نقل الإدارة المدنية إلى "الصهيونية الدينية".. محاولة إسرائيلية "غير صاخبة" لضم الضفة الغربية

time reading iconدقائق القراءة - 8
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش في مؤتمر صحفي بمقر الحكومة في القدس. 11 يناير 2023 - Bloomberg
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش في مؤتمر صحفي بمقر الحكومة في القدس. 11 يناير 2023 - Bloomberg
القدس-قاسم الخطيب

تصاعدت المخاوف في إسرائيل من احتمالات اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة والدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة وأوروبا بعد تسليم حزب "الصهيونية الدينية" اليميني المتطرف المسؤولية الكاملة عن إدارة ملف الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة.

وجاءت هذه الخطوة بموجب اتفاقات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتشكيل الحكومة، التي تعد الأكثر يمينية بتاريخ إسرائيل.

وحافظت إسرائيل، منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1967، على إدارة شؤون الضفة الغربية المحتلة من خلال مؤسساتها العسكرية، دون المخاطرة بضمها تجنباً لصدام واسع مع القوى الدولية والرأي العالم العالمي، لما ينطوي عليه ذلك من مخالفة صارخة للقانون الدولي والقرارات الدولية الصادرة بهذا الشأن، فضلاً عما يعنيه ذلك من القضاء "نهائياً" على عملية السلام المتجمدة منذ سنوات مع الفلسطينيين.

غير أن الاتفاقات الائتلافية الأخيرة بين حزب الليكود، الذي يتزعمه نتنياهو، وشركائه اليمينيين أعطت انطباعاً بأن هناك مرحلة جديدة في الأفق ستشهد تكثيف البناء الاستيطاني ونقل المزيد من الإسرائيليين (اليهود) لتعزز إسرائيل سيطرتها على الأراضي المعروفة بمناطق "ج"، وفق تعريفات اتفاقيات أوسلو الموقعة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، والتي تصل نسبتها إلى أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية المحتلة.

الإدارة المدنية

أسست إسرائيل ما يعرف بالإدارة المدنية، وفق  معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب، عام 1981 كذراع تنفيذية لإدارة شؤون الأرض والسكان في الضفة الغربية المحتلة.

وهي وحدة خاضعة لقائد المنطقة العسكرية الوسطى الإسرائيلية، والمسؤول عن إدارة عملها هو منسق اعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية بصفته جزء من وزارة الدفاع الإسرائيلية، وهو المسؤول عن تنفيذ السياسات الإسرائيلية امام القاطنين على أراض الضفة الغربية.

وبعد توقيع اتفاقات أوسلو، تم نقل جزء من صلاحياتها إلى السلطة الفلسطينية، وباتت الإدارة المدنية هي المسؤولة عن إدارة حياة أكثر من 400 ألف مستوطن يهودي وما يزيد عن 280 ألف فلسطيني يقطنون في مناطق "ج"، التابعة مدنياً وعسكرياً لسيطرة إسرائيل، بما يشمل كافة الصلاحيات بخصوص الأراضي وتسوية ملكياتها.

كما أن الإدارة هي المسؤولة عن مواضيع التخطيط والبناء وتنفيذ قرارات اللجان المختصة التابعة مباشرة للإدارة المدنية، وهي المسؤولة عن تزويد القاطنين في هذه المناطق بالماء والكهرباء.

وتشمل مسؤولياتها قطاع المواصلات وحماية البيئة، وكل ما يتعلق بمناحي ومتطلبات الحياة للسكان هناك.

والمنسق هو المسؤول عن التنسيق الأمني والمدني مع السلطة الفلسطينية وعن إصدار تصاريح العمل والدخول لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة إلى إسرائيل. 

"الصهيونية الدينية" والقضية الفلسطينية

وبموجب الاتفاقات الائتلافية بين مكونات الحكومة الجديدة، انتقلت مسؤولية "الإدارة المدنية" إلى حزب "الصهيونية الدينية"، أحد الأحزاب الإسرائيلية الأكثر يمينية منذ الإعلان عن إنشاء إسرائيل.

وبشكل رسمي انتقلت مسؤولية الإدارة المدنية ومنسق عمليات الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة من وزير الدفاع الإسرائيلي إلى وزير حزب "الصهيونية الدينية" في وزارة الدفاع بتسلئيل سموتريتش، ما يعني تلبية كافة مطالب المستوطنين بتوسيع المستوطنات والسطو على الأراضي الفلسطينية هناك.

ويمثل المستوطنون الإسرائيليون في الضفة الغربية قسماً كبيراً من أنصار هذا الحزب، الذي حاز على نسب تصويت عالية بالانتخابات الأخيرة في المستوطنات الأكثر تطرفاً في وسط وجنوب الضفة الغربية.

وينادي الحزب بإلغاء اتفاقات أوسلو مع الفلسطينيين وحل السلطة الفلسطينية، التي يعتبرها "عدواً"، كما يدعو إلى ضم الضفة الغربية بالكامل إلى إسرائيل، كونها، وفق عقائده "جزء من أرض إسرائيل التاريخية".

ويرى بعض مؤيديه، في المدارس الدينية بتلك المستوطنات، أن أفضل حل للقضية الفلسطينية يقضي بتهجير الفلسطينيين، بمن فيهم حاملي الجنسية الإسرائيلية.

وقال بتسلئيل سموتريتش، زعيم الحزب، في خطاب له على منصة الكنيست، العام الماضي، موجهاً كلامه إلى أعضاء الكنيست العرب، إن "مؤسس دولة إسرائيل لم ينجز عملية تنظيف إسرائيل من غير اليهود"، وإن حزبه "سيتمم انجاز المهمة".

فصل عنصري

ليس هذا وحسب، فقد قدم حزب "الصهيونية الدينية"، العام الماضي، خلال ولاية الحكومة السابقة، مشروع قانون لحل الإدارة المدنية ونقل صلاحياتها إلى حكومة إسرائيل، من خلال الوزارات، بهدف "تحسين الخدمات الحكومية المقدمة للسكان الذين يعيشون في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية"، في إشارة إلى المستوطنين اليهود في الضفة.

في المقابل، يقترح مشروع القانون نفسه "توفير الخدمات الحكومية لسكان المنطقة من غير مواطني إسرائيل من خلال إدارات التنسيق والارتباط الإقليمية"، ما يعني التعامل بطريقتين مختلفتين مع مجموعتين مختلفتين في منطقة جغرافية، أي إقامة نظام فصل عنصري بشكل فعلي على الأرض. 

ضم غير صاخب

ويرى بعض المحللين أن تعيين سموتريتش وزيراً في وزارة الدفاع بالإضافة إلى منصبه وزيراً للمالية جاء في إطار الحفاظ على "قوانين اللعبة" المطلوبة للتعامل مع نصوص القانون الدولي، بما يعني أن إلحاق سموتريتش ومخططاته بوزارة الدفاع يستهدف إعلان إسرائيل بأن هذه المناطق ما زالت "مناطق تحت سيطرة عسكرية ولم تضمها إسرائيل".

ويقول الدكتور روني شاكيد، الباحث في معهد ترومان التابع للجامعة العبرية، في حديث مع "الشرق"، إن "إخضاع الإدارة المدنية ووحدة منسق الأعمال الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية يقربنا خطوة أخرى نحو ضم الضفة الغربية، وعملياً تقوم حكومة نتنياهو بعملية ضم غير صاخبة". 

ويضيف شاكيد، الذي عمل في الماضي مراسلاً صحفيا بصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية وتابع تفاصيل الانتفاضتين الأولى والثانية واتفاقات أوسلو: "لا تكتفي الحكومة بهذه الخطوة، فهي تنوي قريباً شرعنة كافة البؤر الاستيطانية غير المرخصة المقامة على أراض فلسطينية خاصة، وتنوي تشريع قانون لإعادة بناء مستوطنة حومش في شمال الضفة الغربية، والتي كانت قد انسحبت منها بناء على قانون الانفصال عن غزة".

وتابع: "إعادة بناء حومش هو عملياً خرق وانتهاك إسرائيلي لمعاهدة حظيت بدعم دولي، ووقعت عليها إسرائيل كدولة، وإذا أخذنا بعين الاعتبار العقوبات التي فرضتها الحكومة على السلطة الفلسطينية، سوف نرى أن هذه الخطوات جميعها وأخرى قد تتخذها هذه الحكومة ستؤدي في النهاية إلى دولة ثنائية القومية، وإلى فرض عقوبات دولية على إسرائيل، ربما تبدأ بالمستوطنات وبعدها على إسرائيل بشكل عام". 

موقف نتنياهو

في معسكر الوسط واليسار في إسرائيل يتهمون نتنياهو بأنه لا يملك أية أجندة غير أجندة إنقاذ نفسه من السجن، في إشارة إلى الدعاوى القضائية التي يخضع خلالها للمحاكمة بتهمة الاحتيال والتهرب الضريبي وخيانة الأمانة، في ظل احتمالات قوية بإدانته وإرساله إلى السجن. 

وإيقاف هذه المحاكمات أو إلغاؤها بحاجة إلى سلسة تشريعات قانونية جديدة يصدرها الكنيست الإسرائيلي، وهي مهمة لا يمكن إنجازها دون حلفاء نتنياهو من اليمين المتطرف، وعلى رأسهم بتسلئيل سموتريتش وزعيم حزب "عظمة يهودية" ايتمار بن غفير، الذي بات مسؤولاً عن الشرطة بعد أن كانت تلاحقه في السابق. 

اقرأ أيضاً:

تصنيفات