عشرات الضحايا ونزوح الآلاف في دارفور.. وبريطانيا تدعو لوقف العنف

time reading iconدقائق القراءة - 14
سوداني يحمل لافتة مكتوباً عليها "دارفور تنزف" خلال مظاهرة في أم درمان بالعاصمة الخرطوم. 13 ديسمبر 2021 - AFP
سوداني يحمل لافتة مكتوباً عليها "دارفور تنزف" خلال مظاهرة في أم درمان بالعاصمة الخرطوم. 13 ديسمبر 2021 - AFP
الخرطوم -أ ف بالشرق

ارتفعت حصيلة أعمال العنف الأخيرة في دارفور غربي السودان إلى أكثر من 125 ضحية و50 ألف نازح، وفق بيان صادر عن الأمم المتحدة الثلاثاء، فيما حذر رئيس محلية "كلبس" التي شهدت الاشتباكات من صعوبة الأوضاع الإنسانية وسط شح للغذاء.

وبدأت المعارك في 6 يونيو بين قبيلتي القمر الإفريقية وقبيلة الرزيقات العربية في منطقة كلبس الواقعة على بعد 160 كيلومتراً شمال شرق الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور.

وقال مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان (أوتشا) في تقرير: "سقط أكثر من 125 شخصاً وجُرح العديد نتيجة للنزاع في محلية كلبس، وأحرقت ونهبت 25 من قرى القمر".

كما تسببت المعارك بفرار 50 ألف شخص من قراهم، خلال الفترة 6-11 يونيو الجاري، بحسب التقرير.

حرق 22 قرية

قال المدير التنفيذي لمحلية كُلبس، عبد الرسول النور قال لـ"الشرق"، إن القتال بدأ في قرية "أم حِرّيز" وامتد إلى 22 قرية حُرقت بشكل كامل أو جزئي جراء القتال، الأمر الذي خلّف آلاف النازحين من أهالي القرى في أوضاع إنسانية صعبة.

وأكد عبد الرسول إقامة 6 نقاط تجميع للنازحين في قرى (أم حِرّيز، شِديدة، عدوي، وغيرها) للتأمين وتوفير الاحتياجات الإنسانية، مشدداً على أن "الأوضاع الإنسانية سيئة للغاية مع قلة الغذاء وارتفاع أعداد النازحين".

وأشار إلى وصول قوات من الدعم السريع لنقاط التجميع مع توقعات بإعادة انتشار قوات مشتركة من الجيش والاحتياطي المركزي في المنطقة.

وتعود تفاصيل القتال بحسب المدير التنفيذي لمحلية كُلبس، لخلاف شخصي على أرض زراعية بين مواطنين من قبيلة القمر وعرب أولاد زيد "دار حسين" تطور لخلاف قبلي في قرية أم حِريز، بقطاع دار مقطاع، لمحلية كُلبس التي تبعد أكثر من 100 كيلومتر شمال مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور على الحدود السودانية التشادية.

والأحد وجه رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، حاكم دارفور وولاة الولايات في الإقليم بـ"بسط هيبة الدولة وردع المتفلتين".

مسلحون في كل مكان

وقال أحد زعماء قبيلة القمر إبراهيم هاشم لوكالة "فرانس برس" عبر الهاتف، إن الأوضاع في كل قرى كلبس متوترة.

وأضاف: "ينتشر المسلحون حول قرى القمر في كل مكان والأوضاع متوترة، وفقد بعض المواطنين من القمر بينما كانوا ينتقلون مساء الاثنين من قرية إلى أخرى ولا يعرف مصيرهم حتى الآن".

وأشار هاشم إلى أن الحكومة أرسلت قوات إلى المنطقة أغلبها من قوات الدعم السريع التي أنشأها الرئيس السوداني السابق عمر البشير وتتألف بمعظمها من القبائل العربية في دارفور. وشاركت في المعارك ضد حركات التمرد التي حملت السلاح ضد حكومة البشير في 2003 والتي استمرت سنوات.

وقال هاشم إن "القتال ما زال مستمراً"، لافتاً إلى أن الاشتباكات سببها النزاع على ملكية أراض، وأضاف: "قناعتي أن هذا القتال الذي يدور على نطاق واسع جداً، الغرض منه إزاحة القمر من أراضيهم".

ورفض أحد زعماء قبيلة الرزيقات التحدث في الموضوع، وقال لفرانس برس عبر الهاتف: "لا تعليق".

بريطانيا تدعو لوقف العنف

من جانبها دعت السفارة البريطانية في السودان إلى الوقف الفوري للعنف في دارفور.

