بعد غياب 3 سنوات، أثار إعلان النادي الثقافي العربي الجمعة، تنظيم الدورة 63 لمعرض بيروت العربي الدولي للكتاب، خلال 3-13 مارس المقبل، جدلاً واسعاً في لبنان، بين دور النشر والمكتبات المحلية من جهة، والمنظمين من جهة أخرى، فيما انقسم الرواد بين مؤيّد ومعارض.
ويُنظم المعرض الذي تأسس في 1956، النادي بالتعاون مع نقابة اتحاد الناشرين اللبنانيين بين نوفمبر وديسمبر، لكنه ألغي في "السنوات الثلاث الماضية بسب الاضطرابات السياسية والاقتصادية والوباء، ثم جاء انفجار مرفأ بيروت ليدمّر قاعته الواسعة في مجمع بيال، ويحول دون إقامته"، كما قال مديره عدنان حمود.
وأضاف حمّود، وهو أستاذ لعلم الاجتماع في الجامعة اللبنانية، أن "الهيئة الإدارية للمعرض تعرف تماماً أن الأولويات اليوم للمأكل والمشرب، والناس تعاني من ضائقة مادية وأن شراء الكتب صار ترفاً، لكنها ارتأت التعويض عن الأعوام الثلاثة الماضية بدورة استثنائية مصغّرة (4000 متر مربع) في مارس، على أن تقام الدورة السنوية في موعدها في ديسمبر 2022 على مساحته المعتادة 10 آلاف متر مربع".
وتابع: "لا يُعقل أن تبقى بيروت بلا معرض للكتاب، ولم يعد مبرّراً غيابه اليوم، ففي عزّ الحرب الأهلية لم يقف المعرض وكنا ننظمه تحت القصف في شارع الحمرا في مبنى وزارة السياحة".
نقابة اتحاد الناشرين تقاطع
إعلان النادي الذي أُطلق الجمعة، لدعوة دور النشر اللبنانية للمشاركة في الدورة الـ 63، قابله رفض من نقابة اتحاد الناشرين اللبنانيين التي تضمّ 109 من الناشرين.
وقالت رئيسة النقابة سميرة عاصي لـ"الشرق": "فوجئنا منذ فترة بأن النادي الثقافي العربي يحضر لدورة استثنائية قرر وحده تاريخ تنظيمها في مارس المقبل من دون الرجوع إلينا، ويحاول دعوة دور النشر فرداً فرداً من دون استشارتنا".
وأضافت: "تواصلنا مع المسؤولين وأرسلنا لهم كتاباً رسمياً بعدما عقدنا اجتماعاً صوّتت فيه 107 دور نشر بالرفض على إقامة معرض في هذا التوقيت بالذات، معلنين عدم مشاركتنا طالبين عدم وضع اسم النقابة كشريك".
التوقيت غير مناسب
وشرحت عاصي أن دور النشر اللبنانية التي تعاني سيولة، مع احتجاز أموالها في المصارف، وهي تدفع كافة مصاريفها للطباعة والحبر والورق والشحن بالدولار، لا ترى أهمية لإقامة معرضين في عام واحد في بلد منهار اقتصادياً والقيمة الشرائية فيه شبه معدومة خصوصاً في قطاع النشر".
وأضافت أن هذه الدور لديها التزامات بالتزامن مع هذا التوقيت مع سلسلة معارض في العالم العربي من مصر إلى البحرين وعمان والكويت، وعادة تُقرر جدولة المعارض الزمنية قبل عام وليس قبل شهرين".
وأفادت بأن "الناشر اللبناني يفضل بكل بساطة المشاركة في المعارض العربية ليحصل على سيولة مادية بالدولار. لذلك طلبنا التركيز على المعرض السنوي في ديسمبر وتضافر الجهود لإنجاحه والتواصل مع دول عربية يمكنها الدعم في هذا الصدد، لكن النادي أصرّ على قراره".
