Open toolbar

منظر عام لميدان طلعت حرب بوسط العاصمة المصرية خلال حظر التجوال لاحتواء انتشار فيروس كورونا، القاهرة، 25 مارس 2020. - REUTERS

شارك القصة
Resize text
القاهرة-

بعد مرور 7 سنوات على قرار إلغاء "إرث" يعود للقرن الماضي، أعلنت الحكومة المصرية مؤخراً، استئناف العمل بنظام "التوقيت الصيفي"، في إجراء وصفته بأنه "أحد تدابير ترشيد استهلاك الطاقة".

وجاء في نص مشروع القانون: "اعتباراً من الجمعة الأخيرة من شهر أبريل، وحتى نهاية الخميس الأخير من أكتوبر من كل عام، تكون الساعة القانونية في مصر، هي الساعة بحسب التوقيت المُتبع، مُقدمة بمقدار 60 دقيقة".

وأوضحت الحكومة في بيانها، أن "القرار يأتي في ضوء ما يشهده العالم من ظروف ومتغيرات اقتصادية، وسعياً من الحكومة لترشيد استغلال الطاقة".

القرار الأخير، الذي أثار جدلاً واسعاً، لا سيما على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، أعاد للذاكرة حالة من التخبط خلال العقد السابق، تحديداً منذ عام 2011، حينما جرى إلغاء "التوقيت الصيفي" للمرة الأولى بعد سنوات من التثبيت بدأ من ثمانينات القرن الماضي، فما الذي تغيّر، وكيف يرى المراقبون الإجراء الجديد؟

"قائمة تعديلات"

في أعقاب ثورة يناير، ألغي التوقيت الصيفي، على يد الحكومة الانتقالية، كقرار كانت تنتويه الحكومة من قبل الثورة. غير أن التوقيت الصيفي عاد ثانية عام 2014، تحت بند "توفير الطاقة"باستثناء شهر رمضان.

وفي أبريل من العام التالي (2015)، أجري استفتاء بشأن ما إذا كان يجب الإبقاء على التوقيت الصيفي أم إلغائه من جديد، وبعد النتائج، قررت الحكومة في 20 أبريل إلغاء التوقيت الصيفي مؤقتاً، وفي 2016، كان من المتوقع عودته بدءاً من 8 يوليو عقب شهر رمضان، ولكن في 5 يوليو، تقرر إلغاءه مرة أخرى، ليعود  العمل به من جديد بعد 7 سنوات من الغياب.

ميراث بريطاني

ظلّت مصر تعمل بنظام "التوقيت الصيفي" خلال القرن الماضي، منذ الحقبة الملكية، إبان فرض الحكومة البريطانية سيطرتها الاستعمارية على البلاد، وإحكام القبضة الإدارية بالتزامن مع الحرب العالمية الثانية.

وبدأ العمل بالتوقيت الصيفي عام 1945، في عهد حكومة محمود فهمي النقراشي، حيث صدر بخصوص هذا الشأن القانون 113 لسنة 1945، انعكاساً للأزمة الاقتصادية التي ضربت مصر والعالم خلال الحرب العالمية الثانية، وارتفاع أسعار المحروقات.

ومنذ 1945، وحتى 1975، ظل مفهوم "التوقيت الصيفي" حاضراً، إلّا أن بعض التعديلات في القوانين حددت مواعيد فرضه بدقة أكثر، حتى ألغاه الرئيس محمد أنور السادات، حسب ما ذكرت صحيفة "الشروق" المصرية.

وفي عهد الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، كان "التوقيت الصيفي" حاضراً أغلب مدة حكمه، حيث أقر العمل به للمرة الأولى عام 1982 لمدة 3 أعوام، ثم جرى تعليقه، وما لبث أن عاد عام 1988 ليستمر حتى عام 2011، وفي كل مرة، كان "ترشيد الطاقة" هو المبرر الذي يجري تصديره لتعليل القرار.

وكانت حكومة عصام شرف، أعلنت إلغاء "التوقيت الصيفي" لأول مرة عام 2011، بناءً على استطلاع رأي أجرته على عينة قوامها 7 آلاف شخص، رفضت 90% منها استمرار العمل به، فيما أكد وزير الكهرباء آنذاك، حسن يونس، أنه تم إجراء دراسة أثبتت أن تأثير "التوقيت الصيفي" على توفير الطاقة "محدود".

وتزامنت العودة قبل الأخيرة لـ"التوقيت الصيفي" في مصر، مع فترة حكم الرئيس (المؤقت) الأسبق عدلي منصور، على خلفية أزمة الطاقة التي كانت واضحة حينها، قبل أن يلغى "التوقيت الصيفي" حتى عودته في عام 2023.

"فكرة عتيقة"

عالمياً، ووفقاً لمنصة "timeanddate.com"، ومقرها النرويج، يعد العالم النيوزيلندي جورج هدسون، أول من اقترح الفكرة في عام 1895، حين قدم ورقة إلى جمعية "ويلينجتون" الفلسفية، واقترح تحولاً لمدة ساعتين إلى الأمام في أكتوبر، وتأخيرها لمدة ساعتين في مارس، ورغم الاهتمام بالفكرة، إلا أنها لم تُتبع.

وفي عام 1905، اقترح عامل البناء البريطاني ويليام ويليت، ضبط الساعات قبل 20 دقيقة، في كل يوم من أيام الأحد الأربعة في أبريل، وتغييرها بنفس المقدار في كل يوم من أيام الأحد الأربعة في سبتمبر، سنوياً، غير أن مقترحه لم يُطبق قبل عام 1916، بعد مناقشات طويلة الأمد بالبرلمان البريطاني.

ونسبت مصادر عدة، فكرة التغيير الموسمي للوقت، للسياسي الأميركي بنجامين فرانكلين، والذي عبر عن فكرته في عام 1784، كما يشير البعض إلى جذور الفكرة في الساعات المائية الرومانية التي استخدمت مقاييس مختلفة، لأشهر مختلفة من السنة، لضبط الجداول اليومية للتوقيت الشمسي.

آثار سلبية

في المقابل، أشار المتحدث باسم مجلس الوزراء، نادر سعد، إلى أن خطوة عودة العمل بالتوقيت الصيفي لأغراض ترشيد الطاقة، تحذو فيها مصر حذو 40% من دول العالم. وتحدد منصة "Timeanddate" عدد الدول حول العالم التي تفعل التوقيت الصيفي في 2023 بـ 72 دولة.

وتعد مصر وجمهورية فيجي بالمحيط الهادي أحدث المنضمين خلال عام 2023، فيما خرج من قائمة التوقيت الصيفي (إيران، والأردن، وسوريا).

وعلى صعيد الآثار السلبية، فإن الأكاديمية الأميركية لطب النوم، أوصت في بيان صادر عام 2020، بالتخلي عن "التوقيت الصيفي"، معللّة الأمر بأن ثبات التوقيت يتوافق بشكل وثيق مع الإيقاعات اليومية للساعة البيولوجية للجسم.

كما ربطت دراسة نشرتها مجلة "نيو إنجلاند" الطبية في 2008، بين "التوقيت الصيفي"، وتكرر الأزمات القلبية الحادة، لا سيما في الأسابيع الأولى من تفعيله، كما صدّرت المجلة ذاتها، ورقة بحثية في عام 1996، ربطت فيها أيضاً بين ارتفاع أعداد الحوادث المرورية، والإجهاد المتخلف عن تغيير الساعات. 

مكاسب وخسائر

الخبير الاقتصادي، محمد أنيس اعتبر أن القرار الأخير لمجلس الوزراء يمكن قراءته في ضوء أزمة الطاقة العالمية، موضحاً لـ"الشرق"، أنه بالعودة للعقد الماضي، وإلغاء العمل بـ"التوقيت الصيفي"، يمكن استخلاص دروس عدة في هذا الصدد.

وأشار أنيس، إلى أن الحالة الاستهلاكية الشائعة مجتمعياً، كانت السبب وراء ضعف فاعلية "التوقيت الصيفي" في مرات تفعيله خلال الفترات الماضية، لافتاً إلى أن المواطنين كانوا يميلون إلى ثقافة العمل على مدار 24 ساعة، 7 أيام بالأسبوع، والتفاعل حتى مع متاجر التجزئة المنحازة لتلك الحالة.

من جهة أخرى، أوضح أنيس، أن قرار الحكومة الأخير يُلمّح بوقوعها تحت ضغوطات محاولة توفير استهلاك الغاز الطبيعي في توليد الطاقة الكهربية، معتبراً أن تصدير الغاز في تلك المرحلة قد يكون أولى لتوفير عملة أجنبية، بدلاً من إهدارها في استهلاك غير مجد خارج وقت الذروة.

فيما يرى أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات، شريف قاسم، أن الإلغاء في عام 2014، جاء بناءً على حالة حوار مجتمعية، ودراسة من مجلس المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، متسائلاً عما يكون قد تغير منذ ذلك الحين.

وأضاف قاسم، أن الدراسة المذكورة، أشارت إلى أن وفر الطاقة الناتج عن تطبيق "التوقيت الصيفي"، لم تتعد 1- 2%، الأمر الذي ربما لا يوازن فاتورة التغيير الموسمي في الوقت.

وأوضح: "هناك بند مهم جداً، وهو كلفة توليف جداول الطيران المصرية مع شركات الطيران الدولية مرتين في السنة، كما أن هناك بنوداً أخرى يمكن عبرها تحقيق نسبة الوفر ذاتها".

واعتبر قاسم أن تعديل مواعيد العمل، من البدائل التي قد تكون ناجحة في هذا السياق، للاستفادة من ضوء النهار، مع ضرورة عدم إغفال أوضاع الطقس التي تنعكس سلباً في الصيف على مواعيد نوم المواطنين.

من ناحية أخرى، لفت قاسم إلى أن تغيير الساعة يتسبب في ارتباك شديد للساعة البيولوجية للموظفين وطلاب المدارس، مؤكداً أن دولاً أوروبية ربما تكون أكثر حاجة للعمل بـ"التوقيت الصيفي"، نظراً للاختلاف الكبير في طول النهار بين الصيف والشتاء، بينما مصر لا تحكهما أطوال النهار ذاتها، إذا يتمثل الاختلاف في 3 ساعات لا أكثر.

واختتم: "ندعم أي تدابير للتوفير، ولكن بعض التدابير من الممكن أن تنعكس سلباً على الكفاءة والإنتاجية".

اقرأ أيضاً:

Google News تابعوا أخبار الشرق عبر Google News

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.