
بعد مرور أكثر من سنة على ظهور فيروس كورونا، تواصل أسعار وتكلفة الشحن البحري ارتفاعاتها المتتالية التي بدأت مع تفشي الجائحة، وهو ما يعرقل الصادرات الفلاحية الأميركية ويعيق وتيرة الصناعة الداخلية ويهدد المستهلكين الأميركيين بارتفاع مرتقب في أسعار البضائع، وفقاً لصحيفة "واشنطن بوست".
ولفتت الصحيفة إلى أن أسعار شحن حاويات البضائع ارتفع بنسبة 80% منذ نوفمبر الماضي، وتضاعف ثلاث مرات خلال العام المنصرم، وفقاً لمؤشر "فرايتوس بلاتيك".
ونقلت الصحيفة عن فيل ليفي، وهو خبير اقتصادي في وكالة الشحن الأميركية "Flexport"، أن "الأمر جنوني فالأسعار وصلت إلى مستوى قياسي"، مضيفاً أن هذا ينذر بأن هناك "الكثير من عدم اليقين".
وبالإضافة إلى أسعار الشحن المرتفعة، تواجه الصادرات الأميركية عراقيل أخرى من ضمنها نقص العمال في المرافئ. وقالت الصحيفة إنه في أحد أيام الأسبوع الماضي رست 42 سفينة في ميناء لوس أنجلوس وانتظرت وقتاً طويلاً لتحميل الحاويات، على الرغم من أن كل المستودعات كانت مليئة بالبضائع، وذلك بسبب نقص العمال.
ولفتت الصحيفة إلى أن هذا النقص راجع إلى تداعيات فيروس كورونا التي فرضت على الموانئ تقليص عدد العمال، مضيفة أن هذة المشكلة تواجه كل موانئ العالم.
ووفقاً لمعطيات "أوشن إنسايتس"، فإن أكثر من ثلث الحاويات في أكبر 20 ميناء في العالم تأخر شحنها في الشهر الماضي.
ارتفاع في الثمن
وأدت المشاكل التي تواجهها عمليات الشحن إلى ارتفاع غير مسبوق في اللوازم الصناعية المستوردة، إذ ارتفعت بنسبة 4.2% في ديسمبر الماضي، بعد أن كانت قد ارتفعت فعلاً 27% في أبريل، في وقت تشتكي شركات التصنيع من نقص في بعض المواد أبرزها الفولاذ.
وقالت "واشنطن بوست" إن هذه المشاكل أثرت بشكل كبير على شركات صناعية كبيرة، مثل شركة "GAP" الأميركية لصناعة الألبسة، لافتة إلى أن أحد المديرين التنفيذيين في الشركة أخبر المستثمرين أن تعطل حركة الشحن أثر بشكل كبير على هامش الربح.
ولفتت الصحيفة إلى أن الأمر أثر أيضاً على المستهلكين الأميركيين الذين أصبحوا يواجهون ارتفاعاً غير مسبوق في أثمان البضائع المستوردة. ولفتت الصحيفة إلى أن البضائع المستوردة من الصين ارتفعت 0.3% في ديسمبر الماضي، فيما ارتفعت أسعار البضائع المستوردة عموماً منذ أغسطس الماضي 0.9%.
تضخم في آسيا
وذكرت "واشنطن بوست" أن الشركات الصناعية في آسيا حين استأنفت عملها أواخر أغسطس صدّرت كميات هائلة من البضائع إلى الولايات المتحدة ودول أخرى، تزامناً مع ارتفاع الطلب عبر الإنترنت في الولايات المتحدة وتوقف المصانع الأميركية بسبب الإغلاق.
لكن هذه هذه السلع أغرقت الموانئ الأميركية والمستودعات، من دون أن يتم توزيعها، بسبب إجراءات الإغلاق التي تسببت في تعطيل عمل الموزعين وتجار التجزئة.
وحين انتهى الإغلاق في الولايات المتحدة، توقفت صادرات آسيا إلى الولايات المتحدة، نظراً لأن المصانع الآسيوية اشتكت من كونها لا تستطيع التفكير في صادرات جديدة حتى تختفي مشكلات الاختناقات في سلاسل التوريد وتوزيع السلع التي لم يتم دفع ثمنها والموجودة في المستودعات بالولايات المتحدة.
