هل أفضت استثمارات الهند في أفغانستان إلى طريق دبلوماسي مسدود؟

time reading iconدقائق القراءة - 7
العلمان الهندي والأفغاني - "الشرق"
العلمان الهندي والأفغاني - "الشرق"
دبي- الشرق

فشلت سياسة الهند في تقديم منح سخية لأفغانستان في تحقيق أهدافها أو منع سقوط البلاد في قبضة حركة طالبان التي تدعمها باكستان الخصم التاريخي لنيودلهي، بحسب وكالة "بلومبرغ" الأميركية، ولم تفلح استثمارات بقيمة 3 مليارات دولار، في وضع موطئ قدم للهند داخل أفغانستان.

وذكر تقرير للوكالة أن نيودلهي عليها بحث نتائج سياستها تجاه كابول خلال العشرين عاماً الماضية، بعد سقوطها تحت سيطرة حركة طالبان في 15 أغسطس الجاري، ما سبب شعوراً بالصدمة للكثير من الدول، دفعها إلى إجلاء قواتها العسكرية وأفراد بعثاتها ومعداتها عن أفغانستان.

وتساءل التقرير "أنفقت الهند مليارات الدولارات في أفغانستان، وأحاطت رهاناتها بمزيج من القوة الناعمة والخشنة، فهل حققت نيودلهي أهدافها؟.

في عام 2015 افتتح رئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي، مبنى البرلمان الأفغاني الجديد ـ الذي تكفلت الهند ببنائه بتكلفة بلغت 90 مليون دولار ـ واصفاً إياه بأنه "تكريم الهند للديمقراطية في أفغانستان". 

 وفي العام التالي كشف مودي النقاب عن قصر "ستور" في كابول الذي يعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر، وكان مسكن الملك الأفغاني أمان الله خان أثناء ولايته في عشرينيات القرن الماضي، بعد أن انتهت عمليات تجديده.  

وفي نفس العام 2016، افتتح رئيس الوزراء الهندي سد "سلمى" الذي يُعد أحد أهم مشروعات البنية التحتية في مدينة هرات الغربية، حيث يسمح بوصول المياه إلى المناطق المحيطة، وري آلاف الأفدنة من الأراضي الزراعية.

ومع استثماراتها في مشروعات الطرق السريعة والمباني الأخرى، يبلغ إجمالي ما أنفقته الهند في أفغانستان 3 مليارات دولار، ما يجعلها واحدة من أكبر المانحين الإقليميين لكابول.

وبينما لا يمثل هذا المبلغ رقماً هائلاً مقارنة بالوعد الذي قطعته الهند على نفسها هذا الشهر، بإنشاء بنية تحتية محلية بقيمة 1.4 تريليون دولار، إلا أنه يبقى من الصعب فهم ما حققته هذه السياسة، مع انتشار صور تواجد عناصر طالبان داخل مبنى البرلمان.

وبحسب تقرير "بلومبرغ"، تركز مقاربة السياسة الخارجية لحكومة مودي، القائمة على "دول الجوار أولاً"، على حفظ السلام، والتمسك بعلاقات المنفعة المتبادلة في المنطقة.

وتستثمر هذه السياسة مليارات الدولارات في "دول الجوار" بدءاً من بوتان إلى نيبال، من خلال ميزانية وزارة الشؤون الخارجية ووزارات أخرى.

المخاوف باتت واقعاً

كان الهدف الأساسي من تبني هذه المقاربة تجاه أفغانستان هو "ضمان عدم سقوط البلاد في يد طالبان التي تدعمها باكستان، أو أي قوة من هذا القبيل"، وفقاً لما قاله السفير السابق في. بي. هاران، ضمن سلسلة محاضرات نظمتها وزارة الشؤون الخارجية الهندية في 2017. وبعيداً عن الصداقة والنوايا الطيبة، كانت الهند تعرف دائماً أهدافها. 

أما الآن، فقد حذر تقرير "بلومبرغ"، من أن هذه المخاوف باتت "واقعاً يتعين على الهند وضعه في الاعتبار". كما يجب على مؤسستها الأمنية أن تقيم ما إذا كانت كشمير "ستدخل مجدداً ضمن مفردات اللعبة"، مثلما كانت منذ 3 عقود، عندما وجه المسلحون الإسلامويون انتباههم صوب المنطقة بعد الانسحاب السوفيتي من أفغانستان.  

ولم تضع الاستثمارات الهندية البلاد في وضع يسمح لها بإدارة هذا الخطر، لأن نيودلهي فشلت في أن تجعل لها موطئ قدم استراتيجي في أفغانستان، هي في واقع الأمر في أمس الحاجة إليه.

وبينما قالت إدارة مودي مراراً إن دبلوماسيتها هذه لا تتعلق بالمعاملة بالمثل، إلا أن الحقيقة هي أنه مع سقوط أفغانستان في آتون الفوضى، فإن الهند لا تمتلك الآن أي نفوذ يضمن لها عدم تحول كابول إلى تهديد أمني أكبر، في جميع أنحاء جنوب ووسط آسيا.

سياسة "انتظر وراقب"

وزير الشؤون الخارجية الهندي، إس جايشانكار قال الخميس الماضي، إن بلاده استثمرت فقط في صداقتها مع الشعب الأفغاني، وأصر على أنها ستجني قيمة هذه الاستثمارات كاملة. وأشار جايشانكار إلى أن بلاده ستتبنى في الوقت الحالي مقاربة "انتظر وراقب".  

وتابعت الوكالة أنه إذا كانت استراتيجية الهند تهدف إلى ضمان أن يكون لها حضور قوي في هذا الموقع الجغرافي الاستراتيجي، فإن هذا يعني أنها فشلت فشلاً ذريعاً، ففي واقع الأمر، بخلاف استثماراتها في مشروعات البنية التحتية، لم تتمكن نيودلهي من تدشين مشروعات مهمة على الأرض.  

وفي تطور آخر مهم، كان من المفترض أن يفتح ميناء تشابهار في إيران طريقاً مهماً لربط أفغانستان بآسيا الوسطى، متجاوزاً باكستان المنافس اللدود للهند، لكن في ظل تأثر هذا المشروع بتفشي جائحة كوفيد-19، وتهديد فرض مزيد من العقوبات على إيران، فإنه من المرجح أن يواجه هذا الميناء بيئة تشغيل أكثر تعقيداً بعد وصول طالبان إلى سدة السلطة.

درس الصين

وأضافت "بلومبرغ" أن الصين "قدمت درساً جيداً في هذا السياق"، حيث ضمّن تدشين مبادرة "الحزام والطريق" في جميع أنحاء إفريقيا وأوربا الشرقية، وأماكن مثل سريلانكا وجزر المالديف، أن ما تتمتع به الصين من ثقل سيمنحها الأولوية المطلقة في المنطقة.

ومن ثم، فإنه على الرغم من ضخ بكين القليل من الأموال في أفغانستان، إلا أنها ضمنت احتفاظها ببعض حقوق التعدين هناك، على الرغم من عدم وجود إنتاج بسبب اعتبارات أمنية، وهو ما يعني أن "الصين تمكنت ـ إذن ـ من تقييم المخاطر والمكاسب على نحو جيد"، وفقا لـ "بلومبرغ". 

وتُرجع "بلومبرغ" جزءاً من نجاح الصين إلى "انخراطها الاستراتيجي مع طالبان". ونتيجة لذلك، "يتحدث العالم الآن عن كيفية استفادة الصين من التحولات الأخيرة في الأحداث، بينما يتحدث في نفس الوقت عن التحديات الجيوسياسية التي فرضت نفسها على الهند". 

وبات واضحاً أن نيودلهي فشلت في تغيير موقفها الدبلوماسي، بما يتماشى مع تغير موازين القوى على الأرض في أفغانستان.

وفي ورقة عمل تناولت خيارات الهند بمجرد اتمام الولايات المتحدة انسحابها العسكري، أشارت "مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي"، إلى أن "المزيد من الانخراط في المباحثات الدولية، والموافقة على التحدث إلى أقسام معينة داخل طالبان، باعتبارهما جزءاً من مبادرة دبلوماسية أكبر، يمثلان خيارات لم يعد بوسع الهند تجاهلها".

وكانت سياسة الهند في أفغانستان تتعلق في الغالب بالقوة الناعمة، فإلى جانب البرلمان والسد، تم إنشاء العديد من المشروعات المجتمعية والمدارس، وبالطبع يحب الأفغان أفلام بوليوود الهندية، لكن رغم ذلك، "تحول مسار الاعتدال والتوسط الذي تسلكه الهند تجاه أفغانستان إلى طريق دبلوماسي مسدود"، كما تخلص "بلومبرغ".

اقرأ أيضاً: