بعد كسر "الموجة الحمراء".. هكذا يستعد الديمقراطيون للمواجهة المقبلة

time reading iconدقائق القراءة - 17

هذا المقال جزء من سلسلة "2023.. عام الأسئلة الصعبة".

بقلم جول روبين

  • خبير استراتيجي ديمقراطي وخبير في الأمن القومي، بخبرة تزيد عن 20 سنة في المجال السياسي والتشريعي والإعلامي في واشنطن. ورئيس مجموعة واشنطن الإستراتيجية، وهي شركة للاستشارات الاستراتيجية. 
  • مسؤول سابق في إدارة أوباما، إذ شغل منصب نائب مساعد وزارة الخارجية للشؤن التشريعية.
  • مستشار عدة حملات انتخابية ديمقراطية، وعمل كمتطوع خلال حملة بايدن هاريس 2020 الانتخابية، مكلفاً بالسياسة الخارجية تجاه الشرق الأوسط.

الآن وقد انتهت الانتخابات النصفية لعام 2022، يتركز الاهتمام في واشنطن على مواجهة محتملة بين الرئيس جو بايدن وسلفه الجمهوري دونالد ترمب في انتخابات 2024. وفيما تحيط الشكوك بشأن إمكانية عودة الرجلين للتنافس ضد بعضهما، مع مواجهة ترمب عدة تحديات قد تعيق ترشحه، إلا أن هناك القليل من الشك في أنَّ بايدن، هو الخيار الواضح لقيادة الحزب في انتخابات عام 2024.

كانت السنتان الأوليان لبايدن في البيت الأبيض نجاحاً باهراً للديمقراطيين. إذ خرج بالبلاد من محنة كوفيد-19 بسلاسة، وتمكن من إقرار تشريع بعدة تريليونات من الدولارات لصالح الحد من التغير المناخي، وعزز الرعاية الصحية، واستثمر في البنية التحتية الفيدرالية، وقاد البلاد في تأييد أوكرانيا وتعزيز الديمقراطية في الخارج. باختصار كان بايدن ناجحاً للغاية.  

من المذهل تذكُّر، أنه في سبتمبر الماضي لم تكن الصورة هكذا. في ذلك الوقت كان الديمقراطيون متشائمين للغاية إزاء الانتخابات النصفية. ثقة الأميركيين في الاقتصاد كانت في الحضيض. ورغم أن البطالة كانت في أدنى حالاتها منذ 50 سنة، كان التضخم في أعلى حالاته منذ 40 سنة. وارتفعت أسعار الغاز بشكل كبير مع عدم وجود أمل في انخفاضها، وكانت المخاوف بشأن الجريمة والهجرة تملأ العناوين.

وما فاقم من مخاوف الديمقراطيين، أنَّ شعبية الرئيس بايدن كانت تتراوح صعوداً وهبوطاً حول 40% فقط، ما أشعر الديمقراطيين بالخوف من أن موجة حمراء (جمهورية) قادمة إلى واشنطن، مع توقعات بحصول الجمهوريين على 30 أو 40 مقعداً إضافياً في مجلس النواب، واستعادة السيطرة على مجلس الشيوخ بهامش واسع.    

حماية الديمقراطية

لكن أمراً ما حدث في خريف 2022. أدرك الديمقراطيون بوضوح أنَّ سيطرة الجمهوريين على الكونجرس ستقوض الديمقراطية، وتعرقل الأجندة الديمقراطية، التي وضعها بايدن، ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، وزعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر.  

هذه الأجندة حظيت بشعبية كبيرة في أوساط الديمقراطيين -من الجناح التقدمي إلى الجناح الوسطي- وكان هذا يعني أنَّ الناخبين الديمقراطيين بدأوا في الخريف، في فهم أن عليهم حماية تلك الأجندة، عبر التوجه للتصويت.

وفجأة وجدنا أنَّ انتخابات كانت تذهب مكاسبها تاريخياً إلى الحزب الموجود خارج السلطة -الحزب الجمهوري- خلقت إحساساً ملحاً لدى الناخبين الديمقراطيين، بأنه عليهم التوجه لصناديق الاقتراع لمنع الموجة الحمراء.

لم يكن الأميركيون قلقين على جيوبهم فحسب، ولكن أيضاً على حالة الديمقراطية الأميركية. ومما أضفى جواً من الصراع على الانتخابات النصفية نشاط جماعة من المرشحين الجمهوريين من أنصار دونالد ترمب الذين رددوا أكاذيبه حول نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2020، ووصل الأمر ببعضهم إلى تأييد المتمردين الذين هاجموا مقر الكونجرس في 6 يناير 2021، لإفشال المسيرة الديمقراطية الأميركية.

أظهر هؤلاء المرشحون في حملاتهم الانتخابيات احتقاراً للديمقراطية الأميركية في ولايات متأرجحة رئيسية في بنسلفانيا، وميشيجان، وويسكونسن، وأريزونا، وجورجيا.

هذه الولايات كانت مفتاح الحسم في انتخابات 2020 (التي فاز فيها جو بايدن)، وعلى الأرجح ستحدد الفائز في الانتخابات الرئاسية لعام 2024.  

ولكن المرشحين الجمهوريين لمنصب حاكم الولاية، ولمقاعد مجلس الشيوخ، والمناصب التي تشرف على الانتخابات على مستوى الولاية، كانوا مناهضين للديمقراطية ويثيرون المخاوف في قلوب الناخبين. ورأى الناخبون المشهد بوضوح، وأحسوا أنَّ مستقبل الديمقراطية الأميركية كان على ورقة الاقتراع في ولاياتهم.

تحول المزاج

وهنا ضرب بايدن ضربته. إذ بدأ في الخريف في جعل حماية الديمقراطية الأميركية في قلب دعوته للناخبين لإعادة انتخاب الديمقراطيين في الانتخابات النصفية، بما في ذلك خطابه الحماسي في بنسلفانيا قبل أيام من الاقتراع.

كان المناخ الوطني في البلاد مهيئاً لتقبل هذه المحاججة، بعدما تمكن الرأي العام من معرفة المزيد عن أفعال دونالد ترمب المناهضة للديمقراطية من خلال لجنة التحقيقات بمجلس النواب حول أحداث 6 يناير.

عوضاً عن أن يقوم الجمهوريون بالتنبه إلى هذا التحول في مزاج الناخبين، تجاهلوا الأمر وأصروا على أن الأميركيين يهتمون فقط بمعدل الجريمة والتضخم، ولم يتنبهوا إلى المؤشرات الرئيسية التي تقول إنَّ مستقبل الديمقراطية الأميركية يهم الناخبين المتأرجحين في الولايات المتأرجحة.  

جاء التصويت المبكر في صالح الديمقراطيين، لكن الجمهوريون كانوا كالجالسين على ظهر سفينة التايتانيك هي تغرق، صموا آذانهم وأغمضوا عيونهم ولم يروا حماسة الناخبين الديمقراطيين لحماية الديمقراطية الأميركية.

جو بايدن فهم هذا. وفهمه الديمقراطيون. وحين خرج هؤلاء الناخبون المتأرجحون المؤيدون للديمقراطية، مع الإقبال الكثيف للقاعدة الديمقراطية، حافظ الديمقراطيون على مواقعهم، ليس فقط عبر الحفاظ على السيطرة على مجلس الشيوخ، ولكن أيضاً توسيع أغلبيتهم بمقعد إضافي (51 – 49). فيما نال الجمهوريون أقل أغلبية في مجلس النواب بأقل من عشر مقاعد (222 – 213)، في هزيمة مذهلة لطموحاتهم الواسعة. 

احتمالات ترشح بايدن

الرابح الحقيقي بعد كل هذا: جو بايدن.    

إذن، أين يتجه الديمقراطيون الآن؟ مع دخول عام 2023، يجب أن يوازنوا بين أهداف سياساتهم، وبين طموحاتهم السياسية. ستختلف الديناميات السياسية بالنسبة للديمقراطيين عن العامين الماضيين، وذلك بسبب سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب.

سياسياً، يجب أن ينظر إلى كل شيء يفعله جو بايدن والديمقراطيون في مجلس الشيوخ، ضمن سياق تحضير بايدن لحملة إعادة انتخابه، والسعي لتقوية وضعهم الانتخابي في 2024.

ومن حسن الحظ أنه إذا ترشح بايدن لفترة ثانية، فإن هاتين الأجندتين ستكونان متطابقتين.

وإذا قرَّر بايدن، بشكل غير متوقع ألا يترشح، فإنَّ ارتباكاً عميقاً سيصيب الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، وهو ما يساعد على تقدم الجمهوريين. ولكن هذا السيناريو مستبعد.

وما يعنيه هذا هو أنَّ الديمقراطيين في مجلس الشيوخ سيدافعون عن أجندة بايدن ويدفعون لتمريرها، في محاولة لإبراز الفارق بينهم وبين الجمهوريين.

فسيمررون التشريعات التي تقنن حق المرأة في الإجهاض، ويمررون حزمة الإنفاق الخاصة بالتغير المناخي، والتي لا يريد مجلس النواب حتى النظر فيها. وسيتحركون لسن تشريعات تقوي الاقتصاد لأجل مصلحة الأميركيين.    

ويشار إلى أنه بالنسبة للترشيحات للمناصب القضائية فإنه طالما حافظ زعيم الأغلبية الديمقراطية في الكونجرس تشاك شومر، على سيطرته على أعضاء حزبه كما كان الحال في السنتين الماضيتين، فإنَّ الديمقراطيين سيحققون نجاحات عدة.

وهذا لأن الديمقراطيين سينالون أغلبية في كل لجنة وليس كما كان الأمر سابقاً بتوزيع المقاعد بالتساوي، حين كان المجلس منقسماً بنسبة (50 – 50)، وهو ما سيساعد في تمرير ترشيحات جو بايدن القضائية.  

تباين مع الجمهوريين

كل هذه الجهود، ستساعد في إبراز فارق واضح مع الجمهوريين، حتى تبقى القاعد الديمقراطية متحمسة للخروج للتصويت مجدداً في 2024، وحتى يعجب الناخبون المتأرجحون بما يفعله الديمقراطيون، مقارنة بما يفعله مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون.

من جهة أخرى سيسعى الجمهوريون في الكونجرس إلى مهاجمة بايدن والنيل مما قام به في السنتين الأوليين، ولا سيما في مسألتي الانسحاب من أفغانستان، والهجرة. ومن المحتمل أن يحاولوا إعادة كتابة تاريخ إدارة ترمب، وتحريف الرواية بشأن تمرد السادس من يناير. وقد يشنون هجمات شخصية على بايدن، ولا سيما بشأن ابنه هنتر.    

لقد أصبح الطريق ممهداً الآن أمام بايدن: خاض انتخابات نصفية ناجحة، ونفذ أجندته للسنتين الأوليين بنجاح، وأنصاره في الكونجرس ماضون في التباعد عن طرائق الجمهوريين كي يكون التضاد واضحاً بين الطرفين. ويبقى دونالد ترمب كامناً يحاول أن ينال ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة بوصفه النقيض الكامل لكل ما يمثله جو بايدن.  

بايدن الصلب

يبقى السؤال ما إذا كان بايدن سيقبل التحدي لخوض معركة الترشح مرة أخرى، ليصبح أول مرشح للرئاسة في العقد الثامن من العمر. ولكن إذا كنت قد راقبت مسيرة بايدن عبر السنين، فإن هناك أمراً واحداً واضحاً: وهو أنَّ لدى بايدن شغفاً لا يضاهى بالخدمة العامة، وأنه وطني حقيقي. لقد بقي في مجلس الشيوخ عام 1972 بعد أن توفيت زوجته وابنته في حادث سير، قبل أن يخدم في فترته الأولى في المجلس، وهذا يظهر معدنه الصلب.  

وبعد خمسة عقود، خاض معركة الرئاسة وقد وضع نصب عينيه أن يوقف دونالد ترمب، وأن يصد التهديد الذي يواجه الديمقراطية الأميركية، وأن يقمع الكراهية التي تسمم الأجواء في البلاد، وهذه كلها أمور مترابطة يفضي بعضها إلى بعض.

لذا، نعم، سيفعلها مجدداً، لأن هذا هو بايدن. سيخوض المعركة في عام 2024 لكي يظل حامياً للديمقراطية الأميركية. وسيخوض المعركة لأنه يستطيع الفوز.

