تداعيات الزلزال الأفغاني (1).. الصين مخاوف أمنية ومطامع اقتصادية

time reading iconدقائق القراءة - 14
العلمان الصيني والأفغاني
العلمان الصيني والأفغاني
دبي -رامي زين الدين

تراقب الصين بحذر ما يجري على حدودها الغربية، حيث أثار السقوط السريع والمفاجئ لحكومة أشرف غني، المدعومة من الغرب، القلق من تداعيات هذا "الزلزال" على المحيط الإقليمي والعالمي.

وأمام الواقع الجديد، الذي باتت فيه حركة طالبان، بعد انتصارها الحاسم، اللاعب الرئيسي في أفغانستان، تسعى بكين إلى حماية مصالحها الأمنية والاقتصاية، ذلك أن أفغانستان، ليست مجرد استثمارات وجغرافيا بالنسبة إلى العملاق الآسيوي.

الحكومة الصينية عبّرت مراراً عن مخاوفها من الوضع في أفغانستان، عبر 3 أولويات مُلحة، لخّصها وزير خارجيتها وانغ يي، في الآتي: تفادي حرب أهلية شاملة، التوصل لمصالحة سياسية، ومنع "الجماعات الإرهابية" من استغلال الوضع لشن هجمات ضد دول الجوار. 

استراتيجية جديدة

لطالما انتقدت الصين التدخل الأميركي في الدول الأخرى، غير أنها رحبت في عام 2001 بالحرب على أفغانستان. ربما يعود هذا الموقف، كما يُفسره البعض، إلى اعتبار أن الولايات المتحدة قاتلت الحركات الإرهابية نيابة عن الصين وغيرها من دول الإقليم. لم تدفع بكين تكاليف الحرب ولم تخسر جنوداً أو تغرق في المستنقع الأفغاني، لكنها اليوم تتهم واشنطن بــ"الفشل" وتُحملها مسؤولية انهيار الحكومة الشرعية في أفغانستان.

أستاذ العلاقات الدولية في "جامعة الشارقة" البروفيسور شاوجين تشاي، قال لـ"الشرق" إن "للصين مصلحة جيوسياسية وأمنية كبيرة في أفغانستان، إذ أنها لا تريد أن تُسيطر عليها قوة عظمى كما حدث خلال حقبة الاتحاد السوفيتي (سابقاً) أو لاحقاً بالنسبة الولايات المتحدة، وكذلك بالنسبة للقوى الإقليمية مثل الهند أو إيران، لأن ذلك سيشكل ضغوطاً كبيرة على حدود الصين الغربية"، لافتاً إلى أن "أية تدخلات في الشؤون الداخلية الأفغانية، قد تؤدي إلى إضعاف آفاق التعاون الاقتصادي بين الصين وأفغانستان".

وأضاف: "كذلك، فإن لدى طالبان قراءتها للمتغيرات السياسية، إذ تسعى الحركة لكسب الاعتراف بسلطتها، إدراكاً منها، أن الانتصار على الحكومة شيء، وبناء سلطة تحظى بشرعية دولية شيء آخر".

وزاد: "كما نجحت الحركة من قبل في فرض نفسها كلاعب سياسي على الخارطة السياسية الأفغانية، تسعى اليوم للشيء ذاته وهي في السلطة". ورأى تشاي أن طالبان "ظهرت بثوب جديد هذا العام، خرجت خلاله بخطاب مختلف يرسل التطمينات إلى العالم ودول الجوار، تلقته الصين بالترحيب، وأبقت سفارتها في أفغانستان، لكنها لم تمنح الحركة بعد أي اعتراف بشرعية انقلابها".

واعتبر تشاي أن "ما تريده بكين هو أن تضمن السلطة الجديدة في أفغانستان سلامة دبلوماسييها ومواطنيها". وأضاف: "تود الصين أن ترى انتقالاً سلساً وسلمياً للسلطة في أفغانستان، وستعمل مع حكومة شاملة لجميع الأحزاب السياسية، كما وعد المتحدث باسم طالبان".

من جهته، استبعد محلل الشؤون الصينية إينار تانجين في حديث لـ"الشرق"، أن تضطر بكين إلى الانجرار والتورط في صراع عسكري مع أفغانستان، لافتاً إلى أن "الصين تتسمك دائماً بسياسة عدم التدخل بشؤون الدول الأخرى، لاسيما أنها تُدرك ما الذي حصل للولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي خلال السنوات الـ40 الماضية". وقال: "لكن، مع ذلك، ستزحف الصين اقتصادياً بقوة نحو أفغانستان، بغض النظر عمّن في السلطة".

مخاوف أمنية

ثمة مخاوف أمنية لدى الصين من تداعيات سيطرة طالبان على أفغانستان، لا سيما ارتباط الحركة بجماعات متشددة تناصب بكين العداء، على غرار "حركة تركستان الشرقية" و"الحزب الإسلامي التركستاني". وفي ما يتعلق بذلك، قال تانجين، إن "أكثر ما يُثير قلق بكين من الوضع في أفغانستان هو الجماعات الإرهابية، والأنشطة المعادية في إقليم شينجيانغ". وأضاف: "طلبت الصين من طالبان ضمانات للتأكد من أن الجماعات الإرهابية لن تستخدم  أفغانستان كقاعدة لشن هجمات عليها أو ضد جيران إقليميين آخرين".

بدوره، يعتقد البروفيسور شاوجين تشاي أن "هذه القضية قد تُمثل عقبة أمام عقد تفاهمات مستقبلية بين الصين وطالبان"، لافتاً إلى أن الحركة "قد تضطر إلى التخلي تكتيكياً عن علاقاتها مع الجماعات المتشددة إذا تعرضت لضغوط شديدة من الصين، وفي الوقت ذاته من أجل إظهار نوايا حسنة، لأنها، أي طالبان، بحاجة إلى الصين بشدة لتحقيق الاستقرار الإقليمي. ومع ذلك، يرى تشاي أنه لا يوجد مؤشرات على أن طالبان ستتصرف بجدية ضد الجماعات المسلحة، خاصة أنها استعانت بها في السابق".

وتابع: "يشير تقرير للأمم المتحدة إلى أن طالبان لا تزال تحتفظ بعلاقات وثيقة مع القاعدة، وأن الجماعات التابعة لها لا تزال تحمي مجموعات الأويغور، على عكس وعود الحركة في اتفاق الدوحة بقطع مثل هذه العلاقات".

تجدر الإشارة إلى أن طالبان أكدت مراراً أن "أفغانستان لن تكون منطلقاً لأعمال عدوانية تجاه دول الجوار، ولن تُشكل بؤرة للجماعات الإرهابية في المنطقة". ووصفت علاقاتها مع الصين "الشيوعية" بأنها "جيدة"، ورحبت في أكثر من مناسبة باستثمارات الأخيرة الاقتصادية وتعهدت بحمايتها. إلا أن المحلل السياسي الصيني إينار تانجين، يعتقد أن "تحول أفغانستان إلى أرض خصبة للإرهابيين سيبقى أكبر مخاوف الصين".

وقال: "بما أن الصين تحافظ دائماً على سياسة (التعايش السلمي وحسن الجوار)، تتوقع من الحكومة التي في الغالب ستقودها طالبان، أن ترتبط بعلاقات إيجابية مع جيرانها، لا أن تُسبب المتاعب".

مصالح اقتصادية

يعود تاريخ علاقات الصين مع أفغانستان إلى قرون مضت، إذ كانت كابول إحدى محطات "طريق الحرير" الذي امتد عبر آسيا. وعندما شرع الرئيس الصيني شي جين بينغ في تجديد طريق التجارة القديم من خلال مبادرة "الحزام والطريق" العابرة للقارات، انضمت أفغانستان ومعها 140 دولة أخرى إلى المشروع الصيني.

لكن، على الرغم من أهمية أفغانستان، ترددت بكين في بدء استثمار ضخمة على "أرض غير مستقرة"، ما وضع كابول على هامش مبادرة الحزام والطريق.

في عام 2016، وقّع مسؤولون م ن البلدين مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في البنية التحتية، ثم انضمت أفغانستان بعد عام إلى البنك الآسيوي للاستثمار ومقره الصين. ومنذ ذلك الحين، تم تحديد مشاريع عدة من شأنها دمج أفغانستان بشكل أفضل مع المبادرة، بما في ذلك خط سكة حديد الدول الخمس، الذي يربط الصين وإيران عبر قيرغيزستان وطاجيكستان وأفغانستان.

كما حاولت بكين أيضاً استكشاف إمكان ربط أفغانستان بممر اقتصادي مع باكستان، وهو مجموعة من مشاريع البنية التحتية بمليارات الدولارات، تعد واحدة من أبرز مشاريع مبادرة الحزام والطريق.

