أظهر استطلاع للرأي أجرته القناة التلفزيونية الألمانية الأولى، التي نظمت مع القناة الثانية المناظرة الثلاثية والتي تعتبر ذروة في الحملة الانتخابية، أن 41% من العينة التي استطلع رأيها (1500 من المشاهدين)، وجدوا أن أولاف شولتز، مرشح الحزب الديمقراطي الاشتراكي، تغلب بفارق كبير على منافسه أرمين لاشيت من الاتحادين المسيحيين الديمقراطي والاجتماعي (27%)، ومنافسته أنالينا بيربوك من "حزب الخضر" (25%) في السؤال الأساسي، عن "قناعة المشاهدين بشخصه وطروحاته".
الفرصة الأخيرة
كانت هذه ربما "الفرصة الأخيرة" لأرمين لاشيت، كي يقنع المترددين في الشارع الألماني، ونسبتهم تراوح 40% من مجموع الناخبين، بالتصويت لصالح حزبه، وبالتالي تحسين فرصه في نيل خلافة أنجيلا ميركل في المستشارية.
بدأ لاشيت المناظرة بمهاجمة خصمه الأقوى شولتز، متهماً إياه بالسعي لتشكيل حكومة مستقبلية مع حزب اليسار، الذي يريد انسحاب ألمانيا من حلف "ناتو"، ومن ثم هاجمه بسبب مداهمة الشرطة لمقر وزارة المالية، التي يقف على رأسها حالياً، للبحث عن معلومات قد تسهم في إدانة أشخاص متهمين بغسيل الأموال.
دفع لاشيت ثمن هذا الهجوم الصارخ والمبكر، وحصل على نسبة 18% في سؤال عن تعاطف ومحبة المشاهدين للمرشحين.
كما لم يكن لاشيت مقنعاً في طرح رهان حزبه، على استجابة طوعية للشركات الألمانية الكبرى لاستحقاقات تغير المناخ، ولم تكن مناشدته الختامية مزودة بالحجج، وركز فيها على عامل الثقة كدافع للانتخاب.
انطلاقة جديدة مع "الخضر"!
مرشحة "حزب الخضر" أنالينا بيربوك، كانت قبل أشهر تحظى بتأييد واسع، وبدت وكأنها قادرة على تثبيت وجود المرأة في منصب المستشارية، لكن شعبيتها تراجعت بسبب أخطاء ارتكبتها أثناء الحملة الانتخابية، ومنها تجميل سيرتها الذاتية، وإصدار كتاب قيل إنه يحوي مقاطع مكتوبة من آخرين.
بدت في هذه المناظرة أكثر ارتياحاً، إذ لم تعد بفعل تراجع حصة حزبها الانتخابية، مرشحة فعلياً لمنصب المستشارة، وستكون في أحسن الحالات نائبة للمستشار في ائتلاف يكون "حزب الخضر" فيه شريكاً أصغر، مما خفّف العبء الواقع على كاهلها في المناظرة.
ولكن المشاهدين اعتبروها الأكثر طاقة وحيوية (41%)، وخصوصاً عندما قدمت برنامج حزبها للتصدي لتغير المناخ، وقالت إنه لا بد من استثمار 50 مليار يورو سنوياً، للنجاح في التحول إلى الاقتصاد البيئي.
وعندما أخذ شولتز ولاشيت، وهما شريكان في الائتلاف الحكومي الحالي، يكيلان بالاتهام، كل للحزب الآخر، بأنه مسؤول عن تأخير مكافحة التغير المناخي، أو في إبطاء نقل ألمانيا إلى عالم رقمي، استغلت بيربوك الفرصة لتقول إنهما يختلفان في شؤون الماضي، وأنا وحزبي نتطلع إلى انطلاقة جديدة في السياسة الألمانية، مخاطبة جيل الشباب المتحمس لحماية البيئة.
كاريزما الوزير المخضرم
مرشح "الحزب الديمقراطي الاشتراكي" أولاف شولتز، ينحدر من مدينة هامبورغ وأهلها معروف عنهم برود الأعصاب، حتى أن متابعي المناظرة الأولى بين الثلاثة كانوا يتندّرون بأنهم ظنوا في وقت ما، أن شولتز غادر الاستوديو.
هذه المرة بدا شولتز، صاحب الصدارة في استطلاعات الرأي قبل المناظرة، أكثر حيوية، ولربما أن الهجوم المباشر الذي بادره به أرمين لاشيت في بداية المناظرة، هو الذي أخرجه عن تحفظه المعتاد.
وبعكس ما كتبت صحيفة "نيويورك تايمز" قبل فترة، بأنه "أكثر المرشحين مللاً"، أظهر شولتز حماسة في الخطاب، ومعرفة دقيقة عند الحديث عن الرقمنة والعدالة الاجتماعية وفي شؤون الضرائب، مستفيداً من كاريزما وزير المالية المخضرم.
كان شولتز الأكثر قوة ووضوحاً في مناشدته الختامية، وتمكن في دقيقة واحدة من اختزال برنامج حزبه، وطرح الشعارات الأساسية للعدالة الاجتماعية، من دون أن يغفل الحديث عن المناخ.
جولة ثالثة حاسمة في الانتظار
لم يقلص أرمين لاشيت الفارق تجاه شولتز، ولم تنجح بيربوك في استعادة المكانة السابقة كمرشحة فعلية للمستشارية، إلا أن ثلاثتهم نجحوا في إظهار الفوارق بين برامجهم الانتخابية، وهذه الفوارق هي ما سيمد أنصار الأحزاب بالحجج، لمقارعة الأحزاب الأخرى في كسب تأييد الناخب على مدى الأسبوعين المقبلين.
ورغم الهجوم الذي بدأه لاشيت باتجاه شولتز، ورد شولتز الهجومي أيضاً، إلا أن ثلاثتهم حظيوا بفرص متساوية للكلام، وكان الجدل بينهم يتميز بالنزاهة إلى حد كبير.
وبعد أسبوع من الآن سيعيد المرشحون الثلاثة الكرّة، مع قضايا ومواضيع جديدة، ولربما تسلح بعضهم باستراتيجيات جديدة لمواجهة الخصوم، ولحصد التأييد قبل أسبوع من الصمت الانتخابي ومن ثم الاقتراع.
وبدأت المناظرات الانتخابية في ألمانيا عام 2002، بين غيرهارد شرودر وإدموند شتويبر، ومن ثم كانت دوماً بين مرشحين اثنين على نسق المناظرات الرئاسية الأميركية، إلا أنها تحولت هذا العام إلى مناظرة ثلاثية، إذ تمكن "حزب الخضر" من حجز مقعد مرشحته للمستشارية، بعد أن رفع حصته الصوتية في استطلاعات الرأي في الربيع الماضي، وكاد يوازي الحزبين الكبيرين، أو يتفوق عليهما أحياناً، لكنه تراجع إلى المركز الثالث في الأسابيع القليلة الماضية.