
قالت دراسة علمية حديثة نُشرت نتائجها في دورية "نيتشر"، إن خلايا الأورام السرطانية التي تمر عبر العقد الليمفاوية تلتقط "طبقة واقية" من الخلايا الليمفاوية، تسمح لها بالبقاء على قيد الحياة ومحاربة والهروب من الجهاز المناعي، والاستمرار في تكوين أورام بعيدة عن مكان الورم الأصلي.
غالباً ما تنشر الخلايا السرطانية، بما في ذلك خلايا الورم الميلانيني، في الجسم عبر المرور أولاً من خلال الجهاز الليمفاوي وقبل أن تنتقل بشكل منهجي عبر الدم وصولاً للأعضاء الأخرى.
وطيلة العقود الماضية، يحاول العلماء معرفة دور الخلايا الليمفاوية في تعزيز انتقال الأورام إلى باقي أنحاء الجسم.
مقاومة العلاج
في تلك الدراسة، يوضح الباحثون أن خلايا الورم الميلانيني التي مرت عبر العقد الليمفاوية، تكتسب قدرة هائلة على مقاومة الإجهاد التأكسدي، كما تكون أيضاً قادرة على تشكيل النقائل السرطانية بصورة أكثر فعالية، ما يجعل معدلات انتقالها إلى باقي أنحاء الجسم أكبر، ويزيد مقاومتها للأدوية المختلفة، بما فيها العلاجات الكيميائية.
وتقول الدراسة إن الخلايا الليمفاوية زودت خلايا السرطان بمثبطات لديها القدرة على مقاومة التأكسد. وساعدتها على الانتشار.
ولاحظ الباحثون أيضاً أن الخلايا السرطانية استخدمت كلاً من حمض الأوليك (حمض دهني غني بأوميجا 9) ومادة الجلوتاثيون (مادة مضادة للأكسدة)، الموجودة في الخلايا الليمفاوية، لحماية نفسها من هجمات الجهاز المناعي وزيادة قدرتها على تكوين الأورام النقيلية.
وتحدث معظم وفيات السرطان بعد انتشار السرطان إلى أجزاء أخرى من الجسم، من خلال عملية تُعرف باسم انتشار النقائل الخبيثة. يحدث هذا عندما تنتشر الخلايا السرطانية من الورم الرئيسي عبر الأوعية الدموية، أو تهاجر عبر الأوعية اللمفاوية قبل دخول الدم، ما يجعل الخلايا الليمفاوية بوابة عبور الأورام إلى باقي أنحاء الجسم.
هجرة الخلايا السرطانية
وركزت الأبحاث السابقة على كيفية انتشار الخلايا السرطانية في الدم، ولكن لم يُعرف سوى القليل جداً عن كيفية هجرة الخلايا السرطانية عبر الخلايا الليمفاوية.
ويقول المؤلف المشارك في الدراسة "شون موريسون"، إن البيانات تشير إلى أن المرور عبر الأوعية الليمفاوية، يُمكن أن يعزز من بقاء خلايا الورم الميلاني وانتشارها، من خلال حماية الأورام من الإجهاد التأكسدي (زيادة العوامل المؤكسدة في الخلية) الذي يعاني منه عادة أي ورم خبيث.
لاحظ الباحثون كيف تتصرف خلايا الورم الميلانيني البشري عند حقنها عن طريق الوريد أو في الجهاز اللمفاوي للفئران. ووجدوا أن الخلايا السرطانية المحقونة في العقد الليمفاوية لديها فرصة أفضل للبقاء على قيد الحياة وتشكيل الأورام، من تلك التي يتم حقنها مباشرة في الدم.
افترض الباحثون أن هذا الاختلاف يمكن تفسيره من خلال المستويات العالية من الإجهاد التأكسدي الذي تعاني منه الخلايا السرطانية عندما تهاجر عبر الدم. يعد التعرض للإجهاد التأكسدي في الدم أحد الأسباب التي تجعل انتقال الورم الخبيث عملية غير فعالة، إذ تموت فيها معظم الخلايا السرطانية قبل أن تتاح لها فرصة النمو في مكان بعيد.
أغشية لحماية خلايا السرطان
بعد مزيد من التحليل، اكتشف الباحثون أن الإجهاد التأكسدي في الدم يجعل الخلايا السرطانية تخضع لشكل معين من موت الخلايا.
بحث الباحثون أيضاً عن الاختلافات الأيضية بين الخلايا السرطانية في الدم مقابل الخلايا الليمفاوية. واكتشفوا أن الخلايا السرطانية التي مرت على الخلايا الليمفاوية تحتوي على مستويات أعلى من الأحماض الدهنية الأحادية غير المشبعة، المعروفة باسم حمض الأوليك، وهو المكون الرئيسي لزيت الزيتون.
ووجدوا أيضاً أن هذه الأحماض الدهنية الأحادية غير المشبعة قد تم دمجها في أغشية الخلايا السرطانية. هذه الأحماض الدهنية غير المشبعة المخففة توجد في أغشية هذه الخلايا، مما يثبط التفاعلات الكيميائية التي تؤدي إلى الإصابة بالأجسام المناعية وتحمي الخلايا.
وهكذا سمحت هذه الطبقة الواقية من حمض الأوليك للخلايا السرطانية بدخول الدم بأمان، والسفر إلى مواقع أخرى، وتشكيل الأورام النقيلية. وهذا ما يفسر سبب تكوين الخلايا السرطانية للأورام في كثير من الأحيان أولاً في العقد الليمفاوية، قبل أن تنتقل إلى مواقع بعيدة عبر الدم. فهي قادرة على تحميل مضادات الأكسدة في العقد الليمفاوية، التي تحمي الخلايا السرطانية عندما تدخل الدم لاحقاً.
ويمكن أن يؤدي ذلك البحث لاستخدام عقاقير تستهدف آليات الحماية بالخلايا الليمفاوية، لتثبيط المراحل المبكرة من ورم خبيث.