وقالت في تغريدة على تويتر: "مشاهد مدمرة في دارفور مرة أخرى وهذه المرة في كلبس. إننا نحث على الوقف الفوري للعنف. المملكة المتحدة تقدم المساعدة العاجلة المنقذة للحياة في جميع أنحاء دارفور. إن وجود اتفاق سياسي شامل ضرورة لتحقيق الأمن الغذائي وحماية المدنيين وبناء السلام".

إدانة أممية

وأدان ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في السودان فولكر برثيس أعمال العنف في دارفور، ووصفها بأنها "غير مقبولة".

وكتب الاثنين على حسابه الرسمي على موقع تويتر: "دائرة العنف المستمرة في دارفور غير مقبولة وتسلّط الضوء على الأسباب الجذرية الواجب معالجتها". ودعا السلطات المعنية وقادة القبائل والتنظيمات المسلحة إلى تهدئة التوتر وضمان حماية المدنيين.

فراغ أمني

وتشهد المنطقة نوعاً من الفراغ الأمني خصوصاً بعد إنهاء مهمة قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الإقليم إثر توقيع اتفاق سلام بين الفصائل المسلحة والحكومة المركزية عام 2020. وسقط في نزاع دارفور قرابة 300 ألف شخص ونزح 2,5 مليون من قراهم، وفقاً للأمم المتحدة.

ومنذ الانقلاب العسكري الذي نفذه عبد الفتاح البرهان في السودان مطيحاً بشركائه المدنيين في السلطة في أكتوبر، يشهد السودان اضطرابات سياسية واقتصادية، ويتظاهر بشكل منتظم آلاف السودانيين في العاصمة ومدن أخرى للمطالبة بعودة الحكم المدني ومحاسبة من قتلوا متظاهرين.

وتقدر الأمم المتحدة أن 20 مليوناً من إجمالي 45 مليون سوداني، سيعانون بنهاية السنة من انعدام الأمن الغذائي، وأكثرهم معاناة 3,3 مليون نازح يقيم معظمهم في دارفور.

جذور الأزمة

في أبريل الماضي، وقعت اشتباكات قبلية في ولاية غرب دارفور سقط فيها أكثر من 200 شخص، خلال مواجهات بين قبائل عربية وقبيلة المساليت الإفريقية.

من جهته رأى الكاتب السوداني المختص في شؤون دارفور الأمين محمود، في تصريحات لـ"الشرق"، أن "ما جرى من أحداث يعد مؤشراً لوجود ذات الأسباب التي عجلت بالتمرد ضد الحكومة السودانية والإعلان عن حركة جيش تحرير السودان في عام 2000".

ويرى محمود أن النزاع الحالي في منطقة كرينك بولاية غرب دارفور لا ينفصل عن الصراع القبلي الدامي في كل الإقليم والذي يدل على فشل الدولة في توفير الأمن بعدما أصبح السلاح هو الحاسم في الصراعات القبلية.

وأشار إلى أن الصراع بين قبيلة المساليت الإفريقية والقبائل العربية "ليس وليد اليوم، وإنما كانت بداياته في عام 1999، لافتاً إلى أنه كان "نتيجة للعدوان المستمر لتجمع القبائل العربية ضد القبائل الإفريقية (الفور، الزغاوة، المساليت)".

وأضاف محمود: "على الرغم من التحذيرات التي أرسلت لحكومة الإنقاذ التي كان يترأسها عمر البشير إلا أنها تمادت في دعم القبائل العربية ما جعل القبائل الإفريقية تصطف وتأتلف معلنة تمردها على الحكومة عبر حركة تحرير السودان السودان".

وأردف قائلاً: "من الأسباب الرئيسية لإشعال النار في هشيم العلاقات المتوترة بين القبائل في دارفور، قيام حكومة البشير (1989-2019) بتنصيب بعض الزعماء الذين لا تتوفر لهم كل أركان السلطة المتمثلة في (الشعب – الأرض) فهم أمراء بلا أطيان، ويزاحمون السكان الأصليين في مناطقهم.

وتابع: "من هنا يبدأ النزاع حول الأرض خصوصاً أن الحدود الغربية مفتوحة، إذ يستنفر الأمراء الجدد مواطنيهم من خارج السودان ليعززوا نفوذهم، لا سيما وهم مدعومون من الحكومة".

واعتبر محمود أن "السكان الأصليين يتمسكون بأرضهم، فهي بالنسبة لهم محدد هوية ومستودع موارد ولعل هذا يفسر تهديد قبيلة المساليت التي تعد ولاية غرب دارفور معقلها الرئيسي، بتقرير مصيرها وفقاً لاتفاقية تعود لعام 1919، حال لم تفرض الحكومة التدابير اللازمة لمنع تجدد العنف وأن يضع مجلس الأمن مناطقها تحت الحماية الدولية".

اتفاقية 1919 وتقرير المصير

وهددت قبيلة المساليت بتقرير مصيرها وفقاً لاتفاقية تعود لعام 1919، إذا لم تفرض الحكومة تدابير لمنع تجدد العنف، على أن ويضع مجلس الأمن الدولي مناطقها تحت الحماية الدولية.

وقال مجلس ديوان فرش (أعلى سلطة قبلية) في قبيلة المساليت في بيان صحافي: "في حال استمرار الوضع كما هو عليه الآن سنتخذ حق تقرير المصير وفقاً لاتفاقية قلاني".

وطالبت القبيلة بتقييد إجراءات قانونية ضد المعتدين الذين يدبرون الانتهاكات في مناطقها والسماح للمنظمات الإنسانية بتقديم خدماتها للمتأثرين بالأحداث.

كما طالبت الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بوضع "دار مساليت" تحت الحماية الدولية بموجب البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يسمح باستخدام القوة لحماية المدنيين.

وفي 19 سبتمبر 1919 أبرمت قبيلة المساليت اتفاقاً مع بريطانيا وفرنسا، تنازلت بموجبه عن منطقة (أدري) التي تقع حالياً في تشاد لصالح الحكومة الفرنسية إضافة إلى انضمام دار مساليت لحكومة السودان الإنجليزي مع احتفاظهم بحق تقرير المصير.

ووفقاً للباحث في تاريخ سلطنة دار مساليت، محمد أحمد آدم علي، فإن معاهدة قلاني التي أبرمت بين سلطنة دار مساليت والحكومتين الإنجليزية والفرنسية في 19 سبتمبر 1919وقعت بعد حرب ضارية بين سلطنة دار مساليت والحكومة الفرنسية في طريق تمددها نحو الشرق بعد الاستيلاء على سلطنة "ودّاي"، حيث أرسل السلطان بحر الدين زعيم المساليت وفداً بخطاب إلى القيادة الفرنسية طالباً عقد إجتماع معهم من أجل توقيع معاهدة صلح.

وتضمنت مقترحات السلطان التي حملها الوفد للفرنسيين استعداده للتنازل عن منطقة (أدري) التي احتلها الفرنسيون، وفي الوقت نفسه أرسل سلطان المساليت وفداً آخر  إلى القيادة الإنجليزية بالفاشر، برئاسة أبوكجام والملك هارون، ملك كرومه.

وقابل الوفد القائد البريطاني (كلي باشا) واقترح بحر الدين على الحكومة الإنجليزية عقد صلح مع سلطنة دار مساليت شريطة أن يحتفظ بسلطنته وكيانه الإداري، وأوضح أنه مستعد بقبول الإشراف البريطاني على سلطنته، مطالباً بأن يسرع القائد البريطاني في الوصول إلى الجنينة.

وصل الوفد الإنجليزي لدار مساليت ووصل "كرينك"، كما وصل الوفد الفرنسي إلى (أدري)، واجتمعت الوفود الثلاثة في 19 سبتمبر 1919 في منطقة (قلاني) التي تقع جنوب منطقة (أدري).

وكانت مطالب السلطان بحر الدين تتمثل في الانضمام لحكومة السودان على أن يكون لحكومة السودان إدارة غير مباشرة على سلطنة دارمساليت، وأن يحتفظ السلطان بإدارته الأهلية في سلطنته وحكمه الذاتي، كما أكد استعداده للتنازل عن الإشراف الإداري لمنطقة (أدري) التي احتلها الفرنسيون على أن يحتفظ بالإدارة غير المباشرة لها ويكون له مندوب فيها بالإضافة إلى السماح لسكان المنطقة من المساليت بحق الاختيار في مكوثهم فيها أو الارتحال منها أو الانضمام إليها دون التعرض لهم من السلطات الفرنسية.

ووافق باسم حكومة السودان المستر ديفيس رئيس الوفد الإنجليزي، وكذلك الكولونيل إريك رئيس الوفد الفرنسي.

وصادق هارولد مكمايكل الذي أصبح السكرتير الإداري لحكومة السودان الإنجليزية، على البند الذي يقضي بإعطاء سلطنة المساليت حق الاستقلال الذاتي عن حكومة السودان.

كما وقعت إنجلترا معاهدة منفردة مع فرنسا في نفس الشهر حددت فيها مناطق نفوذ كل منهما في البقعة الإفريقية واعتبرت دارمساليت عدا الجزء الذي تنازل عنه السلطان بحر الدين للفرنسيين والمعروف بمنطقة (أدري) الواقعة داخل الحدود السياسية لحكومة السودان.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات