
أثار قرار الحكومة المصرية تخفيض وزن رغيف الخبز المدعم من 110 جرامات إلى 90 جراماً، الذي بدأ تطبيقه الثلاثاء، جدلاً واسعاً بين المواطنين وأصحاب المخابز، فيما أكدت وزارة التموين أن القرار جاء تلبية لمطالب المخابز بعد ارتفاع تكلفة الإنتاج.
وتحجز قضية "رغيف الخبز" مقعداً مهماً دائماً على طاولة نقاشات المواطنين والمسؤولين، كون مصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم (تستورد ما يتراوح بين 8 و9 ملايين طن من الخارج)، وفقًا لتقارير وزارة الزراعة، إضافة إلى عدد المستفيدين الضخم من الخبز المدعم، والذي يقدر بحوالي 72 مليون مواطن مقيدين على 22 مليون بطاقة تموينية، وفقاً لتصريحات وزارة التموين.
رقابة للحفاظ على الجودة
المتحدث باسم وزارة التموين والتجارة الداخلية، أحمد كمال، قال في تصريحات لوكالة "رويترز" إنه "تم الاتفاق على إعادة احتساب تكلفة الجوال الواحد زنة 100 كيلوغرام، لتشمل احتساب الزيادات التي طرأت على الغاز أو السولار أو أجور العمالة".
وأكد كمال أن الوزارة ستشدد الرقابة على المخابز كافة، إضافة إلى رفع درجة التوعية لدى أصحابها بأهمية المحافظة على المواصفات والجودة والأوزان المقررة واللازمة لإنتاج رغيف الخبز البلدي المدعم.
وقال مدير مخبز في القاهرة، فضّل عدم ذكر اسمه، لـ"الشرق"، إن المخابز امتثلت سريعاً للقرار، لافتاً إلى أن مواطنين عبّروا عن انتقادهم تخفيض وزن الرغيف خلال شرائهم الخبز يوم الثلاثاء.
تحرك برلماني
وأثار قرار خفض وزن الرغيف تحركاً برلمانياً، حيث طالب النائب عبد الحميد كمال الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب بتوجيه طلب إحاطة عاجل إلى رئيس مجلس الوزراء ووزير التموين حول تخفيض وزن رغيف الخبز المدعم، مشيراً إلى أن القرار "تجاهل المؤشرات والإحصائيات الرسمية للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء الذى أعلن فيه عن ارتفاع معدل الفقر".
وتقدم النائب هيثم الحريرى ببيان عاجل إلى رئيس مجلس الوزراء ووزير التموين بشأن تخفيض وزن رغيف الخبز، منتقدا ًفي بيان صحافي قرار الحكومة الذى يؤدي ضمنياً إلى "تخفيض عدد أرغفة الدعم (للفرد يومياً) من 5 إلى 4 أرغفة".
جذور فرعونية
وتمتد علاقة المصريين بالخبز إلى آلاف السنين، ففي أغسطس العام الماضي طالع المهتمون بالحضارة الفرعونية أخباراً عن تجربة تحضير خبز بواسطة خميرة مستخلصة من أوانٍ فخارية مصرية، بواسطة أحد هواة علم المصريات وهو الأميركي شيموس بلاكلي.
وتمكن بلاكلي من صناعة خبز بإضافة هذه الخميرة إلى خليط من الحبوب التي كانت تستخدم قبل نحو 5 آلاف عام وإنتاج رغيف غير معتاد، يُعتقد أنه يشبه إلى حد كبير الخبز الذي تناوله قدماء المصريين.
ورغم التحفظات على مدى دقة التجربة، يبقى الشاهد اعتبار الخبز أحد مفردات الحضارة الفرعونية القديمة.
وعثرت بعثة أميركية للتنقيب عن الآثار عام 2005 على مبنى إداري للعمال من بناة الأهرامات، ملحق به مكان لتوزيع حصص الحبوب للمخابز، ما اعتبره وقتها عالم الآثار المصري زاهي حواس أقدم مخبز في العالم، إذ احتوى على الأواني وأدوات العجين التي يبدو أنها كانت مصممة لخبز العيش الشمسي، أحد أنواع الخبز المصري الذي لا يزال يُحضّر في صعيد مصر.
انتفاضة الخبز
فصل آخر من فصول ارتباط الخبز بالوضع السياسي والاجتماعي في مصر يعود إلى 18 و19 يناير عام 1977، عندما أعلنت الحكومة المصرية عن نيتها تقليص فاتورة الدعم، لترفع أسعار عدد من السلع الأساسية التي كان في مقدمتها الخبز.
وجاء تنفيذ تلك الخطوات في شكل استعراض للموازنة بمجلس الشعب، تلته مظاهرات حاشدة في أغلب محافظات البلاد، عُرفت لاحقًا بـ"انتفاضة الخبز"، بينما أطلق عليها الرئيس الراحل محمد أنور السادات "انتفاضة الحرامية".
وبالرغم من أن الحديث عن رفع أو تقليص دعم رغيف الخبز في مصر بدأ في السبعينيات، إلا أن سعر رغيف الخبز المدعم تغيّر فقط عام 1980 من نصف قرش إلى قرش عام 1984، ليصل إلى 5 قروش في 1988، وهو السعر الذي حافظت عليه الحكومات المتعاقبة حتى الآن رغم الانخفاض في قيمة العملة إذ يعادل الدولار الأميركي الواحد نحو 15.94جنيه.
وفي ثورة 25 يناير 2011 ضد نظام الرئيس الراحل حسني مبارك مثّل هتاف "عيش.. حرية.. كرامة إنسانية" الشهير تأكيداً على رمزية الخبز في المجتمع المصري وأدبياته السياسية.
السينما ورغيف العيش
وتحوّل "طابور العيش" كما يسميه المصريون إلى أيقونة سينمائية، خاصة في فترتي الثمانينيات والتسعينيات. ففي عام 1992 تناول فيلم "الإرهاب والكباب"، تأليف وحيد حامد وبطولة عادل إمام، عدداً من الأزمات التى يمر بها المواطن المصري، من بينها "رغيف العيش"، لخصها بطل الفيلم قائلاً: "مفيش حاجة تعباني غير رغيف العيش، بقف في صف طويل عريض، بتعذب لغاية ما بلاقيه، وبتعذب كمان وأنا باكله"، في إشارة إلى انخفاض جودته.
وعاد "الزعيم" لأزمة "الخبز" مجدداً بعد 15 عاماً، ليسخر في فيلمه مُرجان أحمد مُرجان، إنتاج عام 2007، من معالجة المسؤولين لأزمة "رغيف العيش"، ففي مشهد من إحدى جلسات البرلمان حينما أصبح "مرجان" عضواً في مجلس الشعب، قام بإخراج "رغيف" بشكل وحجم غير معتاد، معلقاً: "دا بسكويت مش عيش".
المخرج خالد يوسف لم يكن بعيداً عن تناول أزمة "العيش البلدي" في أفلامه، ففي عام 2009 قدم فيلم «دكان شحاته»، واستعرض خلال أحداثه أزمة طابور العيش، إضافة إلى أغنية الفيلم التى كتبها جمال بخيت وغناها المطرب أحمد سعد، بعنوان "مش باقي مني"، وتضمنت كلمات: "وإنت في طابور العيش.. بتبوسي إيد الزمن ينولك لقمة.. من حقك المشروع".
عام 2010 في فيلم "كلمني شكراً"، ناقش يوسف مجدداً أزمة "رغيف العيش" المتمثلة في سرقة بعض أصحاب المخابز للدقيق المدعم من الحكومة وبيعه في السوق السوداء بسعر أعلى.