"دبلوماسية اللقاحات" الصينية تترنّح بعد طلب متزايد لبدائل "أفضل"

time reading iconدقائق القراءة - 10
لقاح "كورونافاك" من شركة "سينوفاك" الصينية في بكين - 24 سبتمبر 2020 - Bloomberg
لقاح "كورونافاك" من شركة "سينوفاك" الصينية في بكين - 24 سبتمبر 2020 - Bloomberg
دبي – الشرق

بدأت دول اعتمدت على لقاحات صينية لمكافحة فيروس كورونا المستجد، تتحوّل إلى خيارات أخرى من الولايات المتحدة وأوروبا، مع تفاقم مخاوف بشأن فاعلية اللقاحات الصينية ضد سلالة "دلتا"، وتشديد الغرب قبضته على إمدادات الحمض النووي الريبوزي، المُستخدم في إنتاج لقاحاته، كما أفادت وكالة "بلومبرغ".

وفي الأيام الأولى لطرح لقاحات كورونا، أنقذت جرعات صينية، أنتجتها شركتا "سينوفارم" و"سينوفاك"، عدداً لا يُحصى من الأرواح، بعد إطلاق حملات تلقيح في آسيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط، فيما خزّنت دول غنية جرعات نادرة من لقاحات أنتجتها شركتا "فايزر" و"موديرنا".

لكن بيانات الجمارك الصينية تفيد بانخفاض صادرات اللقاحات البشرية بنسبة 21% في أغسطس الماضي، إلى 1.96 مليار دولار، من 2.48 مليار دولار في يوليو، بعدما ارتفعت بشكل مضطرد منذ ديسمبر 2020.

ونقلت "بلومبرغ" عن نيكولاس توماس، وهو أستاذ مساعد في جامعة مدينة هونج كونج، أشرف على تحرير كتب بشأن السياسة الخارجية والصحة العامة، قوله إن "الناس أخذوا ما يمكنهم الحصول عليه بشكل أساسي"، عندما أصبحت لقاحات كورونا متاحة للمرة الأولى.

واستدرك: "مع استمرار الأمر، بات عامة الناس، وليس فقط ممارسي الطب، أكثر تثقيفاً بشأن الاختلافات، إذ أدركوا أن اللقاحات ليست متساوية من حيث الحماية" التي تؤمّنها.

متحوّر "دلتا"

هذا التحوّل حدث خلال تفشٍ مميت للجائحة في تايلاند، في وقت سابق من هذا العام. ومع ارتفاع حالات الإصابة وتحوّل جنوب شرقي آسيا إلى بؤرة جديدة للفيروس، حاولت تايلاند يائسة شراء لقاحات، وجاء مورّد واحد فقط في الوقت المناسب، هو شركة "سينوفاك" الصينية.

أتاحت جرعات الشركة للبلاد التي يقطنها 70 مليون شخص، بدء حملة تلقيح في وقت أبكر من المتوقّع، لكن تايلاند واجهت سريعاً تحدياً تواجهه الآن كل دول العالم النامي، بحسب "بلومبرغ".

تتراوح فاعلية اللقاحات في الصين، بين نحو 50% و80% في التجارب السريرية. لكنها أقلّ فاعلية من لقاحات الحمض النووي الريبوزي، وتتزايد تساؤلات بشأن فاعليتها ضد متحوّر "دلتا".

نتيجة لذلك، باتت الحكومة التايلاندية الأولى في العالم التي تتيح جرعة من لقاح "أسترازينيكا" للأشخاص الذين تلقّوا جرعة أو اثنين من لقاح "سينوفاك". وعلى رغم أن لقاح "أسترازينيكا" لا يستند إلى الحمض النووي الريبوزي، أظهرت دراسات تايلاندية فاعليته بوصفه تعزيزاً للقاح الصيني، كما أن جرعة "فايزر" كانت أكثر فاعلية.

"سينوفاك" في تايلاند

وسارع تايلانديون إلى إعلان تفضيلهم للجرعات الغربية، وحتى تنظيم تظاهرات للمطالبة بها، وبدأت المعارضة في البلاد بانتقاد الحكومة، نتيجة اعتمادها على بكين. وأوقفت تايلاند طلبات لشراء لقاحات "سينوفاك"، وبدأت بشراء مزيد من اللقاحات الغربية.

وقال المدرّس التايلاندي تشاوات سيتيساك (29 عاماً)، الذي حصل على جرعة أولى من "سينوفاك"، لكنه طلب من مستشفى خاص جرعة ثانية من لقاح "موديرنا": "لست مناهضاً لسينوفاك. لو أن ثمة لقاحاً واحداً فقط في العالم، هو سينوفاك، كنت سأحصل عليه. ولكن لدينا خيارات كثيرة أخرى، وأريد كل ما هو أفضل".

وزاد: "الحكومة تنأى عن سينوفاك إذ عليها المضيّ في خطتها لإعادة فتح (القطاع الاقتصادي)، وتريد تقليص نسبة التردّد في تلقّي اللقاحات، لدى الأشخاص الذين لا يريدون سينوفاك. إنهم يلجأون إلى بدائل أفضل".

وعود غربية بلقاحات

وأشارت "بلومبرغ" إلى أن حكومات اعتمدت سابقاً على جرعات صينية، تطلب الآن لقاحات الحمض النووي الريبوزي، أو تسعى للحصول على تبرعات منها.

ورجّحت أن يتسارع النأي عن الصين، بعدما تعهد الرئيس الأميركي، جو بايدن، بالتبرّع بـ 1.1 مليار جرعة من لقاحات الحمض النووي الريبوزي، ووعدت أوروبا بمئات الملايين من الجرعات، كما تستعد الهند مرة أخرى لتصدير لقاحات "أسترازينيكا"، بعد تقليص الشحنات إثر تعرّضها لموجة ثانية مميتة من الفيروس، علماً أن متلقّي اللقاحات الصينية لا يستطيعون السفر إلى دول، مثل سنغافورة.

"سينوفاك" أبلغت "بلومبرغ" أن لقاحها (كورونافاك) كان فعالاً في تجنّب الاستشفاء ودخول العناية المركزة والوفيات، طيلة تفشي الجائحة.

وقال ناطق باسم الشركة إن دولاً أتاحت أولاً لقاح "سينوفاك" للمسنّين، الذين يزيد احتمال إدخالهم مستشفى بعد إصابتهم بكورونا، بينما تلقّى المواطنون الأصغر سناً لقاحات مختلفة في وقت لاحق، مشدداً على "وجوب أخذ هذا الأمر بالاعتبار في تقييم فاعلية كورونافاك". وأضافت الشركة أن بلداناً كثيرة، بما في ذلك تايلاند، "اشترت لقاحات من عدة مورّدين، من أجل زيادة عدد الجرعات المتاحة لسكانها".

وذكرت "بلومبرغ" أن لائحة البلدان التي تنأى عن اللقاحات الصينية، أو تستخدم معزّزات غربية، تشمل سنغافورة وتركيا والإمارات. وفي هونج كونج الصينية، التي لطالما خيّرت سكانها بين "فايزر" و"سينوفاك"، يختبر مسؤولون صحيون الآن ما إذا كانت اللقاحات الصينية ستتيح أداءً أفضل، لدى إقرانها بجرعة معزّزة من لقاح غربي.

جرعات "أكثر أماناً"

وحتى في باكستان، حليفة الصين والتي استخدمت جرعات صينية في 84% من حملتها لتطعيم شعبها، يبذل بعضهم قصارى جهده للعثور على لقاحات غربية.

وقال محمد كاشف (41 عاماً)، الذي يعمل سائق توصيل على دراجة في كراتشي، إنه شعر بأنه محظوظ لعثوره على جرعة نادرة من لقاح "موديرنا"، في مركز تلقيح مزدحم حيث أُرغم الوافدون في وقت لاحق على تلقّي "سينوفاك".

وستتلقّى تايلاند في أكتوبر آخر شحنة من لقاحات "سينوفاك"، وتشمل 6 ملايين جرعة. وفي عام 2022، ستكون ثلاثة أرباع طلبيات الشراء الحكومية على الأقلّ، من "أسترازينيكا" و"فايزر".

وتشكّل خطوة تايلاند ضربة لطموحات "دبلوماسية اللقاحات" الصينية، لكن حكومات تواجه تحدي إيجاد توازن صعب بين الرغبة في حماية شعبها، والحفاظ على علاقات جيدة مع بكين. وحرصت وزارة الصحة التايلاندية على تأكيد أنها لا تعتبر أن جرعات "سينوفاك" غير فعالة، رغم امتناعها عن طلب مزيد منها.

وأفادت "بلومبرغ" بأن شركات صينية صدّرت نحو 884 مليون جرعة من لقاحاتها، عبر صفقات ثنائية غالباً، مع دول مثل البرازيل وإندونيسيا. وبدأت تشيلي هذا الأسبوع بإعطاء جرعات "سينوفاك" للأطفال الذين تقلّ أعمارهم عن 6 سنوات.

إفريقيا ومبادرة "كوفاكس"

ولا تزال هناك أجزاء كثيرة من العالم، تعاني من نقص حاد في اللقاحات. ففي دول إفريقية، بالكاد بدأت حملات تلقيح، بعدما كافحت للحصول على جرعات. وتعتمد ساحل العاج وبوركينا فاسو وكينيا على اللقاحات الصينية، كما أن بكين هي أبرز مورّد لمبادرة "كوفاكس"، المدعومة من "منظمة الصحة العالمية" وتستهدف إيصال اللقاحات إلى العالم النامي. وتعهد الرئيس الصيني، شي جين بينج، بتصدير مليارَي جرعة هذا العام، معادلاً بذلك التزامات أعلنتها مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى.

وأظهرت دراسات أُجريت في كل أنحاء العالم، فاعلية الجرعات في منع إصابات خطرة والوفاة نتيجة الفيروس. ومع ذلك، لم تُصدِر شركات الأدوية الصينية دراسات قاطعة مماثلة، بشأن فاعلية اللقاحات المعطلة ضد متحوّر "دلتا".

وقال بنجامين كولينغ، أستاذ علم الأوبئة والإحصاء الحيوي في جامعة هونج كونج: "إذا حصلت على لقاحات أكثر فاعلية من غيرها، والتكلفة هي ذاتها تقريباً، فستحصل على فائدة أفضل إذا اخترت اللقاحات الأكثر فاعلية".

وأضاف كولينغ، الذي نشر دراسة حديثة في مجلة "لانسيت"، أظهرت أن لقاح "فايزر" أنتج أجساماً مضادة أكثر بعشر مرات من "سينوفاك": "ما زلت أعتقد بأن الإمدادات محدودة، لذلك قد لا يكون الأمر سهلاً مثل القول: نريد فقط طلب لقاح موديرنا، أو أي شيء آخر".

اقرأ أيضاً: