من "ألفا" إلى "دلتا".. ما مدى خطورة متحورات كورونا؟

time reading iconدقائق القراءة - 12
طبيب هندي يعاين مرضى مصابين بالسلالة المتحورة من كورونا - REUTERS
طبيب هندي يعاين مرضى مصابين بالسلالة المتحورة من كورونا - REUTERS
دبي-الشرق

قالت وكالة "بلومبرغ"، إن الفيروسات تتحوّر طيلة الوقت، بما في ذلك فيروس "سارس-كوف-2" المسبب لجائحة كورونا، لكن ثمة متحورات أو سلالات "مُثيرة للقلق" تشكل مخاطر إضافية على الصحة العامة. 

وأشارت الوكالة الأميركية إلى أن معظم التغيرات الجينية تكون غير ضارة، إلا أن بعضها يمكن أن يجعل المتحور أكثر قدرة على إصابة الخلايا، أو تفادي الأجسام المضادة. وتستطيع هذه المتحورات الأكثر قدرة، التفوق على السلالات الأخرى حتى تصبح المصدر السائد للفيروس.

وخلال العامين الماضيين، تتابع ظهور متحورات أكثر قدرة على الانتشار، ويحوي كل منها مجموعة من الطفرات. ويعتبر متحور "دلتا" الأكثر إثارة للقلق بين هذه المتحورات حتى الآن. 

ووفقاً للوكالة، انتشر متحور "دلتا" في قربة 100 دولة منذ ظهوره في الهند لأول مرة في أكتوبر الماضي، ما أدى إلى زيادات في الحالات واللجوء إلى المستشفيات، خاصة في الأماكن التي تلقى فيها أقل من نصف السكان البالغين تطعيمهم بالكامل. ويعتبر هذا المتحور بالفعل السلالة السائدة في المملكة المتحدة، ويشق طريقه ليصبح كذلك في الولايات المتحدة أيضاً.

متحورات "أكثر إثارة للقلق"

 تستخدم "منظمة الصحة العالمية" مصطلح "متحورات مثيرة للقلق" للدلالة على السلالات التي تشكل مخاطر إضافية على الصحة العامة. وتستخدم مصطلح "متحورات ناشئة ذات أهمية" للمتحورات التي تستدعي مراقبة عن كثب بسبب زيادة المخاطر المحتملة. وخصصت أحرفاً من الأبجدية اليونانية للإشارة إلى هذه المتحورات. واعتباراً من 29 يونيو، حددت المنظمة أربعة متحورات مثيرة للقلق، وسبعة متحورات ذات أهمية: 

"ألفا"

ظهر متحور "ألفا" ويُسمى أيضاً (B.1.1.7) في إنجلترا في سبتمبر 2020، وأدى إلى زيادة كبيرة في الحالات في فصل الشتاء، ما اضطر المملكة المتحدة إلى العودة لتطبيق سياسات الإغلاق مجدداً في يناير الماضي. واتبعت دول أخرى، خاصة في أوروبا، نهج المملكة المتحدة؛ لا سيما في إعادة فرض القيود على الحركة والتنقل.

وأصبح متحور "ألفا" يُشكل السلالة السائدة في الولايات المتحدة في بداية أبريل، وأفادت تقارير بوجوده في 172 دولة على الأقل، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.

"بيتا"

ظهر متحور "بيتا"، الذي يُعرف أيضاً باسم (B.1.351) في جنوب إفريقيا في أغسطس 2020، وأدى إلى عودة ظهور حالات كوفيد-19 التي اجتاحت جنوب إفريقيا، وأفادت بيانات بوجوده في 120 دولة على الأقل.

"غاما"

رُصد نوع "غاما"، ويُسمى أيضاَ (P.1)، لأول مرة في مدينة ماناوس، بولاية الأمازون في المنطقة الشمالية من البرازيل، في ديسمبر 2020. وساهم في زيادة الحالات، ما أدى بدوره إلى إرهاق المنظومة الصحية في البرازيل، وتسبب في نقص الأوكسجين. وتم الإفادة عن وجوده في 72 دولة.

"دلتا"

أثار متغير "دلتا" سريع الانتشار المعروف أيضاً باسم (B.1. 617.2) موجة كبيرة من حالات كوفيد-19 في الهند، ما أدى لتكدس المستشفيات، واكتظاظ محارق الجثث والمقابر، واكتشف هذا الفيروس منذ ذلك الحين في ما لا يقل عن 96 دولة. 

وتشير التقديرات إلى أنه أكثر انتشارا من "ألفا" بنسبة 55%، وفقاً لما ورد في دراسة أجراها باحثون من "منظمة الصحة العالمية" و"كلية لندن للصحة والطب الاستوائي" و"كلية إمبريال كوليدج لندن". 

وربط الأطباء في الهند المتحور "دلتا" بمجموعة أكبر من أعراض كوفيد-19، بما في ذلك ضعف السمع، وقالت هيئة الصحة العامة في إنجلترا، في يونيو، إن البيانات الصادرة عن كل من إنجلترا واسكتلندا تشير إلى زيادة خطر دخول المستشفيات مقارنة بمتحور "ألفا". 

وكشفت أدلة أخرى عن أن متحور "دلتا" يمكنه تجنّب العلاجات القائمة على الأجسام المضادة، وأنه يزيد من خطر إعادة الإصابة لدى الأشخاص الذين تعافوا من كوفيد-19 الذي سببته سلالة أخرى.

تأثير المتحورات

يُولي العلماء أكبر قدر من الاهتمام بالطفرات التي تحدث في الجين الذي يُشفر بروتين "سبايك" (spike) لدى الفيروس، الذي يلعب دوراً محورياً في دخوله إلى الخلايا، ويتم استهدافه من قبل اللقاحات. 

يُشكل "بروتين سبايك" النتوءات الشوكية الموجودة على سطح فيروس كورونا، التي تمنحه الشكل التاجي المعروف عنه، وهو المسؤول عن تنفيذ عملية ارتباط الفيروس بالخلايا البشرية وغزوها.

وتحمل المتحورات الأربعة المثيرة للقلق طفرات متعددة تؤثر على بروتين "سبايك"، ما يثير تساؤلات حول قدرة الأشخاص الذين طوروا أجساماً مضادة للسلالة "العادية" أو "النوع الشرس"، سواء عن طريق اللقاح أو عن طريق التعافي من كوفيد-19، على محاربة المتحورات الجديدة.

فعالية اللقاحات

وجد باحثون من "جامعة فلوريدا" أنه بالنسبة للقاحات كوفيد-19 التي يتم طرحها على نطاق عالمي، أدت سلالة "ألفا" إلى فعالية "منخفضة نوعاً ما" مقارنة بالسلالة الشرسة، بينما أدت متحورات "بيتا" و"غاما" إلى فعالية أقل بدرجة كبيرة، حسبما ورد في الدراسة التي نشرت في مايو الماضي قبل مراجعة النظير، حيث يتم تدقيق البحث من قبل خبراء في نفس المجال قبل النشر. 

وبالنسبة لمتحور "دلتا"، تشير البيانات الصادرة عن هيئة الصحة العامة في إنجلترا إلى أن اللقاحات أقل فعالية في منع المرض المصحوب بأعراض مقارنة بمتحور "ألفا"، خاصة بعد جرعة واحدة فقط.

وسجلت فعالية اللقاح ضد المرض المصحوب بأعراض مع سلالة "ألفا" بعد جرعة واحدة 49% وبعد جرعتين 89%، بينما سجلت مع سلالة "دلتا" بعد جرعة واحدة 35%، وبعد جرعتين 79%.

وتشير أبحاث أخرى إلى أنه حتى في حالة تراجع عدد الأجسام المضادة، فإن جزءاً آخر من الجهاز المناعي قد يقاوم فيروس كورونا، وهو الخلايا التائية من الأشخاص الذين تعافوا من كوفيد-19، أو تلقوا ما يسمى لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال من شركة "موديرنا"، أو من شركة "فايزر" وشريكتها "بيونتيك"، إذ تبقى هذه الخلايا قادرة على التعرف على العديد من المتحورات، ما يلغي قدرة الفيروس على التسبب في حالات خطيرة، كما قال باحثون في "معهد لا جولا" للمناعة.

لقاحات أفضل من غيرها

لم تقارن تجارب إكلينيكية بشكل مباشر بين قدرة اللقاحات المختلفة على الحماية من السلالة الأصلية، ناهيك عن المتحورات. رغم ذلك، تشير بيانات آخذة في الظهور إلى أنه سيكون هناك اختلافات في الفعالية. 

ووجد بحث أجرته هيئة الصحة العامة في إنجلترا، ونُشرته قبل مراجعة الأقران، واستند إلى سجلات المرضى، أن جرعتين من لقاح "أسترازينيكا" كانتا أقل فعالية في منع الإصابة بكوفيد-19 من متحور "دلتا"، مقارنة بجرعة مزدوجة من لقاح "فايزر/ بيونتيك".

وسجلت فعالية لقاح "فايزر/ بيونتيك" بعد جرعة واحدة 33%، وبعد جرعتين 88%، فيما سجلت فعالية لقاح "أسترازينيكا" 33% بعد جرعة واحدة، و60% بعد جرعتين.

ووجدت هيئة الصحة العامة في إنجلترا أن جرعة واحدة من لقاح "فايزر/ بيونتيك"، أدت عملاً أفضل في الحماية من العلاج بالمستشفيات في حالة متحور "دلتا"، من لقاح "أسترازينيكا" بنسبة 94% مقابل 71%، وكانت الفعالية متقاربة بعد جرعتين بنسبة 96% مقابل 92%.

مزج لقاحات

مزج اللقاحات، يحدث بالفعل، على نطاق محدود، وإلى حد كبير بسبب توقف استخدام لقاح "أسترازينيكا" الذي تسبب في حالات تجلّط دم نادرة ارتبطت بهذا الاستخدام. 

وكانت هيئة اللقاحات الألمانية، أوصت بأن يحصل الأشخاص الذين تم تطعيمهم بجرعة واحدة من "أسترازينيكا" على لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال كجرعة ثانية.

وأشارت دراسات قليلة وصغيرة، لم تخضع نتائجها لمراجعة النظير إلى أن إعطاء جرعة من أحد لقاحات كوفيد-19، متبوعة بجرعة ثانية من نوع مختلف من هذه اللقاحات، يمكن أن يكون أكثر حماية من جرعتين من نفس اللقاح. 

وهناك مزيد من الدراسات التي تجري حاليا على خلط اللقاحات، "ويمكن الاستفادة من هذه التجارب في توزيع اللقاحات المتاحة"، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.

متحورات أخرى

أفادت تقارير عن متحورات "دلتا" الجديدة في العديد من الدول، بما في ذلك الهند والمملكة المتحدة وفيتنام. وأثارت السلالة التي تتضمن متطفر K417N، الذي يطلق عليه اسم "دلتا بلس" في الهند بعض القلق، إذ احتوت سلالة "بيتا" أيضاً على هذا التغير الجيني المرتبط بزيادة خطر تجدد الإصابة بالعدوى.

وقال باحثون من المملكة المتحدة في نهاية يونيو، إنه لا يوجد دليل حتى الآن يشير إلى أن الطفرة الإضافية أكثر إثارة للقلق. وأبرزت منظمة الصحة العالمية خطر ظهور مزيد من المتحورات مع استمرار انتشار فيروس كورونا.

جهود شركات الأدوية

قالت سارة غيلبرت، أستاذة علم اللقاحات بجامعة أكسفورد، التي أجرت البحث الأولي على لقاح "أسترازينيكا"، لشبكة "بي بي سي"، إن "الجهود تُبذل حالياً لتطوير جيل جديد من اللقاحات التي ستسمح بإعادة توجيه الحماية من المتحورات الناشئة في شكل جرعات معززة، في حال تبين ضرورة ذلك".

وقالت العديد من شركات الأدوية إنها تعمل حالياً على تطوير إما جرعة معززة أو جرعة مجمعة. وتعد هذه التعديلات أمراً دارجاً، لأنها تجري سنوياً مع اللقاحات المضادة لإنفلونزا التي تتطور بسرعة. وعلى عكس فيروس إنفلونزا، فإن فيروسات كورونا تتمتع بآلية تصحيح ذاتي جينية تقلل من التطفرات.

العلاجات 

وجد الباحثون في جنوب إفريقيا خطراً نظرياً يتمثل في أن بعض الأجسام المضادة التي تطورت لعلاج كوفيد-19، يمكن أن تكون غير فعالة ضد متحور "بيتا". 

ولكن دراسات أجريت في "جامعة كولومبيا" دعمت اختبارات أجرتها شركة "ريجينيرون لصناعة الأدوية"، أظهرت أن مزيج الأجسام المضادة الخاص بها، الذي حصل على ترخيص لاستخدام الطوارئ في الولايات المتحدة، وتلقاه الرئيس الأميركي آنذاك، دونالد ترمب، فعال في تحييد هذا المتحور ومتحور "ألفا". 

وتستخدم شركات صناعة الأدوية مزيجاً من الأجسام المضادة التي تستهدف سمات منفصلة من الفيروس لتقليل احتمالية ظهور ما يسمى بـ"طفرات هروب الفيروس" نتيجة لضغط علاج أحادي الأجسام المضاد.

حيوانات مضيفة

كشف باحثون في معهد "باستور" الفرنسي، أن متحوري "بيتا" و"غاما" قادران على إصابة فئران المختبرات، والتكاثر بتركيزات عالية في الرئتين، وهو ما لم تكن السلالات التي انتشرت في وقت سابق تستطيع القيام به. 

وقال الباحثون في دراسة تتألف من 18 صفحة، نشرت في مارس الماضي، قبل مراجعة النظير إن هذا أثار احتمال أن تصبح الفئران وغيرها من القوارض التي تعيش على مقربة من البشر مستودعات لـ"سارس-كوف-2" في المناطق التي تنتشر فيها هذه المتحورات، وتتطور السلالات، وتوجد إمكانية انتقالها للبشر.

اقرأ أيضاً: