
لقي اقتراح بولندا استبعاد روسيا من مجموعة العشرين، رداً على الغزو العسكري لأوكرانيا، ترحيباً بين عدد من الدول الغربية، ولاسيما الولايات المتحدة، المشاركة أساساً في حزمة عقوبات مكثفة ضد موسكو.
غير أن هذا المقترح يُثير تساؤلات بشأن إمكانية المضي به في ظل تمايز مواقف الدول المنخرطة في المجموعة تجاه روسيا، فضلاً عن أن بولندا ليست عضواً فيها.
وكان وزير التنمية الاقتصادية والتكنولوجيا البولندي، بيوتر نواك، أوضح في بيان، الثلاثاء، أنه تمت مناقشة الاقتراح خلال اجتماعات عقدت بواشنطن الأسبوع الماضي، لافتاً إلى أنه قوبل "برد إيجابي"
وأضاف نواك في تصريحات أثناء وجوده بالعاصمة البولندية وارسو: "خلال الاجتماعات، ومن بينها اجتماع مع (وزيرة التجارة الأميركية) جينا رايموندو، قدمنا اقتراحاً باستبعاد روسيا من مجموعة العشرين، وقوبل برد إيجابي وبالموافقة، وسيتم تقديم الاقتراح إلى الرئيس الأميركي جو بايدن".
مناقشات غربية
في وقت سابق الثلاثاء، نقلت وكالة "رويترز" عن مصادر مطلعة، أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين يدرسون ما إذا كان ينبغي لروسيا أن تظل ضمن مجموعة العشرين التي تضم أكبر الاقتصادات العالمية.
وقال مصدر كبير بمجموعة السبع التي تضم كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة "جرت مناقشات حول ما إذا كان من المناسب لروسيا أن تكون جزءاً من مجموعة العشرين. إذا ظلت موسكو عضواً ، فستصبح منظمة أقل فائدة."
ورداً على سؤال عما إذا كان الرئيس الأميركي جو بايدن سيتحرك لإخراج روسيا من مجموعة العشرين عندما يجتمع مع حلفاء في بروكسل الخميس، قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، خلال مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض الثلاثاء: "نعتقد أنه لا يمكن أن يكون العمل كالمعتاد بالنسبة لروسيا في المؤسسات الدولية وفي المجتمع الدولي".
لكن المسؤول الأميركي لم يفصح بدقة عما إذا كانت الولايات المتحدة ستمضي بالفعل في تنفيذ هذا المقترح، أو حتى بشأن كيفية تفادي وجود معارضة من الدول المؤيدة لروسيا.
من جانبها، انتقدت روسيا مواقف الولايات المتحدة والدول الغربية الساعية لإبعادها عن مجموعة العشرين، وقال المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف، إن واشنطن تمارس ضغوطاً على دول المجموعة لتحقيق ذلك.
وبدورها، اعتبرت الصين أن من حق روسيا المشاركة في قمة المجموعة التي تستضيفها إندونيسيا نهاية العام الجاري.
مطلب صعب التحقيق
في حديث لـ"الشرق"، أشار الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية، الدكتور بشير عبد الفتاح، إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم المطالبة فيها بتجميد عضوية روسيا ضمن مجموعة العشرين، إذ حدث الأمر ذاته عقب التدخل العسكري الروسي الأول في شبه جزيرة القرم وإقليم دونباس عام 2014، عندما عقدت المجموعة قمتها في أستراليا، وطالبت وزيرة الخارجية الأسترالية آنذاك بتجميد عضوية موسكو في المجموعة.
وأضاف عبد الفتاح: "لم تلقَ المطالب الأسترالية تلك أي آذان صاغية، لأن الدول المؤيدة لروسيا في المجموعة رفضت هذه المبادرة، باعتبارها سابقة غير مرغوب فيها، وتؤسس لخلل في النظام الاقتصادي العالمي".
وأشار إلى أن "بولندا صاحبة الدعوة الأخيرة أصلاً ليست عضواً في مجموعة العشرين، ومعروف أنها تكن عداء شديد لروسيا، وتتبنى نهجاً متشدداً في مواجهتها منذ تفكك حلف وارسو وارتباط بولندا بالمحور الغربي أطلسياً وأوروبياً، وبالتالي هي دولة من خارج المنظمة، وهذا يضعف الدعوة رغم تلقفها من عواصم غربية والبدء بالترويج لها".
وفي وقت أبدت الصين عدم حماسها لهذا المقترح، لا يعتقد الباحث المصري أن معظم أعضاء المجموعة سيقبلون باستبعاد روسيا، ومن ثم، كما يقول "سيتكرر سيناريو 2014 وهو الرفض، ولاسيما أن دول المجموعة تعتقد أن القرار يجب أن يكون بالإجماع، وسيواجه بالتالي أكثر من فيتو لإجهاضه".
ويرى عبد الفتاح أنه حتى لو تأثر الاقتصاد الروسي بمفاعيل العقوبات الغربية المشددة، وهذا يحدث بالفعل، لكن لا يعني ذلك أن موسكو فقدت كفاءتها على المستوى الاقتصادي كعضو في مجموعة العشرين، لأنها "لا تزال تمتلك مقومات القوة الاقتصادية وباستطاعتها التعافي".
ولعلّ غياب دولة بحجم روسيا عن مجموعة العشرين، بحسب رأي عبد الفتاح، سيؤدي إلى فقدان لاعب دولي قوي ومؤثر للغاية.
وتابع: "المجموعة تناقش قضايا متنوعة، ليست اقتصادية فحسب، بل سياسية وأمنية وبيئية ومناخية وغيرها، واستبعاد روسيا بما لها من علاقات وتحالفات سيكون سابقة في العلاقات الدولية".
وأوضح عبد الفتاح أنه من الصعب استبعاد روسيا من مجموعة العشرين، إلا في حال تغير النظام الدولي بشكل كلي بعد غزو أوكرانيا، وحينها قد نشهد نظاماً عالمياً جديداً تتوارى على إثره مجموعة العشرين وغيرها من المنظمات الدولية.
من جانبه، وصف أستاذ العلاقات الدولية بجامعة "ساوث إيست" في بولندا، غلين ديسن، ما يجري بأنه "حرب بالوكالة بين روسيا وحلف الناتو".
وفي حديث لـ"الشرق"، قال ديسن: "يبدو الغرب باندفاعه نحو استبعاد روسيا من مجموعة العشرين، وكأنه يتجاهل أن بقية العالم، وخاصة بعض الدول المنضوية في المجموعة، كالصين والهند مثلاً، لا تؤيد في الأصل العقوبات الغربية على موسكو، وبذلك لن تمضي مع الولايات المتحدة في مساعيها".
ومنذ تأسيس مجموعة العشرين عام 1999 والتي تضم 19 دولة إلى جانب الاتحاد الأوروبي، صُمم نظامها لاستقبال أعضاء جدد وفق معايير صارمة، إذ يجب أن تتمتع الدول المنضوية تحت مظلة المجموعة باقتصادات ذات أهمية حاسمة للأسواق العالمية، كأن يكون لانهياره مثلاً تأثير كبير في الأسواق.
اقرأ أيضاً: