نزاع تيجراي.. وثائق تكشف: طائرات مدنية إثيوبية نقلت أسلحة لإريتريا

time reading iconدقائق القراءة - 9
عرض عسكري للاحتفال بتنصيب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أديس أبابا - REUTERS
عرض عسكري للاحتفال بتنصيب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أديس أبابا - REUTERS
دبي -الشرق

كشف تحقيق أجرته شبكة "سي إن إن"، الأميركية، أن إثيوبيا استخدمت الناقل الوطني الجوي، لنقل الأسلحة من وإلى جارتها إريتريا خلال الحرب الدائرة في إقليم تيجراي.

واعتمدت "سي إن إن" على شهادات شهود عيان ومستندات شحن وأدلة فوتوغرافية لتأكيد أن الأسلحة نقلت بين مطار أديس أبابا ومطارات في مدن إريترية على متن طائرات الخطوط الجوية الإثيوبية في نوفمبر 2020 خلال الأسابيع الأولى للحرب في تيجراي.

وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها توثيق نقل الأسلحة بين البلدين اللذين كانا غريمين. وقال خبراء إن تلك الرحلات تمثل خرقاً لقانون الطيران الدولي والذي يمنع تهريب الأسلحة لاستخدامات عسكرية على متن طائرات مدنية.

وقالت "سي إن إن" إن الفظائع التي ارتكبت في النزاع تخرق أيضاً شروط برنامج التجارة الأميركي، الذي منح الخطوط الإثيوبية وصولاً مربحاً للسوق الأميركي، والذي استفادت منه بشكل كبير.

وتعد الخطوط الجوية الإثيوبية المملوكة للدولة قوة اقتصادية كبيرة في إثيوبيا، إذ تدر دخلاً بمليارات الدولارات كل عام وتنقل المسافرين عبر المراكز الرئيسية بالقارة الإفريقية وباقي دول العالم، وهي أيضاً عضو بتحالف "ستار" الذي يضم مجموعة من أفضل الخطوط الجوية في العالم.

وردت الخطوط الجوية الإثيوبية على التحقيق الذي أجرته "سي إن إن"، بأنها تلتزم بكل القواعد الوطنية والإقليمية والدولية المتعلقة بالطيران، وأنه "على حد علمها وبحسب السجلات الخاصة بها فإنها لم تنقل أي أسلحة على أي من خطوطها على أي من طائراتها".

واندلع النزاع في إقليم تيجراي في 4 نوفمبر العام الماضي، حين اتهمت أديس أبابا جبهة تحرير تيجراي بمهاجمة قاعدة عسكرية فيدرالية. وأمر رئيس الوزراء آبي أحمد بحملة عسكرية للإطاحة بالجبهة من حكم الإقليم، وحشدت قواتها في الإقليم وانضمت إليها قوات من إريتريا.

وتقدر حصيلة الضحايا في النزاع بالآلاف، وتحمل روايات شهود العيان على النزاع ملامح الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.

"بنادق وأغذية جافة"

وقالت "سي إن إن" إنه بينما توجه الاتهامات لكل الأطراف في النزاع بارتكاب جرائم حرب، فإن تحقيقاً سابقاً للشبكة أظهر أن القوات الإريترية مسؤولة عن بعض أسوأ الفظائع في تيجراي، ومن بينها العنف الجنسي والقتل الجماعي، ونفت إريتريا القيام بأي من ذلك وأقرت فقط بأن لديها جنوداً في تيجراي الربيع الماضي.

وتظهر الوثائق التي حصلت عليها "سي إن إن"، أن الرحلات التي حملت أسلحة بين إثيوبيا وإريتريا بدأت على الأقل في الأيام الأولى من بداية النزاع في تيجراي. وفي ست مرات بين 9 إلى 28 نوفمبر، أصدرت الخطوط الإثيوبية فواتير لوزارة الدافع تقدر بعشرات الآلاف من الدولارات مقابل نقل مواد عسكرية، من بينها بنادق وذخيرة شحنت إلى إريتريا بحسب وثائق اطلعت عليها "سي إن إن".

وتظهر الوثائق أرقام بوليصة الشحن والتي تحمل بيانات كل شحنة، وفي واحدة من تلك الوثائق وتحت بند "طبيعة وعدد البضائع" كُتب "تعبئة عسكرية" و"أغذية جافة".

اختصارات وأخطاء إملائية

وبينما وصفت بنود أخرى طبيعة المواد على أنها "تعبئة"، وتظهر الوثائق أيضاً اختصارات وأخطاء في التهجئة لبعض البنود، إذ كتبت AM كاختصار لكلمة Ammunition  وبدلاً من كتابة بنادق قنص Rifles كتبت Riffles، بحسب موظفين في الخطوط أخبروا "سي إن إن" بأن الأخطاء في التهجئة حدثت حين أدخل موظفو الخطوط محتويات الشحنة بشكل يدوي لقاعدة بيانات الشحن.

وقال بينو باكستين، رئيس مجموعة الخبراء الهولنديين لأمن الطيران المدني، إن بواليص الشحن مطلوبة في كل الطائرات التجارية، إذ إن الطاقم على الطائرة بحاجة لمعرفة محتوى الشحنات للتأكد من نقلها بشكل آمن.

وفي التاسع من نوفمبر بعد خمسة أيام من بدء الحملة العسكرية في تيجراي، أظهرت السجلات أن رحلات الخطوط الإثيوبية نقلت بنادق وذخيرة من أديس أبابا إلى العاصمة الإريترية أسمرة.

فواتير شحن

وتظهر بوليصة شحن أن الخطوط الإثيوبية أرسلت فاتورة بقيمة 166 ألف دولار تقريباً مقابل نقل 2643 قطعة "بنادق قنص وذخيرة" على تلك الرحلة وطعام جاف، وأدخلت قائمة العناصر المشحونة بأخطاء في التهجئة أيضاً.

وتظهر بوليصة أخرى بتاريخ 13 نوفمبر من قبل نفس جهة الشحن أن المحتويات أيضاً كانت "إعادة تعبئة عسكرية وأغراض طعام جاف". وبحسب بعض الوثائق فإن الشحنة جاءت في وقت تزايدت فيه النشاطات العسكرية الإثيوبية في تيجراي. وقال خبراء أمن ومصادر لـ"سي إن إن"، إن القوات الإثيوبية احتاجت لتعزيزات للحرب في تيجراي.

مذبحتان

وبينما انتقلت الطائرات بين العاصمتين وقعت مذابح في مدينة إكسوم وقرية دينجيلات على يد القوات الإريترية في 19 و30 نوفمبر على الترتيب. وتظهر وثائق الشحن سلسلة من الرحلات بين إثيوبيا وإريتريا حتى 28 نوفمبر على الأقل.

وقال بعض الموظفين الحاليين والسابقين بالخطوط الجوية الإثيوبية لـ"سي إن إن"، بشرط عدم ذكر أسمائهم أن الرحلات تواصلت فيما بعد هذا التاريخ ولكن أغلب عمليات نقل الأسلحة لإريتريا تمت في نوفمبر.

إغلاق متتبع الرحلات

واستخدمت إثيوبيا طائرات نقل الركاب وطائرات الشحن في نقل الأسلحة، ولكن "سي إن إن" قالت إنه لا دليل لديها على أن تلك الطائرات كانت تحمل ركاباً وقت نقلها للأسلحة لإريتريا، وبعد هذه الرحلات لا تظهر على موقع تتبع الطائرات الشهير flightradar24، وحين تظهر تلك الرحلات على الموقع فإن الوجهة غالباً ما لا تكون ظاهرة ويختفي مسار الطائرة لحظة دخولها خروجها من الحدود الإثيوبية.

وقال الموظفون إن الطاقم يمكنه إغلاق إشارة ADS-B على متن الطائرة لمنع تتبع الطائرة بشكل مفتوح. وحملت تلك الرحلات نفس الرقم في الغالب ET3312, ET3313, ET3314 و ET هو رمز الخطوط الإثيوبية. وعملت على تلك الرحلات طائرات من صناعة شركة بوينج الأميركية، التي لديها علاقة طويلة من الخطوط الإثيوبية.

ورفض ممثل لشركة بوينج التعليق.

عمال الخطوط

وقال عمال بالخطوط الإثيوبية إنهم رأوا موظفين آخرين يحملون وينزلون أسلحة ومركبات عسكرية من رحلات متجهة لأسمرة، وزعم بعض منهم أنهم ساعدوا في تحميل الأسلحة بأنفسهم على متن الرحلات.

واطلعت "سي إن إن" على بطاقات التعريف الخاصة بالعمال والموظفين الذين تحدثوا إليها والمصدرة لهم من قبل الخطوط الإثيوبية.

وقال موظف سابق بالخطوط إنهم تلقوا أوامر بتحميل الأسلحة والبنادق وأربع مركبات عسكرية على متن طائرة شحن كانت متجهة لبلجيكا ولكن تم تغيير مسارها لإريتريا.

أسلحة بدلاً من الورود

وقال الموظف الذي رفض ذكر اسمه: "السيارات كانت نقل تويوتا (بيك أب) معدة لوقوف القناصة. تلقيت مكالمة من مديري في وقت متأخر من الليل يعلمني فيها بالتعامل مع الشحنة. وجاء الجنود في الخامسة صباحاً لبدء تحميل شاحنتين كبيرتين محملتين بالأسلحة وسيارات النقل".

وأضاف الموظف أنه اضطر لوقف الرحلة المتجهة لبروكسل والمحملة بالورود، وتم إفراغ نصف الشحنة لتوفير مساحة للأسلحة.

وقال الموظف إنه حذر الجنود من أن الشاحنات والسيارات تحمل وقوداً أكثر بكثير من المسموح به على متن الطائرات، لكنهم تجاهلوه بعد مكالمة مع قائدهم المباشر والذي قال إن المركبات ذاهبة للحرب وتحتاج للوقود.

خرق القانون الدولي

وقال خبراء طيران لـ"سي إن إن"، إن نقل الأسلحة على رحلات تجارية يعد خرقاً لاتفاقية الطيران المدني الدولي، والمعروفة باتفاقية شيكاجو، والتي تمنع نقل الأسلحة على متن طائرات تجارية.

وتقول "سي إن إن"، إن قوة إثيوبيا الاقتصادية في إفريقيا تعتمد في جزء كبير منها على هيمنة الخطوط الإثيوبية على سوق الشحن الجوي، وإن إثيوبيا استفادت بشكل كبير من برنامج التجارة الأميركي، الذي يمنح وصولاً أفضل للأسواق الأميركية لدول بحسب معايير معينة.

وفي 2017 صدرت الولايات المتحدة طائرات وأجزاء طائرات من شركة بوينج بلغت قيمتها 857 مليون دولار أميركي، ولكنّ شرطاً أساسياً ببرنامج التجارة ينص على أن الدول الأعضاء ببرنامج النمو والفرص الأميركي الإفريقي ينص على أن الدول الأعضاء فيه لا يجوز لها ارتكاب مخالفات كبيرة لحقوق الإنسان المعترف بها عالمياً.