وعن سبب إصرار النادي على التوقيت، قالت عاصي لـ"الشرق": "يبدو أن النادي يعاني ضائقة مادية ويحاول سدّها أولاً عبر عائدات إيجارات الأجنحة في المعرض تعود إلى صندوقه وحده، والتي طلب أن تكون هذا العام حصرياً بالدولار".
وأضافت: "هناك إمارة عربية تهتمّ بدعم الكتاب وعدت النادي بدعم مادي لإعادة تنظيم المعرض وضخ الحياة فيه من جديد، وقد يكون ذلك سبباً في إصرار النادي على دورة استثنائية، مع العلم أنه يمكن الاستفادة من هذا الدعم لتنظيم دورة ناجحة وجيّدة بدل دورتين ضعيفتين".
مساحة لقاء
لكن حمّود أكد أن النادي يموّل نفسه بنفسه ولا يتلقى أي دعم من أحد. واعتبر حمّود أن "المعرض ليس الغاية منه فقط بيع الكتب، بل هناك حاجة للتلاقي والاجتماع، خصوصاً في بلد مثل لبنان فيه تشنجات بين الأحزاب والتيارات السياسية، ولطالما كان معرض الكتاب مساحة لقاء وتفاعل يجمع كل المذاهب والطبقات في تظاهرات فنية وثقافية وندوات".
ولكن الأمر ذلك يراه الناشرون وأصحاب المكتبات غير مقنع. إذ قال إميل تيّان، رئيس مجلس إدارة دار "هاشيت أنطوان" والمدير التجاري لمكتبة أنطوان التي أعلنت رفضها المشاركة والالتزام بقرار النقابة، إن "النادي لا يعمل لمصلحة دور النشر وليس هدفه ثقافياً كما يدّعي".
وأضاف: "طلب النادي 50 دولاراً لإيجار المتر الواحد، ونحن عادة نستأجر 150 متراً في المعرض، أي أننا سندفع 7500 دولار أو ما يعادل 180 مليون ليرة لبنانية كبدل إيجار لجناح نعرف مسبقاً أننا لن نربح فيه أي فلسٍ، بل سنخرج منه بخسارة مادية، وفي وقت يعاني القطاع الثقافي من أسوأ أزمة مالية في تاريخ لبنان، فمن كان يشتري 5 كتب صار يشتري واحداً، ومنهم من انقطع عن زيارة المكتبة معتبراً أن الكتاب من الكماليات".
وأضاف: "عندما واجه النادي رفض غالبية الدور، خفّض المتر إلى 11 دولاراً، وهذا يدّل على أن الهدف مادي، ثم من المعيب التسعير بالعملة الأجنبية ورفض العملة اللبنانية خصوصاً في هذه الأزمة المادية".
تراجع المبيعات والإنتاجات
يوافق صاحب مكتبة ودار بيسان للنشر عيسى أحوش، على كلام زميله رافضاً أيضاً المشاركة، لأن وضع البلد الاقتصادي وتقلبات سعر صرف العملة المتزامنة مع الوباء ومع اضطرابات سياسية، لا تسمح بإقامة معرض في بلد تراجع فيه بيع الكتب 80%".
ونصح إدارة النادي بإلغاء دورة مارس، والتخطيط لمعرض قيّم ذي مستوى في ديسمبر، على الأقل لتأمين مئات العناوين الجديدة، ليكون لدى القارئ خيارات ولتأمين أسعار تشجع على اقتناء الكتب فدور النشر خفّفت إنتاجاتها لأكثر من 50%".
وتساءل: "من سيأتي إلى المعرض؟ صفيحة البنزين وصلت اليوم إلى 370 ألف ليرة، وسعر أقل كتاب طُبع في بيروت وغير مستورد وصل اليوم إلى 8 أو 10 أضعاف سعره في العام 2019، حتى لو حسمنا 50 في المئة للزبون".
وشرح أحوش أن هذا القطاع من أكثر القطاعات تهميشاً في لبنان منذ سنوات طوال، لكن العاملين فيه بغالبيتهم كانوا يعتبرون أن لديهم مسؤولية للاستمرار، وكانوا يعتمدون على الأسواق والمعارض الخليجية والعربية كي يسدّوا العجز في لبنان، لكن بعد انتشار وباء كورونا تأثر سوق الكتاب العربي بالأزمة الاقتصادية العالمية وبالتالي تراجعت نسب البيع.
المشاركون العرب
وعما إذا كان المعرض سيحافظ على طابعه العربي في هذه الدورة الاستثنائية، قال حمود إن النادي وجّه دعوات لنحو 80 دار نشر عربية تشارك سنوياً، والمعرض لن يكون محلياً فقط، وهناك تأكيدات من دور في العراق والأردن وسوريا ومصر.
وتوقّع ألا تغيب الكويت وسلطنة عُمان والشارقة مع استبعاده أن تشارك المملكة العربية السعودية نظراً للاضطرابات السياسية والدبلوماسية بين البلدين، متمنياً أن يكون المعرض فأل خير لجَمْع الدول العربية كافة، على الخير والثقافة والقراءة، خصوصاً أنها الداعم الأول للبنان في محناته.
أما عن الزوار العرب والجامعات والمؤسسات الثقافية التي كانت تعتمد عليها دور النشر في المبيعات، فقال حمود: "إذا كان الوضع الأمني والسياسي مستتبّ يأتي الزوار العرب".
وأكد أن النادي لم يدع هذا العام أدباء ومثقفين وصحافيين من الخارج كما دأب في الدورات الماضية، لعدم توفّر سيولة لذلك".
خسارة معنوية
يتمنى الناشرون بحسب أحوش وتيان وعاصي، النهوض بقطاع النشر واستعادة معارض الكتب في بيروت وانطلياس وطرابلس ومعرض الكتاب الفرنكوفوني، لأن "الخسارة المعنوية كبيرة جداً للرواد والقراء والمؤلفين والناشرين وأصحاب المكتبات"، لكن المسألة بالنسبة إليهم "أعقد من أن ننظم معرضاً ببرنامج دون المستوى والسلام".
وأفادت عاصي بأن الأمر "يحتاج إلى استراتيجية للنهوض بالقطاع ككل والتسويق والترويج لإنتاجات دور النشر في الخارج. ففي لبنان تطبع معظم الكتب العربية وأهمها، كما بدأنا كنقابة بالتواصل مع أكثر من دولة ومؤسسة ثقافية عربية للحصول على دعم أو مساندة أو ترويج لكتبنا في الجامعات والمدارس، ووجدنا صدى إيجابياً كي لا ينهار قطاع النشر".
انقسام
رواد أقدم معرض في العالم العربي انقسموا بين ضرورة عودته، ولو بحجم صغير، مثل الشاعر اللبناني شوقي بزيع، وبين معارض مثل الروائي السوري خالد خليفة، الذي يرى في تحويل المعرض إلى عمل استهلاكي يوازي تغييبه، وبالتالي يساهم في تدمير آخر ما تبقى لنا من نافذة في هذه المدينة".
وقال بزيع لـ"الشرق": "معرض بيروت للكتاب كان أحد التعبيرات الأهم عن معنى المدينة وتعبيراً عن حيويتها وتعلّقها بالمعرفة وعن كل ما تجسّده من أمثولات ومعالم متصلة بالماضي والمستقبل. فصلة لبنان بالطباعة وبصناعة الكتاب هي صلة وثيقة، وغياب معرضها يشكّل غياباً لروح بيروت الحقيقية، وعودته ولو بحجم صغير يعيد التنفس في رئة بيروت".
"قد لا يكون معرض بيروت للكتاب أكبر أو أهم أو أغنى معرض في المنطقة، إلا أن رمزيته وعتقه وغناه تجعله أهم معرض عربي على الإطلاق، لأنه في بيروت التي يعتبرها المثقفون العرب منفذاً لهم و"خيمتهم" على ما يقول درويش".