وأمام تراجع عدد سفن الشحن القادمة من آسيا، تأثرت الصادرات الأميركية أيضاً لأنه في السابق كانت الشركات الأميركية تصدّر بضائعها في السفن نفسها القادمة من آسيا في رحلة العودة. وأصبحت الشركات الأميركية مجبرة على تخفيض إنتاجها، أو دفع ثمن مضاعف لسفن النقل لتغطي رحلة الذهاب والإياب.
استمرار الاختناق
وفي حين يرى معظم محللي الشحن أن الاختناقات ستستمر خلال الربع الأول، فقد تكون هناك تكاليف اقتصادية طويلة الأجل، سواء بالنسبة للمستهلكين أو هوامش الشركات، إذ يتم دمج تكاليف النقل المرتفعة في العقود السنوية مع ناقلات الحاويات، وفقاً لوكالة "بلومبرغ".
ونقلت الوكالة عن مارك تريتون، الرئيس التنفيذي لشركة "بد باث آند بيوند" (Bed Bath & Beyond Inc)، قوله: "نحن نعلم أن ضغط الشحن في سوق التجزئة سيبقى على المدى الطويل، وقد قمنا بتضمين ذلك في خططنا المستقبلية".
ولا يزال الغموض سيد الموقف مع اقتراب شهر فبراير، إذ يمثل العام الصيني الجديد تحوّلاً موسمياً في الصادرات الآسيوية، وقد أعاد العديد من المستوردين التفاوض بشأن أسعار الشحن مع شركات النقل للأشهر الـ12 المقبلة. وبدأت شركات النقل البحري في تلقي عشرات الآلاف من الحاويات الجديدة التي طلبتها العام الماضي.
وفي معرض الحديث عن الموضوع، قال كريس روجرز، كبير المحللين التجاريين في شركة "بانجيفا" (Panjiva) التابعة لشركة "إس آند بي غلوبال ماركت إنتليجنس" (S&P Global Market Intelligence)، إن أسعار الحاويات المرتفعة "قد تستمر على هذا المنوال حتى بقية العام"، وذلك حتى إذا حُلَّت الاضطرابات الحالية، كما أن "الشركات التي تكبَّدت تكاليف شحن أعلى بكثير سيكون عليها أن تُحمِّل هذه التكاليف إما على أرباحها أو عملائها".
وعادة ما تنخفض أسعار الحاويات من 15% إلى 20% بعد العطلة الصينية، وفقاً لكريس روجرز الذي لفت إلى أنه "قد لا يحدث ذلك تماماً هذا العام لأنه يجب تصفية الأعمال المتراكمة".
تفاؤل مسبب
ولا تزال هناك أسباب وجيهة تدعو للتفاؤل، فقد فازت الصين بحصة قياسية من التجارة العالمية العام الماضي، وواصلت صادرات تايوان انتعاشها في الشهر الأخير من عام 2020، وفقاً لـ"بلومبرغ".
وفي الوقت نفسه، ارتفعت صادرات كوريا الجنوبية بأسرع وتيرة في أكثر من عامين في ديسمبر. ونشرت شركة "إتش إم إم" (HMM)، التي تدير أكبر خطوط الشحن في البلاد، سفناً إضافية على طول الطرق المتجهة إلى الولايات المتحدة، وستضيف سفينة أخرى إلى أوروبا في وقت لاحق من هذا الشهر.
والجدير بالذكر أن السعة الإضافية مطلوبة لمساعدة الشركات الصغيرة في الطرف المتلقي، فقد أرسلت رابطة وكلاء الشحن الأوروبية ومجلس الشاحنين الأوروبيين خطاباً إلى المنظِّمين في بروكسل هذا الشهر للتحذير من فشل الأعمال في حال لم تستعد سوق الشحن توازنها.
وفي آسيا، أصبح الوضع غير مسبوق بالنسبة لكينواي لام الذي يدير شركة تصنيع آلات التعبئة والتغليف، ومقرّها هونغ كونغ؛ فقد كان مستعداً الشهر الماضي للشحن إلى عميل في أوروغواي، كان قد وافق على الصفقة قبل أشهر، وفي اللحظة الأخيرة تم إعلامه بعدم توفر أي حاويات.
وقال لام، المدير العام لشركة "كيزوي لماكينات التغليف" (Kizui Packaging Machinery Co)، التي تنجز أعمال التصنيع في قوانغدونغ وتايوان: "الأمر يشبه سعيك للحصول على تذكرة حفلة موسيقية، فلا يمكنك حجزها ولا يمكن أن تشتريها عبر الإنترنت، وبمجرد توفرها سيكون لها سعر مفاجئ، فإما أن تقبل به أو لن تكون الحاوية من نصيبك".