لكن الكثير قد يحدث بين اليوم وبين 2024. فالأجندة الديمقراطية معرضة لخطر الركود بسبب قوة الجمهوريين في مجلس النواب. وقد تؤدي تحقيقات مجلس النواب إلى إثارة حماسة قاعدة الحزب الجمهوري. وقد يسقط اسم دونالد ترمب من سباق الترشح للرئاسة عن الحزب الجمهوري، بسبب ما يعانيه من مشكلات قضائية، وبسبب الخسائر التي لحقت بأنصاره في الانتخابات النصفية. وقد أخذ زعماء الحزب الجمهوري مؤخراً ينحون باللائمة علانية على ترمب في أدائهم الضعيف في الانتخابات النصفية. وبدأوا يشعرون بضعف معسكر ترمب.

حظوظ بايدن دون ترمب

إذا خاب مسعى ترمب في الترشح، فقد يرتد ذلك على الحزب الديمقراطي. إذا فقد ترمب سطوته الحالية داخل الحزب الجمهوري، وأصبح ضعيفاً أمام منافسه الجمهوري حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، وقاد الأخير هذا الجمهوريين، فإن هذا سيسبب مشكلة لبايدن.

فالأمر بعدئذ لن يتعلق الأمر بإعادة خوض المنافسة أمام ترمب لحماية الديمقراطية الأميركية، وهي المنافسة التي يرغب فيها بايدن، ولكن ذلك قد يضع أصوات الناخبين المتأرجحين، في الولايات المتأرجحة الرئيسية، محل شك لا نشهده حالياً.

ولنتذكر أن الناخبين في الولايات المتأرجحة رفضوا ترمب في 2020 وفي 2022. وليس واضحاً ما إذا كانوا سيرفضون مرشحاً جمهورياً مختلفاً في عام 2024.  

ولكن، وقبل أن نمضي في سيناريو وجود مرشح صاعد بديلاً لترمب، علينا أن نكون واقعيين. لا أحد يملك سطوة على القاعدة العريضة للجمهوريين مثل دونالد ترمب. وفي الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح عن الحزب فإن القاعدة الجماهيرية هي من يقرر. الناخبون المتأرجحون لا يشاركون في هذه الانتخابات التمهيدية. لذا يبقى ترمب اللاعب الأقوى للفوز بترشيح الحزب الجمهوري لخوض انتخابات الرئاسة لعام 2024. هذا إن لم يقرر الانسحاب من السباق، وهذا مستبعد جداً.  

فلنستعد لمباراة الإعادة في 2024 بين بايدن وترمب، وهي التي ستقرر مدى رسوخ الديمقراطية الأميركية. هذا هو السيناريو الذي سيصبح في الغالب حقيقة واقعة.  

سينال بايدن مكاسب سياسية عبر سياسته الخارجية كقائد أعلى للبلاد. فمن هذا الموقع نفذ أجندته بأدنى قدر من تدخل الجمهوريين، وسوف يستغل كل فرصة لإثبات أنه الشخص المناسب كي يقود الولايات المتحدة ضمن العالم، وخصوصاً إذا ما قورن بسنوات ترمب الأربع التي تميزت بالفوضى، وبتنفير حلفائنا التقليديين، وبالمواقف السياسية غير الحكيمة.

في الموقف السياسي البالغ الأهمية من أوكرانيا يمكن لبايدن أن يظهر كيف أن قيادته توجهت نحو حماية حلفاء أميركا ودعم الديمقراطية ودعم أمننا القومي، هذا الموقف الذي تخلى عنه ترمب. على مدى العام الماضي كان موقف بايدن يجني له المزيد من التأييد، وسوف يستمر في إقناع الناخبين بأن يده الثابتةنفي وقت الفوضى عالمياً، هو مصدر قوة لأميركا.  

ستسهلك واشنطن بالتدريج -وبدءاً بـ2023– في مستنقع السباق التمهيدي لانتخابات 2024 رغم بعدها.  
وسيكون المرشحان المتنافسان في الغالب بايدن، وترمب، وسينشغل كل سياسي في واشنطن العاصمة بالتموضع في هذا المعسكر أو ذاك. وبالنسبة لجو بايدن، فإنَّ فرص عودته للبيت الأبيض في 2025 لم تكن لتكون أفضل. 

لقراءة المزيد من المقالات ضمن هذه السلسلة:

تصنيفات