوات الجيش الإسرائيلي، ووقف برامج التدريب الخاصة بها، وضرب حالة الاستعداد العامة للجيش وتجهيز قواته، خصوصاً مع عودة ظهور سيناريو توجيه ضربة عسكرية للمشروع النووي العسكري الإيراني، إلى الواجهة.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات