أعلنت شركة "روساتوم" الروسية الحكومية العملاقة، الأربعاء، بدء إنتاج معدات أول محطة طاقة نووية في مصر، بمنطقة الضبعة على ساحل البحر المتوسط، وهو المشروع الذي تعاقدت عليه مصر وروسيا في عام 2015.
ونقلت وكالة "تاس" الروسية للأنباء، عن الشركة الروسية قولها إن إنتاج المعدات اللازمة للمحطة يتم في موسكو.
وأعلنت هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء في مصر، أن "روساتوم" قد تحصل على ترخيص بناء الوحدة الأولى من المحطة في الربع الثالث من العام الجاري، بحسب ما أفادت به "تاس".
وقال نائب رئيس "روساتوم" إن "بناء المحطة في مصر قد يبدأ في النصف الأول من يوليو المقبل".
شائعات الإلغاء
مشروع الضبعة النووي لتوليد الطاقة الكهربائية الذي تنفذه شركة "روساتوم" الروسية يهدف إلى إنشاء أول محطة طاقة نووية في مصر، بتكلفة 28.5 مليار دولار، تُموّل من خلال قرض روسي بقيمة 25 مليار دولار يتم سداده على 35 سنة.
وتسبب عدم تنفيذ المشروع على الرغم من التعاقد عليه في 2015، في انتشار شائعات تفيد بإلغائه، ما دفع مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء المصري، إلى إصدار بيان في 6 أغسطس 2021، ينفي فيه ما تردد من أنباء في هذا الصدد، فيما أكدت وزارة الكهرباء المصرية التي تشرف على المشروع، استمرار التنفيذ بشكل طبيعي ووفقاً للمخطط الزمني.
هذا النفي من جانب مجلس الوزراء المصري، تبعه تأكيد آخر إنما بشكل عملي، إذ تلقى تلقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في 15 نوفمبر 2021، اتصالاً هاتفياً من نظيره الروسي فلاديمير بوتين، بحثا خلاله عدداً من الملفات، كان أبرزها "استعراض مستجدات الموقف التنفيذي لمشروع محطة الضبعة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية"، بحسب بيان لرئاسة الجمهورية آنذاك.
مفاعلات متطورة
ويضم مشروع الضبعة وفق بيانات رسمية للوزارة، 4 مفاعلات نووية بقدرة إجمالية 4 آلاف و800 ميجاوات، وهي من الجيل الثالث المطور "GEN+3" والتي تعد أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا النووية الحديثة لضمان التشغيل الآمن والموثوق في المستقبل.
وعلى الرغم من التأكيدات المتعلقة بالأمان، إلا أن ذلك لم يمنع انتشار شائعات كثيرة بشأن تسبب في الإضرار بالبيئة وتلوّث المسطحات المائية، وهو ما نفاه مجلس الوزراء المصري أيضاً في 14 ديسمبر 2021.
جدول زمني غير مكتمل
ووفقاً للجدول الزمني للمشروع المنشور على موقع هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء، كان من المفترض صدور الموافقة على البدء في تصنيع قلب المفاعل في 2021.
ويوضح الجدول المرفق تفصيلاً أن التقدم بطلب إذن الإنشاء كان يفترض أن يتم في 29 يونيو من العام ذاته للوحدتين الأولى والثانية، وفي 30 ديسمبر للوحدتين الثالثة والرابعة"، لكن لا تتوفر معلومات رسمية بشأن ما إذا كان الإذن قد صدر أم لا.
وفي 6 أغسطس الماضي، أعلنت وزارة الكهرباء أنه تم الانتهاء من تسليم وثائق التراخيص والمستندات المطلوبة كافة من هيئة المحطات النووية إلى هيئة الرقابة النووية والإشعاعية للحصول على "إذن الإنشاء" للوحدتين الأولى والثانية من المحطة، لضمان التشغيل الآمن للمنشآت النووية.
وقالت الوزارة وقتها إنه "تم انطلاق عمليات تصنيع المعدات طويلة الأجل لأول محطة مصرية للطاقة النووية في روسيا"، وهو ما يتعارض مع تصريحات نائب رئيس الشركة الروسية، الأربعاء، بأن تصنيع المعدات بدأ أخيراً.
ولا يوضح الجدول الزمني الرسمي أي خطوة بعد 30 ديسمبر 2021، أو موعداً لبدء تنفيذ الشق النووي من المشروع في الموقع، أو موعداً للتشغيل وبدء إنتاج الكهرباء.
زيارات ميدانية
وترأس وزير الكهرباء المصري محمد شاكر، في ذلك الوقت، وفداً رفيع المستوى لزيارة مصنع "تياج ماش" بمدينة سيزران الروسية، والذي يعد أحد أكبر المرافق لصناعة المعدات في روسيا.
وفي 15 يوليو 2021، اصطحب شاكر، آليكسي ليخاتشوف مدير عام مؤسسة "روساتوم"، ونائبه الدكتور ألكسندر لوكشين، وعدد كبير من المسؤولين الروس والمصريين، في زيارة تفقدية لموقع المشروع، وأعلن شاكر وقتها أن هناك "تطورات وديناميكية إيجابية في تنفيذ المشروع"، بحسب بيان لوزارة الكهرباء بعد الزيارة.
وقبل ذلك بـ3 أشهر، كانت هناك زيارة مماثلة في 9 أبريل، اصطحب خلالها شاكر، رئيس شركة "أتوم ستروى اكسبورت" وهو المقاول الرئيسي لعقد إنشاء المحطة، ووفد روسى رفيع المستوى من "روساتوم".
تعثر منذ 44 عاماً
بدأت مصر التفكير في المشروع في ستينات القرن الماضي، في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي كان على علاقة قوية بالاتحاد السوفيتي، لكنها اتخذت أول إجراء بعد ذلك بسنوات، وتحديداً عام 1978 حين تم اختيار موقع المحطة على مرحلتين، وبعد سنتين انتهت المفاضلة لصالح موقع الضبعة عام 1980.
وفي عام 1986 وقع حادث انفجار مفاعل تشيرنوبل، فتوقفت مصر عن التفكير في المشروع حتى عام 1999، حين بدأت هيئة المحطات النووية إعداد دراسة جدوى مبدئية انتهت منها في 2001.
ثم تعثر الأمر مجدداً حتى عام 2005 حين تم تحديث دراسة الجدوى، وبعد ذلك بعامين أعلنت مصر قرارها الاستراتيجي ببناء عدد من المفاعلات.
وفي العام التالي (2008) وقعت القاهرة اتفاقية مع روسيا للتعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية.
وفي 2009 تم توقيع عقد فني لتقديم الخدمات الاستشارية مع شركة "ورلي بارسونز" إيذاناً بالتنفيذ، لكن هذا لم يحدث أيضاً إذ تسببت أحداث 25 يناير 2011 وما سبقها من إرهاصات وتبعها من مشكلات في تجاهل الحديث عن المشروع تماماً حتى عام 2014.
في ذلك العام، استقرت الأمور السياسية إلى حد كبير بانتخاب السيسي رئيساً للجمهورية، وبدأت التحضيرات لطرح مناقصة لاختيار مقاول الهندسة والتوريد والبناء.
وفي العام التالي تم توقيع اتفاقية بين حكومتي القاهرة وموسكو لإنشاء المحطة، واتفاقية مماثلة بين وزارتي المالية في البلدين لتمويل المشروع، وفي 2016 تم توقيع عقد التوريد والهندسة بالفعل.
وبحلول العام 2017 تم توقيع إشعار البدء والذي يعتبر إشارة البداية الرسمية للمشروع، وتقديم طلب إذن قبول الموقع إلى هيئة الرقابة النووية والإشعاعية، وفي 2018 بدأت أعمال المسح الهندسي والتصميم المبدئي.
وحصلت هيئة المحطات النووية على "إذن قبول الموقع" من هيئة الرقابة النووية في 10 مارس 2019، ويعني الإذن إقراراً بأن الموقع وخصائصه تتوافق مع المتطلبات المصرية، ومتطلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وخلال العام التالي بدأ تشييد الرصيف البحري وأعمال البنية التحتية والأعمال غير النووية ومساكن العاملين المصريين والأجانب ومركز الألعاب الرياضية والمدرسة ودار الحضانة وغيرها من المباني الخدمية لتقديم متطلبات الإعاشة.
اقرأ أيضاً: