ذكرى "سقوط سايجون" تخيم على الانسحاب الأميركي من أفغانستان

time reading iconدقائق القراءة - 5
صورة توثق جزءاً من عملية "الرياح المتكررة" المخصصة لإجلاء الدبلوماسيين الأميركيين والفيتناميين الجنوبيين بعد سقوط سايجون بيد قوات شمال فيتنام، 30 أبريل 1975 - وزارة الخارجية الأميركية
صورة توثق جزءاً من عملية "الرياح المتكررة" المخصصة لإجلاء الدبلوماسيين الأميركيين والفيتناميين الجنوبيين بعد سقوط سايجون بيد قوات شمال فيتنام، 30 أبريل 1975 - وزارة الخارجية الأميركية
دبي -زينا محاسب

مع استمرار تقدم حركة "طالبان" في أفغانستان وسيطرتها على مناطق واسعة في البلاد مقتربةً من العاصمة، أعلنت الإدارة الأميركية برئاسة جو بايدن، الخميس، نشر 3 آلاف جندي في مطار كابول لإجلاء موظفي السفارة الأميركية هناك، ما أعاد إلى الأذهان صورة تخلّد تاريخ 30 أبريل 1975، يوم "سقوط سايجون" وانتهاء حرب فيتنام.

منذ إعلان بايدن، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة، صورة بالأسود والأبيض، تُظهر أشخاصاً مدنيين يتم إجلاؤهم على متن مروحية فوق سطح مبنى، لتخلّد "هزيمة أميركا في فيتنام"، أو الانسحاب "المهين" من سايجون، كما وصفها زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأميركي ميتش ماكونيل. فما قصة هذه الصورة الرمزية؟

حرب فيتنام

دارت حرب فيتنام بين عامي 1955 و1975، بين الحكومة الشيوعية في شمال فيتنام، وجنوب فيتنام (عاصمته سايجون) المدعوم من الولايات المتحدة.

واشنطن دخلت الحرب في عام 1965، بعدما وافق الرئيس ليندون جونسون على مذكرة لوكالة الأمن القومي في نوفمبر 1963، سمحت للولايات المتحدة بـ"مساعدة شعب وحكومة جنوب فيتنام للفوز بالصراع ضد المؤامرة الشيوعية المدعومة من الخارج"، بحسب ما يوثقه "مركز ميلر" التابع لجامعة فيرجينيا والمتخصص في التاريخ السياسي. وفي غضون 3 سنوات، كان لدى الولايات المتحدة مئات الآلاف من القوات المنتشرة في فيتنام.

سقوط سايجون

في 27 يناير 1973، توصلت الولايات المتحدة (برئاسة ريتشارد نيكسون) وفيتنام الشمالية إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، عُرف باسم "اتفاقيات باريس للسلام"، وبموجبه بدأت الولايات المتحدة سحب قواتها.

لكن بحلول عام 1974، انتهكت فيتنام الشمالية الاتفاقية، وجددت هجومها على الجنوب. وعلى الرغم من أن معظم الجيش الأميركي كان قد غادر بحلول ذلك الوقت، فإن قرابة 5 آلاف أميركي ظلوا في البلاد، بمن في ذلك الدبلوماسيون الذين كانوا لا يزالون يعملون في السفارة الأميركية في سايجون، وفقاً للموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية الأميركية.

وبين مارس وأبريل 1975، استولى الجيش الفيتنامي الشمالي على المزيد من مدن الجنوب، ما أجبر على فرار الفيتناميين الجنوبيين بأعداد كبيرة. وفي سايجون، اصطف الفيتناميون الجنوبيون خارج مبنى السفارة الأميركية لطلب تأشيرات من أجل إجلائهم إلى الولايات المتحدة (ما يذكّر بالمترجمين الأفغان الذين تعاونوا مع القوات الأميركية، وينتظرون إجلاءهم إلى الولايات المتحدة خوفاً من انتقام حركة طالبان). 

في 29 أبريل 1975، قصفت القوات الفيتنامية الشمالية قاعدة "تان سون نهات" الجوية في سايجون، فأمر السفير الأميركي غراهام مارتن بإخلاء سايجون. وكإشارة إلى الأميركيين بأن عملية الإجلاء انطلقت، بدأت إذاعة القوات المسلحة بث أغنية "وايت كريسمس" بشكل متكرر. وفي 30 أبريل 1975، سقطت سايجون في يد الجيش الفيتنامي الشمالي، ما أدى فعلياً إلى إنهاء حرب فيتنام.

عملية "الرياح المتكررة"

مع سقوط سايجون، أُغلقت الممرات البحرية ولم تتمكن الطائرات من الهبوط في المدينة، ولم يتبقَّ سوى خيار واحد للإجلاء: جسر جوي بطائرة هليكوبتر. وكانت السفارة الأميركية نقطة الانطلاق الوحيدة.

دعت الخطط الأصلية إلى إجلاء الأميركيين فقط، لكن السفير مارتن أصرّ على إجلاء المسؤولين الحكوميين الفيتناميين الجنوبيين، والموظفين المحليين بالسفارة؛ فانتظر 10 آلاف فيتنامي جنوبي عند بوابات السفارة أملاً بركوب الهليكوبتر.

وبين يومَي 29 و30 أبريل 1975، هبطت طائرات الهليكوبتر الأميركية في فترات مدتها 10 دقائق، على سطح مبنى السفارة في سايغون، لإجلاء الموظفين الدبلوماسيين الأميركيين والفيتناميين المعرضين للخطر تحت حكم النظام الجديد.

ومع تحليق بعض الطيارين لمدة 19 ساعة متواصلة، تم إجلاء أكثر من 7 آلاف شخص، بمن في ذلك 5500 فيتنامي، خلال أقل من 24 ساعة، في عملية أُطلق عليها اسم "الرياح المتكررة".

صورة رمزية يرفضها بايدن

تخلّد الصورة التي التقطها المصور الصحافي الهولندي هيو فان إس، والتي أصبحت إحدى الصور الأكثر شهرة لحرب فيتنام، مجموعة من الأشخاص يتسلقون- يائسين- سلّماً إلى طائرة هليكوبتر تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية على سطح مبنى السفارة.

وتصف وزارة الخارجية الأميركية هذا الجسر الجوي بأنه "كان أكثر الجسور الجوية طموحاً في التاريخ"، فيما يرى معلقون أميركيون أنه يصور "انسحاباً يائساً" للولايات المتحدة من فيتنام، مثلما ينتقدون انسحابها من أفغانستان. 

في المقابل، ترفض الإدارة الأميركية الحالية هذه المقارنة، إذ قال الرئيس جو بايدن إن إمكان المقارنة معدوم، فيما قال رئيس الأركان الأميركي الجنرال مارك ميلي: "لا يمكننا التنبؤ بالمستقبل، لكنني لا أرى سايجون 1975 في أفغانستان.. مقاتلو طالبان ليسوا جيش فيتنام الشمالية".