تقرير: غياب زعيم كازاخستان السابق عن المشهد السياسي "لغز كبير"

time reading iconدقائق القراءة - 8
رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف (يسار) إلى جانب الرئيس السابق نور سلطان. 16 مايو 2019. - REUTERS
رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف (يسار) إلى جانب الرئيس السابق نور سلطان. 16 مايو 2019. - REUTERS
دبي-الشرق

بعد أسبوع من الاضطرابات العنيفة التي تهز كازاخستان، إثر احتجاجات على ارتفاع أسعار الغاز، أسفرت عن وفاة العشرات واعتقال الآلاف خلال أسوأ أعمال عنف تشهدها الجمهورية السوفيتية السابقة، يُمثل غياب الرئيس الأول للبلاد، نور سلطان نزارباييف الواضح عن المشهد السياسي "لغزاً كبيراً"، حسب تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال".

وقالت الصحيفة الأميركية، في تقرير نشرته، السبت، إن "الرجل القوي" الذي قاد كازاخستان لما يقرب من ثلاثة عقود، سعى إلى التخلص من كل التحديات التي تواجه حكمه بالقوة، فيما يقول دبلوماسيون إنه عندما تنحى عن منصبه كرئيس للبلاد عام 2019، اختار حليفاً وثيقاً خلفاً له، ولكنه استمر في "ممارسة السلطة من وراء الكواليس".

وأشارت الصحيفة إلى أن الأنباء المتعلقة بزعيم البلاد السابق ظهرت، السبت، عندما قال المتحدث باسمه إن نزارباييف، البالغ من العمر 81 عاماً، كان في العاصمة التي تُسمى على اسمه "نور سلطان"، وإنه يتلقى مكالمات من حلفاء، ويدعو الشعب إلى دعم الرئيس الحالي قاسم جومارت توكاييف.

وذكرت الصحيفة أن توكاييف، "حاول سحق الانتفاضة الأخيرة"، بإصدار أوامر لقوات الأمن بإطلاق النار "من دون سابق إنذار"، وطلب دعماً من موسكو، كما تحرك لتقليص سلطات نزارباييف، وأقاله، الأربعاء، من منصب رئيس مجلس الأمن في البلاد، ما أدى لتجريده من أهم منصب رسمي له.

كما أقال الرئيس حلفاء مهمين لنزارباييف من الحكومة، ومنهم رئيس جهاز الأمن الداخلي القوي، الذي شغل منصب رئيس الوزراء في عهد الرئيس السابق، قبل اعتقاله بتهمة "الخيانة"، ليحل محله رئيس الأمن الخاص بتوكاييف، الذي أقال الأربعاء أيضاً رئيس الوزراء في حكومته، التي كان قد اختارها نزارباييف، وألقى باللائمة عليهم في تأجيج الاضطرابات الأخيرة.

"صراع" على السلطة

"وول ستريت جورنال" اعتبرت أن كل هذه الخطوات تثير تساؤلات حول ما إذا كان هناك صراع على السلطة بين النخبة في البلاد، وسط أعمال العنف الأخيرة.

ونقلت الصحيفة عن دبلوماسيين قولهم إن "هناك معسكرين منفصلين متحالفين مع كل من الرجلين يتنافسان في البلد الذي يمثل فيه القُرب من السلطة والصلات الأسرية سبيلاً مضموناً للحصول على الخدمات والوظائف".

فاسيلي كاشين، المتخصص في شؤون الجمهوريات السوفيتية السابقة في المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، قال للصحيفة: "لطالما كان من المتوقع حدوث أزمة سياسية حول انتقال السلطة في البلاد، وسواء كان الأمر بسبب العنف أو لا، فإن حظوظ نزارباييف تبدو غير واضحة." 

ووفقاً للصحيفة، فإن بعض المراقبين يعتقدون أن توكاييف يحاول أن ينأى بنفسه عن نازرباييف الذي لا يحظى بشعبية كبيرة، لافتة إلى أنه عندما تجمعت الحشود في وقت سابق من الأسبوع الماضي، هتفوا بغضب: "ارحل أيها الرجل العجوز" في إشارة إلى الرئيس السابق.

وظل نزارباييف على مدى عقود يعمل على تشكيل النظام السياسي للبلاد، إذ قام بتركيز السُلطة في أيدي نخبة حاكمة صغيرة ثرية، تحظى بحماية الأجهزة الأمنية المدربة جيداً في البلاد، وذلك وفقاً لما نقلته الصحيفة عن دبلوماسيين حاليين وسابقين.

وتابعت الصحيفة: "شغلت ابنة نزارباييف الكبرى، داريجا، منصب رئيسة مجلس الشيوخ في برلمان كازاخستان، وهو ثاني أقوى منصب في البلاد، وقد ظلت في المنصب حتى عام 2020، كما أنشأت ابنته الأخرى، دينارا، وزوجها واحدة من أكبر الإمبراطوريات التجارية في البلاد".

"ديكتاتورية" نزارباييف

وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي، كسب نزارباييف بعض الأصدقاء في الغرب وذلك من خلال التخلي عن الأسلحة النووية التي ورثتها بلاده عن الاتحاد السوفييتي، كما عمل في السنوات التي تلت ذلك على تعزيز تلك العلاقات من خلال السماح لشركات النفط الأميركية الكبرى بالاستفادة من احتياطيات النفط في البلاد، حسب الصحيفة.

ويقول السفير الأميركي السابق في كازاخستان، ويليام كورتني: "لقد بدأ نزارباييف حكمه بشكل جيد، من نواحٍ كثيرة، كما كان حكمه الاستبدادي أخف من بعض البلدان الأخرى، لكنه بات يجرى إصلاحات أقل مع مرور الوقت، وأصبح الحكم الاستبدادي، حكماً ديكتاتورياً، وباتت عدم المساواة في الدخل هي القضية الأكثر أهمية بالنسبة للسكان العاديين".

ولفتت الصحيفة إلى أنه على مدى سنوات طويلة ظل نزارباييف يحقق الفوز في الانتخابات بالحصول على أكثر من 80% من الأصوات، لكن بعيداً عن صناديق الاقتراع، ظل الرئيس السابق يعمل على "إخماد كل التحديات" التي تواجه حكمه حتى مع تزايد المعارضة في البلاد.

وفي عام 2001، ساعد رجل الأعمال ووزير الطاقة والصناعة والتجارة السابق مختار أبليازوف في تأسيس حزب سياسي يهدف إلى تفكيك النظام السياسي لنزارباييف، ولكنه في العام التالي، أدين بـ"إساءة استخدام صلاحياته"، عندما كان وزيراً وحُكم عليه بالسجن 6 أعوام.

لكن الضغط الدولي، أجبر نزارباييف على إطلاق سراح أبليازوف عام 2003، ثم انتقل الأخير للعيش في إحدى الدول الأوروبية، وتقول السلطات الكازاخية إنه "يواصل تمويل المعارضة" في البلاد، حسب الصحيفة.

استياء شعبي

وبعد انخفاض أسعار النفط في عام 2008، زاد الاستياء الشعبي إزاء حجم ثروة نزارباييف وعائلته، ما أدى إلى سلسلة من الاحتجاجات، قمعت السلطات بعضها بعنف. وفي عام 2011، أطلقت أجهزة الأمن النار على عمال نفط يطالبون بتحسين الأجور، وقُتِل أكثر من عشرة متظاهرين.

وفي عام 2014 اندلعت مظاهرات بسبب انخفاض قيمة العملة، كما نزل الناس إلى الشوارع في عام 2016 لمعارضة إجراءات إصلاح الأراضي التي شعروا أنها ستفيد المستثمرين الصينيين.

وتابعت الصحيفة: "بعد تسليم السلطة رسمياً إلى توكاييف في عام 2019، واصل نزارباييف السيطرة إلى حد كبير على الحياة السياسية في كازاخستان".

وتولى نزارباييف سلسلة من المناصب تمنحه مكانة مميزة فوق بقية أعضاء الطبقة السياسية في البلاد، وفي عهد توكاييف، ظلت السياسات الحكومية على حالها واستمرت مستويات المعيشة للعديد من الكازاخيين في الانخفاض.

احتجاجات "سياسية"

واستمرت الاحتجاجات أيضاً، لكنها اتخذت بحسب الصحيفة "طابعاً سياسياً أكثر بمرور الوقت"، إذ نظم نشطاء حملات من أجل إقامة "نظام سياسي أكثر ليبرالية، يسمح لأحزاب المعارضة بالمنافسة في الانتخابات، واستهدف المتظاهرون استمرار دور نزارباييف وبطء وتيرة التغيير".

ووفقاً للصحيفة، أثارت هذه الاحتجاجات الأخيرة رد فعل عنيفاً من جانب الحكومة أيضاً، وذلك على الرغم من أن نزارباييف لم يكن ظاهراً في الواجهة هذه المرة.

في هذا الإطار، تقول عالمة الاجتماع بجامعة "كامبريدج" والخبيرة في شؤون كازاخستان ديانا كودايبيرجينوفا: "لقد تحولت الاحتجاجات الاقتصادية في البلاد إلى احتجاجات سياسية، إذ وجد الشعب أن مجرد رحيل الرئيس لا يؤدي لتغيير النظام".

بينما يرى رحيم أوشاكباييف مدير مؤسسة "TALAP" البحثية في كازاخستان أن "توكاييف يتحكم بشدة في الأوضاع الحالية".

فيما يقول كاشين من المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو إن "موقف روسيا الحالي يظهر استعدادها لدعم الرئيس الذي وصفته بأنه "قائد جيد"، وتابع: "بما أن المصلحة تتمثل في الحفاظ على النظام آمناً ومستقراً، فإنه كان واضحاً منذ البداية أن موسكو ستدعم الزعيم الحالي".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات