تستضيف العاصمة السعودية الرياض، الاثنين، "قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر"، حيث يجتمع قادة بارزون من المنطقة والعالم بهدف رئيسي؛ وهو تشكيل أول تحالف من نوعه على مستوى الشرق الأوسط لمكافحة التغير المناخي. فما الأدوار المنتظرة من هذا التحالف؟ وما التحديات التي تنتظره؟ وكيف يمكن له أن يسهم في تخفيف آثار التغيرات المناخية في المنطقة؟
أهداف طموحة
الصفحة الرسمية لقمة "منتدى السعودية الأخضر"، أعلنت أن قمة الشرق الأوسط الأخضر تستهدف التعاون وتوحيد الجهود نحو تنفيذ الالتزامات البيئية المشتركة، انطلاقاً من الالتزامات البيئية الواردة في مبادرة السعودية الخضراء. وأشارت إلى أنها ستتعاون مع الدول المجاورة لمواجهة تحديات التغير المناخي داخل حدودها وخارجها.
وشددت على أنه من خلال توحيد الجهود والعمل المشترك، ستتمكن دول المنطقة من توسيع نطاق التزاماتها المناخية والمضي قدماً في تحقيق أهدافها المناخية الواضحة لحماية كوكب الأرض، وضمان مستقبل مشرق للأجيال القادمة.
وتستهدف قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، فضلاً عن إطلاق تحالف على مستوى المنطقة، توفير منصة تجمع بين المعرفة ورأس المال لتعزيز الاستثمار ونقل المعرفة إضافة إلى وضع أسس دبلوماسية للمناخ تستهدف تعزيز الإرادة السياسية اللازمة لإحداث تغيير جذري.
الحزمة الأولى
وكان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أعلن في بداية النسخة الأولى من منتدى "مبادرة السعودية الخضراء"، السبت، عن الحزمة الأولى من المبادرات التي ستسهم في تحقيق مستهدفات هذه المبادرة، والحد من الانبعاثات وحماية البيئة، مؤكداً عزم البلاد الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2060.
تجدر الإشارة إلى أن تقرير "تأثير تغير المناخ في الدول العربية" الصادر عن المنتدى العربي للبيئة والتنمية، حذر من وصول الوضع الحرج الذي تعيشه عدد من الدول العربية في ما يخص ندرة المياه إلى مستويات حادة عام 2025. كما كشف التقرير أن "الهلال الخصيب" الذي يمتد من العراق وسوريا إلى لبنان والأردن، سيفقد كل صفات الخصوبة، وقد يختفي قبل نهاية القرن الحالي بسبب تدهور إمدادات المياه من الأنهار الرئيسية.
وأظهرت سجلات تضمنتها دراسة بعنوان: "إدارة الموارد المائية .. وجهات نظر وتوقعات"، أن 5 دول من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كانت صاحبة أعلى معدلات درجات حرارة مرتفعة في عام 2010، وهي: الكويت (52.6 درجة مئوية) والعراق (52.0 درجة مئوية) والسعودية (52.0 درجة مئوية) وقطر (50.4 درجة مئوية) والسودان (49.7 درجة مئوية).
وأعلنت الصفحة الرسمية لمبادرة الشرق الأوسط الأخضر أنها تستهدف زراعة 50 مليار شجرة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط من بينها 10 مليارات شجرة داخل المملكة العربية السعودية، إضافة إلى استصلاح 200 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة عن طريق التشجير، ما يسهم في خفض الانبعاثات الكربونية في العالم بنسبة 2.5%، علاوة على تخفيض الانبعاثات الناتجة عن النفط والغاز في المنطقة لأكثر من 60%.
"سباق مع الزمن"
وقال خبير البيئة اليمني والرئيس السابق للهيئة العامة لحماية البيئة الدكتور عبد القادر الخراز لـ"الشرق"، إن "مثل هذه المبادرات مهمة جداً في الوقت الحالي الذي يشهد العديد من الكوارث البيئية الناتجة عن تغير المناخ، مثل الأعاصير والعواصف المدارية، وآخرها إعصار شاهين في سلطنة عمان".
ورأى أن "التغير المناخي أصبح واضحاً وملموساً في الشرق الأوسط وهناك العديد من البلدان تعاني فيضانات وجفافاً وغيرها من الآثار". وتابع: "لذلك، فإن وجود تحالف قوي على مستوى المنطقة يهدف للتخفيف والتكيف مع التغير المناخي على مستوى الشرق الأوسط، وهي مسألة في غاية الأهمية".
وشدد الخراز على أن "تحقيق الهدف المعلن عنه لمبادرة الشرق الأوسط الأخضر، والذي يتجلى بتخفيض الانبعاثات الكربونية الناتجة عن إنتاج النفط والغاز في المنطقة لأكثر من 60%، وزارعة 50 مليار شجرة، ستكون له أهمية كبرى في تخفيف آثار التغير المناخي. لكن المهم تفعيل هذا التحالف بشكل واقعي وملموس على الأرض في أسرع وقت".
وتابع :"نحتاج إلى بلورة القرارات الصادرة عن القمة، وعن التحالف المنتظر إلى إجراءات تنفيذية وخطط واقعية قابلة للتنفيذ حتى تكون لها نتائج ملموسة، وهذا من شأنه أن ينعكس على الدول الأخرى، ويجعلها تتفاعل وتنفذ إجراءات شبيهة".
وأشار الخبير البيئي اليمني إلى أن "أهم تحدٍّ يواجه خطط التكيف مع التغير المناخي، هو ضعف التمويل". وقال: "أعتقد أن تحالف الشرق الأوسط سيتجاوز هذه العقبة المتمثلة في إيجاد التمويل مع تزعم السعودية ودول الخليج للتحالف واستعدادهم لتقديم مساهمات مالية تساعد على تنفيذ الخطط الناتجة عن التحالف ودعمها بكل ما يلزم".
"تعاون مطلوب"
وقال الأكاديمي السعودي ورئيس مجلس إدارة "جمعية آفاق خضراء" الدكتور عبد الرحمن الصقير لـ"الشرق" إن قضية التغير المناخي والإخلال بالبيئة ذات طبيعة كونية. وأشار إلى أنه "على الرغم من أهمية العمل السريع والمباشر لتقليل الآثار الضارة للاحتباس الحراري، إلا أن العمل بشكل منفرد لن يحقق النتائج المرجوة، وهذا ما يؤكد أهمية مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، ويحتم تعاون الجميع لتحقيق هذا الهدف النبيل".
وقال الصقير إن "من أهم العقبات التي قد تعترض نجاح التنسيق في هذه المبادرة الطموحة، هو بعض التباينات السياسية في المنطقة والعوامل الاقتصادية لبعض الدول". لكنه شدد على أن "مكانة المملكة ودورها المتميز على الصعيدين الإقليمي والدولي، وكذلك تفاعل المنظمات والهيئات الأممية المعنية بالبيئة، من شأنه أن يذلل تلك الصعوبات من أجل بيئة نظيفة ومستقبل أخضر للمنطقة والعالم بأسره".
"تحديات"
وقال رئيس مركز معلومات تغير المناخ والطاقة المتجددة بوزارة الزراعة المصرية الدكتور محمد علي فهيم لـ"الشرق" إن الظروف البيئية والمناخية الحالية في منطقة الشرق الأوسط من حيث ندرة المياه ومساحات الأراضي الصالحة لزراعة الأشجار والتكاليف المالية المطلوبة، قد تضع تحديات أمام تحقيق أهداف التحالف في زراعة 50 مليار شجرة أو استصلاح 200 مليون هكتار".
وأشار إلى "أننا بحاجة لخطة تنفيذية تتناسب مع الموارد الحالية ووجود تكنولوجيا متطورة تساعد على الزراعة بكميات قليلة من المياه". ورأى أن "من الصعب التوقع بما يحمله الغد في ما يتعلق بالمناخ، وربما في السنوات القادمة تكون هناك كميات وافرة من الأمطار تساعد على تحقيق الأهداف المرجوة للتحالف".
"تبادل المعرفة"
الباحث في شؤون تغير المناخ ورئيس جمعية استثمار الطاقة المتجددة والبيئة في الأردن، جمال النوايسه، قال لـ"الشرق"، إن وجود تحالف قوي على مستوى الشرق الأوسط "مهم جداً لتحقيق إنجازات ملموسة".
ورأى أن "الأهداف المعلن عنها في إطار مبادرة السعودية الخضراء ليست بسيطة، فهي تهدف إلى أعمال عملاقة، وتحتاج إلى تحالف قوي يعمل على تحقيقها".
وأشار إلى أن "التحالف المنتظر يجب أن يرتكز على تبادل المعرفة البيئية ونقل الخبرات وبناء قدرات الكوادر كافة التي ستعمل ضمنه".