بعد الإطاحة بحكومة دراجي.. شبح "تدخل روسي" يطغى على انتخابات إيطاليا

time reading iconدقائق القراءة - 7
وزيرة التماسك الإقليمي الإيطالية مارا كارفانيا تتحدث إلى رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني في البرلمان بروما. 22 يونيو 2011 - REUTERS
وزيرة التماسك الإقليمي الإيطالية مارا كارفانيا تتحدث إلى رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني في البرلمان بروما. 22 يونيو 2011 - REUTERS
دبي - الشرق

تطرح الانتخابات المبكرة المرتقبة في إيطاليا الشهر المقبل تساؤلات بشأن تدخل روسي، إذ ثمة اعتقاد في البلاد بأن الكرملين ساهم في الإطاحة برئيس الوزراء المستقيل ماريو دراجي، حسبما أوردت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية.

وكانت وزيرة التماسك الإقليمي الإيطالية مارا كارفانيا التي شاركت سابقاً في مسابقة ملكة جمال إيطاليا، وكانت أيضاً مقدّمة برامج تلفزيونية، واحدة من أبرز أعضاء حزب "فورتسا إيطاليا" بزعامة رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني.

لكن كارفانيا تخلّت عن برلسكوني بسبب دوره في إسقاط حكومة دراجي واشتباهها  بتورّط أطراف أجنبية في الأمر. كارفانيا التي انضمت إلى حزب "التحرك" الوسطي قالت إنها بحاجة إلى "اليقين كونها في حزب لا يحلم فيه أحد بالتآمر مع روسيا أو الصين  على حساب الحكومة الحالية".

شبهات كارفانيا بشأن أسباب الأزمة السياسية في إيطاليا، لا تقتصر عليها. فمنذ انهيار حكومة دراجي الشهر الماضي، تكهّن الإيطاليون بشأن دور محتمل للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الإطاحة برئيس الوزراء، انتقاماً منه لرفضه غزو أوكرانيا، بحسب "فاينانشال تايمز".

خياران بين توجّهين

حكومة دراجي أسقطها جوزيبي كونتي من "حركة النجوم الخمس" الشعبوية، وماتيو سالفيني من حزب "الرابطة" اليميني، إضافة إلى برلسكوني، وهم يرتبطون بعلاقات ودية مع الرئيس الروسي بوتين وحزبه "روسيا الموحدة". 

يعتبر محللون أن لدى القياديين الثلاثة الذين انسحبوا من الائتلاف الحكومي الحاكم، وهو ما دفع البرلمان إلى حجب الثقة عن الحكومة، أسباباً سياسية داخلية مقنعة لقراراتهم بشأن الحكومة، لكن ذلك لم يبدّد تكهنات بشأن "تواطؤ موسكو مع أعضاء ساخطين في تحالف دراجي" من أجل إسقاطه، علماً بأنه حاكم سابق للمصرف المركزي الأوروبي.

في خطابه الأخير أمام البرلمان قبل استقالته، نبّه دراجي إلى أن على إيطاليا "تكثيف جهودها لمكافحة تدخل روسيا وأنظمة استبدادية أخرى في سياستنا ومجتمعنا".

وتشكّل هذه الفكرة الآن محور خطاب الحملة الانتخابية المبكرة، المرتقبة في 25 سبتمبر. وكتب "الحزب الديمقراطي" ليسار الوسط، الموالي لدراجي، على تويتر الأسبوع الماضي: "للإيطاليين الحق في معرفة ما إذا كان بوتين وراء سقوط دراجي".

ووصف زعيم حزب "التحرك"، كارلو كاليندا الذي يأمل جذب الناخبين الوسطيين المعتدلين، الخائبين من برلسكوني والحذرين من اليمين المتطرف، الانتخابات المبكرة  بأنها "اختيار بين إيطاليا التي تُعدّ واحدة من الدول الكبرى في أوروبا، أو إيطاليا متحالفة مع (رئيس الوزراء المجري فيكتور) أوربان وبوتين".

تعاطف يميني مع بوتين

دراجي استقال في 21 يوليو الماضي بعدما سحبت "حركة النجوم الخمس" وحزبا "الرابطة" و"فورتسا إيطاليا" دعمها لقيادته، في ظل أزمة أثارها كونتي الذي أغضبه انقسام في حزبه، وحرص على تعزيز أوراق اعتماده باعتباره متمرداً مناهضاً للمؤسسات في البلاد.

وانصب اهتمام سالفيني وبرلسكوني على استطلاعات الرأي التي أظهرت تراجعهما أمام دعم متزايد يناله حزب "أخوة إيطاليا" اليميني المتطرف، بزعامة جيورجيا ميلوني، علماً أنهما قد يحققان أيضاً نصراً انتخابياً حاسماً، إذا تعاونا مع ميلوني.

ولكن محللين إيطاليين يرون عوامل جيوسياسية، في ظل الحسابات السياسية المحلية. وقالت ناتالي توتشي، مديرة معهد الشؤون الدولية (مقره روما): "الحقيقة أن دراجي أُطيح به من الأحزاب الثلاثة التي تتمتع بأوثق العلاقات مع الكرملين. والحقيقة أيضاً أن دراجي لم يكن محبوباً من الكرملين".

بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، تخلّى دراجي عن العلاقات الوثيقة لإيطاليا تقليدياً مع موسكو، وكان من أبرز معدّي الردّ الصارم للاتحاد الأوروبي على الكرملين، ودفع باتجاه فرض عقوبات على المصرف المركزي الروسي، كما دافع عن منح أوكرانيا وضع مرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي، وهذا موقف أزعج أعضاء في حكومة الوحدة الوطنية في روما.

وقال ستيفانو ستيفانيني، وهو سفير إيطالي سابق لدى حلف شمال الأطلسي "الناتو": "واضح أن لدى الساسة المهمين، مثل سالفيني وبرلسكوني، مشاعر صداقة وعلاقات مع روسيا، وخصوصاً روسيا بوتين. وكان دعمهم لموقف إيطاليا وأوروبا والناتو بشأن أوكرانيا فاتراً في أحسن الأحوال".

موسكو وحكومة دراجي

في مايو الماضي، أعلن سالفيني اعتزامه إجراء "رحلة سلام" إلى موسكو نظمتها السفارة الروسية في روما والتي أكدت أنها اشترت تذاكر الطيران للسياسي اليميني. الزيارة أُلغيت لاحقاً، في ظل غضب شعبي واحتجاج من أطراف أخرى في الحكومة.

في الأسبوع الماضي أوردت صحيفة "لا ستامبا" الإيطالية أن مناقشات حزب "الرابطة" مع موسكو لم تتوقف عند هذا الحد. فعلى صفحتها الأولى أشارت الصحيفة إلى وثائق استخباراتية مسرّبة تزعم أن الدبلوماسي الروسي المقيم في روما أوليج كوستيوكوف سأل قيادياً بارزاً في حزب "الرابطة"، في مايو، ما إذا كان الحزب سيسحب وزراءه من حكومة دراجي.

ونقلت "فاينانشيال تايمز" عن جاكوبو إياكوبوني الذي أعدّ تقرير الصحيفة قوله: "الغريب أنه في مايو لم يكن هناك أحد في إيطاليا يتحدث عن سقوط حكومة دراجي، ليس بهذه السرعة على الأقل. أعتقد بأن الروس وحدهم ليس لديهم قوة لإسقاط دراجي، ولكن لديهم بالتأكيد قدرة على التضخيم وزرع فتنة واستخدام حمقى مفيدين".

وألّف إياكوبوني كتاباً بعنوان "الأوليجارش: كيف يشتري أصدقاء بوتين إيطاليا".

"أخبار مزيّفة"

سالفيني نفى تقرير "لا ستامبا"، باعتباره "أخباراً مزيّفة"، كذلك أبلغ الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف "فاينانشيال تايمز" بأن التقرير "ليس صحيحاً"، مضيفاً: "لا علاقة لروسيا بعمليات السياسة الداخلية في إيطاليا"؛ ولكن أحزاباً إيطالية كثيرة ومحللين مستقلين طالبوا بفتح تحقيق في الأمر.

تبدو احتمالات فتح تحقيق في التدخل الروسي المزعوم "قاتمة"، بحسب الصحيفة، إذ يرأس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيطالي نائب من حزب "أخوة إيطاليا"، استبعد فتح تحقيق يطال حزب "الرابطة" الذي بات الآن حليفاً انتخابياً له.

وقالت ناتالي توتشي مديرة معهد الشؤون الدولية: "أعتقد بأن هذا الأمر يستحق تحقيقاً مناسباً. إلى أي مدى شجّع الكرملين أولئك الوزراء على التصويت ضد الحكومة أو استقالة وزرائهم.. ثمة حرب ضد أوروبا، وهناك دولة معادية تحاول التدخل في عمليتك الديمقراطية. سواء نجح هؤلاء أم لا، يجب أن تقلق" من هذا اللأمر.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات