الانتخابات اللبنانية.. مخرج من الأزمة أم إعادة إنتاج للطبقة السياسية؟

time reading iconدقائق القراءة - 20
شعارات مناهضة للمؤسسات الرسمية اللبنانية ولوحة تدعو إلى المشاركة في الانتخابات وسط بيروت- 13 أبريل 2022 - AFP
شعارات مناهضة للمؤسسات الرسمية اللبنانية ولوحة تدعو إلى المشاركة في الانتخابات وسط بيروت- 13 أبريل 2022 - AFP
دبي-رامي زين الدين

بعد عامين شهد خلالهما أزمة اقتصادية وصفت بأنها من بين أقسى الأزمات في التاريخ الحديث، سيكون لبنان في 15 مايو المقبل على موعد مع انتخابات نيابية تطمح من خلالها من تُسمى "قوى السلطة"، التي يُحمّلها الشارع "مسؤولية تردي الأوضاع المعيشية"، إلى ترسيخ سيطرتها على المشهد السياسي، بينما يسعى مئات المرشحين المستقلين إلى المنافسة على مقاعد البرلمان، رافعين شعار التغيير الذي يتطلع إليه غالبية اللبنانيين.

في ضوء السباق المحموم على الفوز بأصوات الناخبين، تطرح خارطة التحالفات بين التيارات السياسية علامات استفهام كثيرة بشأن حظوظ قوى التغيير، أو ما درجت  تسميته أخيراً بقوى "المجتمع المدني"، في الفوز بمقاعد تصنع الفرق بعد هذا الاستحقاق، إضافة إلى احتمالات تراجع نسبة الاقتراع في ظل تصاعد النقمة الشعبية على المنظومة الحاكمة منذ عقود. ما الذي ستحمله هذه الانتخابات من جديد؟ وهل يشكل ما يشهده لبنان حالياً حافزاً لأبنائه لـ"قلب الطاولة"وصناعة الفرق؟

تأثير الأزمة الاقتصادية

منذ عام 2019، تسببت الأزمة المالية الخانقة في خسارة الليرة اللبنانية 90% من قيمتها، في وقت أصبح المواطنون عاجزين عن الوصول إلى ودائعهم بالعملة الصعبة والتصرف فيها، الأمر الذي أثر على جميع قطاعات المجتمع.

1000 مرشح

بحسب الموقع الرسمي للانتخابات اللبنانية، وصل العدد النهائي للمرشحين (بعد انسحاب 42 منهم) إلى 1002 مرشح، بزيادة قدرها 26 مرشحاً عن الانتخابات السابقة (عام 2018).

تجدر الإشارة إلى أنه في الانتخابات النيابية الماضية، فازت "قوى 8 آذار" (حزب الله وحلفاؤه) بغالبية 71 مقعداً، بعد الحصول على (947 ألفاً و340 من إجمالي الأصوات)، بينما فازت قوى "14 آذار" بـ48 مقعداً بعد حصولها على (607 آلاف و148 صوتاً)، في حين فاز 9 نوّاب من خارج التحالفين.

بينما وصلت نسبة الاقتراع إلى 54% عام 2009، بلغت 49.68% في 2018، وشكّل المقترعون المسلمون آنذاك 67.1%، مقابل 32.9% للمسيحيين، في حين أن أكبر نسبة من المقترعين كانت في الطائفة الشيعية يليها السنّة فالموارنة.

وتشهد الانتخابات اللبنانية الحالية لأول مرة منذ ثلاثة عقود غياب أبرز القوى "السنيّة"، مع عزوف رئيس الوزراء السابق سعد الحريري عن الترشح وإعلانه تعليق مشاركة تياره السياسي "المستقبل"، الذي يتزعمه منذ اغتيال والده رفيق الحريري عام 2005، في الحياة السياسية اللبنانية.

وفي ظل التساؤلات عمن سيملأ الفراغ الذي يخلّفه عزوف الحريري عن المشاركة في الانتخابات، ترشيحاً واقتراعاً، قال الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين لـ"الشرق"، إن "تيار المستقبل فاز في الانتخابات الماضية بـ19 نائباً، وحاز 250 ألف صوت، منها 230 ألفاً من السنّة، وكان حاضراً ومؤثراً في 8 دوائر انتخابية". وأضاف: "أما اليوم، فيتم ملء هذا الفراغ من خلال عائلات أو شخصيات سنّية مقربة من المستقبل،  في زحلة وعكار وبعلبك والهرمل والبقاع الغربي وصيدا والشوف، لكن الفراغ الكبير يبقى في طرابلس ودائرة بيروت الانتخابية الثانية، حيث يمكن أن تشهد الانتخابات تراجعاً في اقتراع السنّة".

تحالفات ولوائح

بنظرة إلى خارطة التحالفات في الانتخابات النيابية اللبنانية المرتقبة، تبدو اللوائح منقسمة إلى ثلاث مجموعات رئيسية تمثل "الثنائي الشيعي" (حزب الله وحركة أمل) ومعه "التيار الوطني الحر" وحلفاؤهم.

وعلى الطرف الآخر، يقف من تبقى من قوى "14 آذار" التي يمثلها "الحزب التقدمي الاشتراكي"، وحزب القوات اللبنانية، واللوائح المدعومة من رئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة، إلى جانب لائحة وزير العدل السابق اللواء أشرف ريفي، أما المجموعة الثالثة فهي تضم لوائح المعارضة والمستقلين.

المشهد المذكور أعلاه يعكس وفقاً للكاتب الصحافي اللبناني منير الربيع "إعادة للتحالفات التي عُقدت في انتخابات 2009". الربيع قال لـ"الشرق" إن التحالف بين المرشحين السنّة (في ظل غياب تيار المستقبل) مع القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي أو مع مستقلين ومعارضين لحزب الله "سيعيد فرز العملية الانتخابية وفقاً لأسس سياسية تندرج في خيارين، أحدهما يتمثل في خصوم حزب الله الذين يؤيدون عودة لبنان إلى الحضن العربي، ورفض الانخراط في المحور الإيراني. أما الخيار الآخر فيكمن، كما يضيف ربيع، في "حزب الله وحلفائه الذين يريدون تكريس نوع من النتائج يقولون من خلالها إنهم قادرون على الاستمرار في التحكم بمفاصل اللعبة السياسية اللبنانية".

وعلى الرغم من انتشار لافتات ضمن المناطق السنّية في العاصمة بيروت وعلى نطاق واسع في أوساط تيار المستقبل، تحمل شعار "مقاطعة"، فإن دائرة بيروت الثانية تستقطب 6 مرشحين سنّة إلى مجلس النواب.

وفي حين عزف رئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة عن الترشح شخصياً للانتخابات، إلا أنه اختار دعم لائحة "بيروت تواجه" التي تضم مرشحين سنّة عن العاصمة، وكذلك فعل رئيس الوزراء الحالي نجيب ميقاتي الذي يدعم لائحة "الوفاء لعكار".

ويشهد الاستحقاق النيابي اللبناني لعام 2022 زيادة ملحوظة في عدد اللوائح مقارنة بانتخابات 2018، إذ ارتفعت أعداد اللوائح الانتخابية في الاستحقاق الحالي لتصل إلى 103، تتنافس على 128 مقعداً في البرلمان. ويقول منير الربيع إن هذا يعود إلى حماسة اللبنانيين للانخراط كمرشحين في العملية الانتخابية والسياسية، لاسيما بعد أحداث 17 تشرين الأول (أكتوبر).

