
قال المتحدث باسم الحكومة الفرنسية، جابرييل أتال، الأحد، إن الرئيس الأميركي جو بايدن طلب التحدث إلى نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد إلغاء أستراليا صفقة غواصات مع باريس لمصلحة واشنطن.
ولفت أتال إلى أن "مكالمة هاتفية ستتم بينهما في الأيام المقبلة"، في حين أشارت تقارير إلى أن الشراكة الأمنية التي تحمل اسم "أوكوس" نوقشت تفاصيلها في قمة مجموعة السبع، يونيو الماضي، دون علم ماكرون.
وفي تصريح لقناة "بي إم إف تي في"، أكد أتال أن ماكرون سيطلب توضيحاً من بايدن، مضيفاً: "نريد تفسيرات بشأن ما يبدو تقويضاً كبيراً للثقة"، وذلك بعدما استدعت فرنسا الجمعة سفيريها لدى الولايات المتحدة وأستراليا رداً على قرار كانبيرا.
وفي 16 سبتمبر الجاري، أعلنت أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة عن الشراكة الأمنية "أوكوس"، والتي بموجبها تخطط كانبيرا لبناء 8 غواصات تعمل بالطاقة النووية وتجهيز قواتها بصواريخ كروز أميركية الصنع، الأمر الذي جعلها تبطل عقدها الدفاعي مع فرنسا والذي يعد الأكبر في تاريخها.
واستجابة لهذا التطور، سحبت فرنسا على الفور سفيريها من الولايات المتحدة وأستراليا، ولكن ليس من المملكة المتحدة. وبحسب وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، اتخذت باريس هذا القرار "وهي تعلم بسياسة لندن المتمثلة في الانتهازية المستمرة".
اتفاق "سري للغاية"
وأوضحت صحيفة "صنداي تلغراف" البريطانية في تقرير لها، الأحد، أن وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب ساعد في إعداد اتفاق "أوكوس" الذي يجمع الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، على الرغم من التحذيرات من أن مثل هذا الاتفاق "سيضر بالعلاقات مع بكين وباريس".
وحضر القمة التي عُقدت في مقاطعة كورنوال، خلال الفترة من 11 إلى 13 يونيو الماضي، قادة كل من المملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا وكندا والولايات المتحدة وفرنسا واليابان، بالإضافة إلى قادة أستراليا والهند وكوريا الجنوبية وجنوب إفريقيا المدعوين كضيوف، إذ تم تصنيف جميع الوثائق المتعلقة بالاتفاق بعد القمة على أنها "سرية للغاية".
وفي تصريحات لمحطة "فرانس2" التلفزيونية، قال لودريان: "لقد حصل كذب، حصلت ازدواجية، حصل تقويض كبير للثقة، حصل ازدراء، لذا فإن الأمور بيننا ليست على ما يرام".
وأضاف: "استدعاء السفيرين لأول مرة في تاريخ العلاقة بين البلدان الثلاثة رمزي جداً، وهو للتأكيد أننا نشعر باستياء كبير وأن هناك فعلاً أزمة خطيرة بيننا".
وكانت قيمة العقد الفرنسي لتزويد أستراليا بغواصات تقليدية تبلغ 50 مليار دولار أسترالي (أي ما يعادل 36.5 مليار دولار)، عندما تم التوقيع عليه عام 2016.
رفض الاتهامات
من جانبه، رفض رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، الأحد، الاتهامات الفرنسية لبلاده بـ"الكذب" بشأن خططها لإلغاء عقد لشراء غواصات فرنسية، مشيراً إلى أنه طرح مخاوف كانبيرا حيال الصفقة "قبل أشهر".
وأوضح موريسون أنه يفترض أن باريس كانت على علم بـ"المخاوف الجدية والعميقة" التي راودت كانبيرا حيال الغواصات الفرنسية قبل إلغاء الاتفاقية الأسبوع الماضي.
وأضاف: "أعتقد أنه كان لديهم جميع الأسباب ليعرفوا أن مخاوف جدية وعميقة راودتنا بأن إمكانات غواصات من فئة (أتاك) لن تتوافق مع مصالحنا الاستراتيجية، وأوضحنا بشكل تام أننا سنتخذ قراراً مبنياً على مصلحتنا الوطنية".
وفيما أشار موريسون إلى أنه يتفهم خيبة أمل فرنسا، إلا أنه قال "لست نادماً على قرار تفضيل مصلحة أستراليا الوطنية ولن أندم إطلاقاً عليه".
أستراليا "صادقة"ولندن "حازمة"
بدوره، أكد وزير الدفاع الأسترالي بيتر دوتون، في تصريح لـ"سكاي نيوز أستراليا"، أن حكومته كانت "صريحة وواضحة وصادقة مع فرنسا بشأن ترددها حيال الصفقة".
أما وزير المال الأسترالي سايمن برمنغهام، فشدّد على أن بلاده أبلغت الحكومة الفرنسية بالأمر "في أقرب فرصة ممكنة، قبل أن تصبح المسألة علنية".
وأضاف: "لا أقلل من تقدير مدى أهمية ضماننا إعادة بناء هذه العلاقات القوية مع الحكومة الفرنسية والنظراء مستقبلاً لأن تواصل انخراطهم في هذه المنطقة مهم".
من جهتها، دافعت وزيرة الخارجية البريطانية الجديدة ليز تراس، الأحد، عن موقف لندن، مؤكدة عزم بلادها على "التزام الحزم دفاعاً عن مصالحنا".
مواجهة الصين
وأعلن بايدن عن التحالف الدفاعي الجديد الذي يأتي ضمن اتفاق شراكة ينظر إليه على أنه يهدف إلى "مواجهة صعود الصين".
ويقدّم الاتفاق تكنولوجيا الغواصات النووية الأميركية إلى أستراليا، إضافة إلى إمكانات لصد الهجمات الإلكترونية وتطبيق الذكاء الاصطناعي وغيرها.
وكانت فرنسا اتهمت أستراليا بـ"طعنها في الظهر"، واتهمت واشنطن بمواصلة السلوك الذي انتهجته خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترمب الذي كانت سياساته "تثير سخط حلفاء بلاده الأوروبيين".
وأثار الخلاف الأخير انقسامات عميقة في أقدم تحالف للولايات المتحدة، وقضى على أي آمال حيال إمكانية إعادة إحياء العلاقات بين باريس وواشنطن في عهد بايدن، وفق ما أوردته وكالة "فرانس برس".
وفي السياق ذاته، قللت أستراليا من أهمية غضب الصين حيال قرارها شراء الغواصات ذات الدفع النووي متعهّدة "الدفاع عن سيادة القانون جواً وبحراً"، حيث تسعى بكين للهيمنة على مناطق متنازع عليها.
في حين وصفت بكين التحالف الجديد بـ "التهديد غير المسؤول إطلاقاً للاستقرار الإقليمي"، مشككة في التزام أستراليا منع الانتشار النووي، ومحذرة الحلفاء الغربيين من أنهم يعرّضون أنفسهم للخطر.