وفي ما يتعلق بالتداعيات الاقتصادية لسيطرة طالبان على أفغانستان، يرى تانجين أن عدم استقرار أفغانستان يُمثل تهديداً لمشاريع مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، بما في ذلك داخل باكستان والدول المجاورة، مذكراً بأهمية "ممر واخان" الذي يربط أفغانستان والصين بحدود مشتركة بطول 77 كيلومتراً.

وأضاف: "تتمثل استراتيجية بكين في توفير البنية التحتية اللازمة للوصول إلى الموارد والأسواق في اتجاهين، مع الأخذ بعين الاعتبار أن البنية التحتية ستفتح فرصاً للتجارة، ما سيتيح أعمالاً وأرباحاً، وبالتالي، دخلاً كافياً يمكن إنفاقه لمنح الناس خيارات اقتصادية هادفة ومدخرات، إذ تؤمن بكين أن الفرص الاقتصادية ستخلق مجتمعات ودول أكثر استقراراً واستدامة".

وكانت مجلة "فورين بويسي" وصفت "ممر واخان"، في تقرير نشرته أخيراً، بأنه يُمثل "مرتعاً للطموحات الإمبراطورية" بالنسبة إلى الصين. 

من الواضح، أن الصين لم تنتظر سقوط حكومة كابول حتى تبدأ الاستعداد للمشهد الجديد في أفغانستان. في ديسمبر الماضي، تم ضبط شبكة تجسس صينية، أشارت تقارير إلى أنها كانت تجمع معلومات استخباراتية، لبناء تصوّرات للسيناريوهات المقبلة للبلاد، ولتحديد الأولويات والمصالح، وفي الوقت ذاته بناء دائرة واسعة من الحلفاء .

كما ذكر تقرير المفتش الأميركي الذي يشرف على إعادة الإعمار في أفغانستان، إلى أن الصين زادت بشكل كبير من مصالحها الاقتصادية في أفغانستان، حيث من المتوقع أن يسمح لها الاستقرار بجني فوائد استثمارية كبيرة، بما في ذلك حقوق التعدين.

وفي عام 2015، تم تشكيل لجنة اقتصادية وتجارية ثنائية بين الصين وأفغانستان، وافتُتحت رحلات شحن مباشرة بين البلدين في أواخر 2018. وفي العام التالي افُتتح خط قطار لنقل البضائع بينهما مروراً بأوزبكستان وكازاخستان. ووفقاً لبيانات هيئة الجمارك الصينية، فإن حجم التبادل التجاري بين الصين وأفغانستان ارتفع من 338 مليون دولار عام 2013، إلى 629 مليون دولار عام 2019.

وعلى العكس مما قال تانجين، لا يعتقد أستاذ العلاقات الدولية في "جامعة الشارقة"، شاوجين تشاي، أنه سيكون لما يحدث في أفغانستان عواقب اقتصادية كبيرة على الصين، ذلك أن ليس لبكين حالياً استثمارات أو مشاريع بنية تحتية كبيرة هناك، إضافة إلى أن حجم التبادل التجاري الحالي بين البلدين صغير جداً. إلى جانب أن ممر واخان غير مطور أو مستغل بسبب التعقيدات الأمنية والجغرافية".

لكن البروفيسور الصيني اعترف بأهمية أفغانستان بالنسبة إلى مبادرة "الحزام والطريق"، وذلك بسبب مواردها الغنية وموقعها الاستراتيجي، وقد تصبح هذه الأهمية أكبر، وفق رأيه، إذا استقرت الحكومة الجديدة في كابول وبدأت في إعادة الإعمار.

وفي ما يتعلق بمصير ممر واخان، اعتبر تشاي أنه "يمكن دمجه في مبادرة الحزام والطريق مع السكك الحديد أو خط أنابيب الغاز الطبيعي من طاجيكستان في آسيا الوسطى إلى الصين، وهذا سيتحقق في حال تم التوصل إلى اتفاق بين الصين ونظام طالبان الجديد بشأن أمن الحدود".
وقال: "قد يواصل الطرفان المشروع الذي بدأته حكومة كابول السابقة، بتكلفة 5 ملايين دولار، لربط أفغانستان بالصين عبر التضاريس الوعرة لممر واخان".

العلاقة مع طالبان

في الماضي، دفعت الطبيعة المتشددة لطالبان، وارتباطها بـ"تنظيم القاعدة" وإيواؤها له، وعلاقتها مع مقاتلي الأويغور، الحكومة الصينية إلى النظر للحركة بشكل سلبي، لكن اليوم يبدو أن الأمور تسير بشكل مختلف.

خلال لقائه، الشهر الماضي، مع القيادي في طالبان عبد الغني برادر، اعتبر وزير الخارجية الصيني وانغ يي، أن الحركة تُمثل "قوة عسكرية وسياسية حاسمة في أفغانستان، ومن المتوقع أن تلعب دوراً مهماً في عملية السلام والمصالحة وإعادة إعمار البلاد". وكانت تلك المرة الأولى التي يعترف فيها مسؤول صيني علناً بحركة طالبان كـ"قوة شرعية".

وفي مقابلة أجريت في وقت سابق هذا الشهر مع قناة "سي إن إن"، وصف المتحدث باسم طالبان سهيل شاهين العلاقات مع الصين بأنها "جيدة"، متعهداً بـ"حماية مصالح الصين الاقتصادية في أفغانستان".

مع ذلك، رأى البروفيسور تشاي، أن الموقف الصيني يقوم على مبدأ: "انتظر وانظر". وقال: "قد يستغرق الأمر بعض الوقت حتى يتضح مستقبل العلاقة بين الطرفين، ربما يتحقق ذلك عن طريق باكستان أو من خلال ترتيب إقليمي آخر، يجعل الصين تنتقل في النهاية إلى أفغنة المشاريع الكبيرة".

في تقرير نشرته أخيراً، أفادت شبكة "يو إس نيوز"، استناداً إلى مصادر استخباراتية أميركية وأجنبية مُطلعة، بأن الصين "مستعدة للاعتراف بطالبان كحاكم شرعي لأفغانستان إذا نجحت في الإطاحة بحكومة أشرف غني المدعومة من الغرب".

وأضافت الشبكة أن "التقييمات العسكرية والاستخباراتية الصينية الجديدة للواقع في أفغانستان دفعت قادة الحزب الشيوعي إلى الاستعداد لإضفاء الطابع الرسمي على علاقتهم مع شبكة المتمردين".

حتى الآن لم تعترف الصين وأي دولة أخرى بالحكام الجدد في كابول، غير أن بكين قد تستفيد إذا ما أرادت التعامل مع طالبان، من حقيقة أنها، على عكس موسكو  (1978-1991) أو واشنطن (2001-2021)، لم تخُض حروباً مع الحركة.

لكن كيف ستتعامل الصين مع طالبان إذا أعلنت أفغانستان إمارة إسلامية؟ يقول شاي: "ستكون الصين بطيئة أو حتى مترددة في الاعتراف رسمياً بنظام طالبان الإسلامي الأصولي، خصوصاً إذا أقامته بالقوة واستبعدت الأحزاب السياسية والجماعات العرقية الأخرى".

وتابع: "بصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن، ستكون الصين حذرة في الاعتراف بنظام طالبان، لكن مع ذلك، لا يزال بإمكان الصين إقامة علاقات عملية مع الحركة، حتى دون وجود علاقات دبلوماسية رسمية".

مقبرة الإمبراطوريات

وسائل الإعلام الصينية الرسمية، نشرت أخيراً ما لا يقل عن قصتين تحليليتين سلطتا الضوء على أن أفغانستان  كانت بمثابة "مقبرة الإمبراطوريات"، وحذرت من الوقوع في "اللعبة الكبرى"، (التي تشير إلى صراع الإمبراطوريتين البريطانية والروسية في آسيا الوسطى بالقرن الـ19)، ما يعزز رسالة مفادها بأن بكين لا تحمل نوايا إرسال قوات إلى أفغانستان ولا الوهم بأنه يمكنها أن تملأ فراغ السلطة الذي خلفته الولايات المتحدة.

"من المبكر التكهن بمصير أفغانستان في ظل حكم طالبان، ويبقى الانزالاق إلى حرب أهلية احتمالاً قائماً، وهو سيناريو سيقُوض الترتيبات التي تسعى إليها الصين أو أي قوة أجنبية أخرى هناك" برأي تانجين. ورداً على سؤال عما إذا كانت بكين تثق بطالبان، قال: "الثقة لا تُعطى، بل تُكتسب".

وتابع: "الصين دولة براغماتية تهتم بالسلام والاستقرار والتجارة. وتتّبع نهجاً غير أيديولوجي".

وختم: "بناءً على تجربتها الخاصة، تعتقد الصين أن كل دولة ذات سيادة تحتاج إلى اكتشاف طريقها الخاص نحو الازدهار".