تشتت "المجتمع المدني"

ويعتبر الربيع أن هذا الإقبال "ليس دليل صحة، بل مؤشر على التشتت الكبير الذي يعيشه المجتمع المدني، وأيضاً القوى المتخاصمة مع حزب الله، سواء من المستقلين أو الأحزاب والقوى السياسية. وهذا لا ينعكس بشكل إيجابي على مسار العملية السياسية، وإنما يُعبّر عن ضياع في الأفق وعدم اتضاح رؤية المشروع السياسي".

ويرى الربيع أن "هذا الأمر قابل للتصحيح من خلال تنسيق عمليات التصويت لتحديد ملامح الشخصيات والقوى التي ستدخل إلى البرلمان".

من جانبه، يرى الباحث في "الدولية للمعلومات"، محمد شمس الدين، أن زيادة عدد المرشحين تعود إلى دور جمعيات المجتمع المدني في تحفيز الترشح، وهو ما أدى كما يقول إلى "تشكيل 56 لائحة تمثل المجتمع المدني وما وصفه بـ"قوى الثورة والتغيير".

ويضيف: "في انتخابات عام 2018، بلغ عدد المرشحين 976 مرشحاً، انخرط منهم 597 في 77 لائحة، بينما في الانتخابات الحالية (قبل حدوث انسحابات) ارتفع عدد المرشحين إلى 1044 انخرط منهم 718 في 103 لوائح، وبالتالي أدى ارتفاع عدد المرشحين إلى ارتفاع عدد اللوائح تلقائياً".

وأشار شمس الدين إلى عامل آخر يتمثل في غياب تيار المستقبل، التكتل السنّي الأكبر، ما أسهم في رفع عدد المرشحين في صيدا مثلاً من 10 إلى 20، فضلاً عن زيادة حدة المنافسة المارونية، إذ ارتفع عدد المرشحين الموارنة من 230 عام 2018 إلى 279 في هذه الانتخابات".

نسب وأرقام 

على الرغم من أن نسبة التصويت في الانتخابات الماضية كانت قرابة 50%، وهي تبدو قليلة للوهلة الأولى، إلا أن الخبير في الشأن الانتخابي اللبناني كمال فغالي يشير إلى أن تلك النسبة تعني من الناحية العملية أن "نسبة المشاركة فاقت الـ70%، أي ما يشكل تقريباً غالبية اللبنانيين".

ويوضح فغالي أن "هذه النسبة تُقاس على لوائح قيد الناخبين أو لوائح الشطب التي تتضمن الكثير من الأموات والناس غير المعنيين بالانتخابات، على غرار المهاجرين الذين لم يسجلوا أبناءهم في السجلات المدنية اللبنانية، كاليهود والأرمن والمهاجرين من باقي الطوائف".

بدوره، يقول شمس الدين إن نسبة الاقتراع عام 2018 كانت نظرياً 49.7%، ولكنها فعلياً أكثر منذ ذلك، حيث إن عدد الناخبين كان ثلاثة ملايين و746 ألفاً و483 ناخباً، اقترع منهم مليون و861 ألفاً و203 ناخبين.

ويضيف: "إذا أسقطنا من اللوائح المرضى وكبار السن (نحو 25 ألفاً) والموقوفين في السجون (7 آلاف) والعسكريين (120 ألفاً) والمسافرين نحو (800 ألف)، فإن عدد الناخبين ينخفض إلى نحو مليونين و850 ألفاً، أي أن نسبة الاقتراع الفعلية هي بحدود 65%".

مشاركة منخفضة

وعن حجم المشاركة المحتملة في انتخابات 15 مايو المقبل، قال شمس الدين إن "هناك توقعات بانخفاض النسبة، في ظل عدم مبالاة الناس بالانتخابات"، ولكنه أشار إلى أن "ضخ المال الانتخابي لاستقطاب الأصوات قد يبدّل المزاج ويرفع نسبة الاقتراع في العديد من الدوائر، ومع ذلك علينا عدم استباق الأمور، خصوصاً أن تأثير المال الانتخابي يظهر في الأيام القليلة التي تسبق الاقتراع".

ونقلت وكالة "رويترز" للأنباء عن رئيس هيئة الإشراف على الانتخابات في لبنان، نديم عبد الملك، قوله إن انتخابات 15 مايو ستشهد "بكل أسف" مخالفات، معتبراً أن "أكثر شيء سيؤثر على نزاهة الانتخابات هو شراء الضمائر.. لا سيما في ظل تدني الحالة الاقتصادية ووقوع أغلبية الشعب اللبناني تحت خط الفقر".

ورأى عبد الملك أن "شراء الذمم سيكون على قدم وساق، والكثير من الناس سيبيعون أصواتهم"، لافتاً إلى أن "هذه آفة ستضرب نزاهة الانتخابات وشفافيتها وعدالتها".

ولا تُعد الظاهرة التي تحدث عنها عبد الملك جديدة في لبنان، إذ رصد مراقبون من الاتحاد الأوروبي انتشروا في لبنان خلال انتخابات عام 2018 وجود مؤسسات خيرية لها صلات بمرشحين حشدت لهم الدعم عبر تقديم الرعاية الصحية وخدمات أخرى، وهو ما "يعادل شراء الأصوات".

حظوظ الخرق

"من المبكر الحديث عن حسم المعركة الانتخابية اللبنانية"، كما يرى منير الربيع، موضحاً أن الاستطلاعات والإشارات كانت ترجح قبل أسابيع فوز حزب الله بشكل حتمي بالأكثرية النيابية، لكن في الفترة الماضية تغيّرت بعض الإحصاءات والوقائع، وأصبحت المعركة منحصرة بخمسة أو ستة نوّاب.

وقال: "إذا حدثت كثافة في التصويت لدى السنّة في مختلف المناطق، وفي حال أُديرت العملية الانتخابية بطريقة جيدة، وتوفر الدعم السياسي والمعنوي إضافة إلى المقومات المالية، خصوصاً البقاع وبيروت ودائرة الجنوب الثالثة، فهناك إمكانية لتحقيق خرق أو أكثر في لائحة حزب الله، وهذا لم يحدث عام 2018، فقد كانت التحالفات هجينة".

من جهته، يعتقد محمد شمس الدين أن ما بين 108 و112 مقعداً أصبحت محسومة قبل أن تبدأ الانتخابات النيابية، وفي 15 مايو "سنعرف النوّاب الـ16 أو العشرين المتبقين".

فرص التغيير

تبدو فرص حدوث تغيير في الخارطة السياسية اللبنانية "ضيقة جداً"، وفقاً للصحافي منير الربيع الذي يشير إلى أن ذلك "يتوقف على قدرة قوى المجتمع المدني على إحداث تغيير في بنية النظام".

التغيير، كما يقول الربيع، "يمكن أن يبدأ من خلال كتلة نيابية وازنة تتألف من 10 أو 15 نائباً، بحيث يتكيّف هؤلاء بعضهم مع بعض، ويقدمون مشاريع قوانين على غرار قانون انتخابي عصري وقوانين مدنية للأحوال الشخصية، ومن ثم يبدأ المسار التراكمي للتغيير، أما انتظار حدوثه من أعلى إلى أدنى فلا يمكن أن يتحقق".

وتشير المعطيات الحالية، بحسب ما يرى الربيع، إلى أن القوى السياسية السابقة نفسها ستتكرر في الانتخابات الحالية باستثناء بعض المستقلين أو ممثلي الحراك المدني، وهذا سيؤدي إلى إعادة الفرز السياسي وفقاً لنتائج الانتخابات، وما إذا كان حزب الله حقق الأكثرية أم لا، وبناء عليه لا بد أن تتماهى هذه النتائج مع وقائع إقليمية ودولية.

عزوف عن التصويت

ثمة عوامل أخرى قد تدفع بعض اللبنانيين إلى العزوف عن المشاركة في الاقتراع، ولعل أبرزها، بحسب ما يقول كمال فغالي، تزامن الانتخابات الحالية مع أسوأ ظروف اقتصادية يشهدها لبنان، إذ وصل سعر صرف الدولار في السوق السوداء إلى نحو 30 ألف ليرة.

كما تأتي الانتخابات بعد عامين من تفاقم الأزمة السياسية والمعيشية، حيث فقد الناس القيمة الشرائية لمداخيلهم، والضمان الصحي الذي لم يعد له أي أهمية.

ويتابع فغالي قائلاً: "في ظل هذا الظرف المأساوي تراجعت قدرة الناس على توفير الاحتياجات الأساسية، فالأستاذ الجامعي لم يعد قادراً على شراء الكتب. ولذلك هناك فئة، على الأرجح، ستقاطع الانتخابات كردة فعل واحتجاج على منظومة السلطة المسؤولة عما يجري".

وأظهرت دراسة واسعة أجراها فغالي شملت 34 ألف استمارة في جميع الأراضي اللبنانية، لاستبيان آراء الناس بشأن الانتخابات النيابية، أن 64% منحوا اهتمامهم للشأن الاقتصادي والمعيشي، و4% للشأن السياسي، والباقي 31.5% أبدوا اهتماماً بالسياسة والوضع المعيشي معاً.

وتعليقاً على نتائج الدراسة، قال فغالي إن "95% من الطوائف والمناطق كافة يمنحون الأولوية للشؤون الاقتصادية، بسبب الاستياء من المنظومة السياسية التي جعلتهم يعيشون هذه المعاناة".

وأضاف: "عندما تعمّقنا في الدراسة قال المشاركون إنهم سيمتنعون عن الاقتراع لأنهم لا يريدون التصويت للسلطة الحاكمة التي نهبت لبنان، وذلّت شعبه وسرقته وحجزت أمواله، ولكنهم أشاروا إلى أنه في حال برزت قوى جديدة تحمل ما هو مختلف فسيقومون بالتصويت لها". 

وتشير الدراسة أيضاً إلى أن نسبة غير الراغبين بالتصويت لدى السنّة أكثر من 50%، وعند المسيحيين نحو 50%، والشيعة 35% تقريباً.

المشاركة المتوقعة

يكشف الربيع أنه لا توجد حتى الآن معطيات دقيقة عن نسبة المشاركة المتوقعة في الانتخابات المقبلة. وبحسب رأيه، يعود ذلك إلى سببين أولهما أن من كان مندفعاً للانخراط في العملية الانتخابية اصطدم بحاجز اليأس في ضوء تشتت قوى المجتمع المدني، ولكنه يعتقد في الوقت ذاته أنه في حال تم إنتاج خطاب سياسي ومشروع واضح المعالم، فقد يؤدي ذلك إلى تحفيز اللبنانيين على المشاركة ورفع نسبة التصويت.

أما السبب الآخر الذي يجعل من الصعب الجزم بنسبة المشاركة، وتحديداً احتمالية العزوف عن التصويت، كما يرى الربيع، فهو الخشية من تكرار النتائج نفسها للدورات الانتخابية السابقة، وبالتالي إعادة النوّاب أنفسهم الذين تعاقبوا لسنوات على المواقع والمناصب ذاتها.

ومع ذلك، يقول الربيع إن ما يُحفز اللبنانيين على المشاركة هو العنوان السياسي الأساسي، حيث تعيش البلاد حالة انقسام عمودي حاد على مستوى الخيارات السياسية، لذا فإن إعادة إنتاج شعار سياسي واضح سيؤدي إلى تغيير وجهة نظر اللبنانيين بتأثير عملية الاقتراع على واقعهم، حتى لو لم يكن هؤلاء مؤيدين لمشروع التغيير، أي جمهور الأحزاب الذي يعاني أيضاً صعوبات اقتصادية ومعيشية واجتماعية.

ويضيف: "عندما يتم رفع سقف الخطاب السياسي، ربما يتشجع هؤلاء على المشاركة في العملية الانتخابية تحت عنوان حرب الوجود أو الحفاظ على الوجود".

ورداً عل سؤال طرحته "الشرق" بشأن التأثير الذي يمكن أن يُحدثه عزوف البعض عن المشاركة في عملية الاقتراع، يقول محمد شمس الدين إن "هذه الشريحة حتى لو قررت الإدلاء بأصواتها فلن تُحدث أي فارق في نتائج الانتخابات".

تجدر الإشارة هنا إلى أن انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020 يلقي بظلاله على واقع اللبنانيين ومشاعرهم تجاه النخبة السياسية، إذ اعتبر البعض أن الحادث الذي هز العاصمة وأدى إلى سقوط 200 ضحية وإصابة أكثر من 7 آلاف وخسائر مادية قدُرت بنحو 15 مليار دولار، يجب أن يؤخذ بالاعتبار في خيارات الاقتراع، وذلك عبر رفض التصويت للشخصيات أو التيارات التي كانت على رأس السلطة آنذاك، مطالبين بإنهاء النظام الطائفي متعدد المراكز الذي يحكم لبنان منذ عقود.

موانع وعقبات

منذ احتجاجات 17 أكتوبر 2019، عزمت قوى التغيير في لبنان على نقل المعركة إلى صناديق الانتخابات، والسعي لدخول المجلس النيابي تحت شعار إحداث التغيير المنشود، غير أن هذا الهدف يصطدم بعدد من العقبات.

وفي هذا السياق، يقول الخبير في الشأن الانتخابي اللبناني كمال فغالي إنه "لو تمكنت قوى التغيير من التوحد ضمن لائحة واحدة على امتداد لبنان، لاستطاعت إحداث أثر معنوي يُمكّنها من خلق موجة تغيير حقيقي، وقوفاً عند تطلعات الناس، وهذا ما سيمنحها نصف عدد مقاعد البرلمان، لكن تشتت هذه القوى (ضمن 55 لائحة)، على عكس القوى التقليدية الأكثر تماسكاً، يُفقدها فرصة تحقيق ذلك".

ويوضح فغالي أنه "على الرغم من أن خطاب القوى المستقلة هو الأكثر تقدماً ووعياً في فهم مشكلات المجتمع مقارنة بالتيارات التقليدية التي ترفع شعارات سياسية مكررة، غير أنهم لم ينجحوا في تكوين هوية أو إنتاج برنامج وقيادة موحدة".

ويعتقد الخبير في الانتخابات أن المستقلين قد يُحدثون خرقاً في بعض الدوائر، على غرار "بيروت الثانية"، وتحديداً مقاعد الأقليات (أرثوذوكس أو سنّة أو دروز)، وذلك خلافاً لعام 2018 عندما لم يحدث أي اختراق.

وبالتالي، يضيف فغالي: "يبدو أنه من الصعب أن تملأ قوى المعارضة والتغيير الفراغ الذي سيُحدثه غياب التيار السنّي الأبرز في الانتخابات، وعلى الأرجح سيحظى حزب الله وحلفاؤه بأكثرية المقاعد في المجلس النيابي".

وعلى الرغم من أن غالبية اللبنانيين، على ما يبدو، لا يعوّلون كثيراً على الانتخابات النيابية، لكن يبقى لهذا الاستحقاق أهمية خاصة، إذ يأتي في أعقاب أزمة سياسية لا تزال تداعياتها الاقتصادية تثقل كاهل المواطنين، متمثلة في انهيار الليرة اللبنانية، وتراجع التصنيف الائتماني للدولة نتيجة العجز عن سداد الديون، وتردي الأوضاع المعيشية، وارتفاع مستويات الفقر والبطالة والهجرة، حيث قضى مؤخراً 15 شخصاً بينهم طفلة، جرّاء غرق زورق كانوا يستقلونه خلال محاولتهم الهجرة بطريقة غير شرعية إلى أوروبا.

تصنيفات