ما هو مجلس أوروبا الذي قررت روسيا الانسحاب منه؟

time reading iconدقائق القراءة - 8
أعضاء الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا يقفون دقيقة صمت حداداً على ضحايا الغزو الروسي لأوكرانيا في مقر المجلس بستراسبورج، فرنسا- 14 مارس 2022 - AFP
أعضاء الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا يقفون دقيقة صمت حداداً على ضحايا الغزو الروسي لأوكرانيا في مقر المجلس بستراسبورج، فرنسا- 14 مارس 2022 - AFP
دبي-الشرق

قررت روسيا، الثلاثاء، مباشرة إجراءات "الخروج رسمياً من مجلس أوروبا"، متّهمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي بجعل المجلس أداة في خدمة "توسعهما العسكري والسياسي والاقتصادي في الشرق".

وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان إن "الإخطار بانسحاب جمهورية روسيا الاتحادية من المنظمة" سلم الثلاثاء إلى الأمينة العامة لمجلس أوروبا ماريا بيتشيفونيتش بوريتش.

وأكد المتحدث الرسمي باسم المنظمة، دانييل هولتجن، أن الأمينة العامة لمجلس أوروبا ماريا بيتشيفونيتش بوريتش قد تسلمت إخطاراً رسمياً من موسكو بانسحابها من المنظمة، وفق المادة السابعة من النظام الأساسي لها، وكذلك عزم روسيا عدم الاعتراف بالمعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان، وفق ما أعلنه عبر تويتر.

وتعقد اللجنة الوزارية لمجلس أوروبا اجتماعاً الأربعاء للبحث في الوضع.

فما هو مجلس أوروبا؟ وما هي صلاحياته وأشهر آلياته؟ وما الفرق بينه وبين الاتحاد الأوروبي؟ ومتى انضمت روسيا للمجلس؟

دعم حقوق الإنسان

مجلس أوروبا هو منظمة دولية تهدف لدعم حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون في أوروبا. 

تأسس المجلس في 5 مايو 1949، بعضوية بلجيكا والدنمارك وفرنسا وأيرلندا وإيطاليا ولوكسمبورج وهولندا والنرويج والسويد والمملكة المتحدة.

ويضم مجلس أوروبا حالياً 47 دولة من بينها الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والدول الأخرى التي تنتمي جغرافياً للقارة الأوروبية، باستثناء بيلاروسيا وكوسوفو والفاتيكان.

كما يشمل المجلس دولاً أقرب للقارة الآسيوية لكنها كانت جزءاً من الاتحاد السوفيتي السابق مثل جورجيا وأرمينيا وأذربيجان.

وانضمّت روسيا إلى المجلس في عام 1996، إذ سعت إلى رفع حماية الحقوق إلى المستويات الأوروبية.

وتتمتع 6 دول بصفة مراقب، وهي: اليابان والفاتيكان والولايات المتحدة والمكسيك وكندا وإسرائيل.

وعند تأسيس المنظمة بعد 4 سنوات على نهاية الحرب العالمية الثانية، كان هدفها عدم تكرار حرب مماثلة، ومنذ إطلاق مجلس أوروبا تم إبرام 220 اتفاقية، جميعها تتعلق بحماية حقوق الإنسان، بما في ذلك اتفاقية لمكافحة العنف الأسري والعنف ضد المرأة، واتفاقية لمكافحة الاعتداء الجنسي على الأطفال، واتفاقية حماية البيانات، واتفاقية مكافحة الإرهاب، ومكافحة الاتجار بالبشر، ومكافحة الاتجار بالأعضاء.

وعلى عكس الاتحاد الأوروبي، لا يمكن لمجلس أوروبا أن يصدر قوانين ملزمة، لكنه يتابع تنفيذ الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، من خلال المحكمة الأوروبية التي تعد أشهر آليات المجلس.

ويتألف المجلس من هيئة تضم وزراء خارجية الدول الأعضاء، والجمعية البرلمانية التي تتكون من أعضاء البرلمانات الوطنية لهذه الدول، ولجنة للمنظمات الأهلية.

مكافحة الفساد

ووفق الموقع الرسمي لمجلس أوروبا فإن من أهدافه الدفاع عن حرية التعبير والإعلام، وحرية التجمّع والمساواة وحماية الأقليات.

كما يتبنى إطلاق حملات بشأن ملفات، مثل حماية الأطفال، وخطاب الكراهية عبر الإنترنت، و"حقوق الغجر" أضخم أقلية في أوروبا. 

ويساعد المجلس الدول الأعضاء في مكافحة الفساد والإرهاب، وإجراء الإصلاحات القضائية اللازمة. كما أن مجموعة من الخبراء الدستوريين، المعروفة باسم "لجنة البندقية"، تقدّم مشورة قانونية للدول في كل أنحاء العالم.

ولفت المجلس إلى من سمّاهم "الآباء المؤسّسين"، معتبراً أنهم "كانوا رجال حوار، عاصروا حربين عالميتين ولديهم خبرة مباشرة في عدد من الثقافات الأوروبية، وكانوا روّاد سلام لأوروبا قائمة على قيم حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون".

و"الآباء المؤسسون" هم: رئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرتشل، والمستشار الألماني السابق كونراد أديناور، ووزير الخارجية الفرنسي السابق روبير شومان، ورئيس الوزراء البلجيكي السابق بول هنري سباك، ورئيس الوزراء الإيطالي السابق ألسيد دي جاسبري، ووزير الدولة البريطاني السابق للشؤون الخارجية إرنست بيفين.

ويقع مقر المجلس في ستراسبورج بفرنسا، وتُعد اللغتان الإنجليزية والفرنسية اللغتين الرسميتين للعمل. 

روسيا تستبق

وكانت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا مجتمعة الاثنين والثلاثاء، للبت بطرد محتمل لروسيا من المنظمة نظراً إلى "الانتهاكات الخطرة للنظام الداخلي لمجلس أوروبا" المرتكبة خلال الغزو الروسي لأوكرانيا.

وبحسب وكالة "فرانس برس" فقد قررت روسيا استباق الأمور، معلنة أنها ستنسحب قبل أن تتعرض لمذلّة الطرد.

وقالت ليزا ياسكو العضو في الوفد الأوكراني في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا: "هذا الإعلان وقاحة صلفة من جانب روسيا".

وأضافت: "يظنون أن بإمكانهم أن ينقذوا سمعتهم لكن العالم بأسره شاهد على الجرائم التي يرتكبونها "، لافتة إلى أن الإعلان أتى قبل ساعات على قرار طرد روسيا على أي حال من المنظمة.

وتابعت: "كان ينبغي أن يحصل ذلك من قبل، لكن هذه المنظمة لا تملك أداة قوية بما يكفي لوقف جرائم روسيا. نحن نعيش فصلاً مأساوياً من تاريخنا وبلادي تدفع ثمناً باهظاً جداً".

وقالت نيكول تريس رئيسة الوفد الفرنسي ونائبة رئيسة الجمعية البرلمانية: "هذه مناورة فظّة في محاولة للتخفيف من وطأة ما كنا بصدد التصويت عليه. كانت 46 دولة مجتمعة هنا وثمّة إجماع على طرد روسيا. لم يسبق أن حصل ذلك منذ تأسيس مجلس أوروبا".

هجوم روسي 

كانت وزارة الخارجية الروسية قالت إن "أولئك الذين يجبروننا على اتخاذ هذه الخطوة (الانسحاب من مجلس أوروبا) سيتحملون المسؤولية التامة عن تدمير النطاق الإنساني والقانوني المشترك في القارة والتداعيات على مجلس أوروبا الذي سيفقد من دون روسيا وضعه كهيئة أوروبية شاملة".

وتابعت أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي "لا يريان في هذه المنظمة سوى أداة دعم أيديولوجي لتوسعهما العسكري والسياسي والاقتصادي شرقاً ووسيلة لفرض نظام قائم على قواعد تكون مفيدة لهما، وهو في الواقع لعبة بلا قواعد".

وتتّهم وزارة الخارجية الروسية في بيانها مؤسسات مجلس أوروبا، بما في ذلك المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأنها "استُخدمت بشكل منهجي لممارسة ضغط على روسيا والتدخل في شؤونها الداخلية".

تداعيات الانسحاب

ومن التداعيات الرئيسية لهذا الانسحاب، عدم استفادة المواطنين الروس البالغ عددهم 145 مليون نسمة من حماية المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الذراع القضائية لمجلس أوروبا، والملاذ الأخير ضد أي قرارات تعسفية قد تصدر عن محاكم بلدهم.

وتشكل موسكو المصدر الرئيسي للملفات التي تنظر بها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. فأكثر من 24% من القضايا المطروحة حالياً على المحكمة تتعلق بروسيا، وبعضها ملفات لها رمزية كبيرة مثل قضية المعارض أليكسي نافالني.

ومن تداعيات قرار انسحاب روسيا، حرمان مجلس أوروبا من 7% تقريباً من ميزانيته السنوية البالغة 500 مليون يورو (كانت تدفعها موسكو).

وفي اليوم التالي لبدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير، قرر مجلس أوروبا تعليق مشاركة روسيا في كل هيئاته باستثناء المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

وفي 2014، مُنع البرلمانيون الروس في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا من حق التصويت بعد ضم روسيا لشبه حزيرة القرم من أوكرانيا. وبعد خمس سنوات من التوتر الشديد تمكنت البعثة الروسية من العودة إلى الجمعية البرلمانية عام 2019، رغم معارضة البرلمانيين الأوكرانيين المطلقة.

وهذه المرة الثانية التي يواجه فيها المجلس سيناريو انسحاب دولة بسبب خلاف سياسي، فقد أقدمت اليونان على الخطوة نفسها وغادرت مجلس أوروبا قبل طردها في عام 1969 في ظل الحكم العسكري الديكتاتوري، وعادت إلى صفوف المجلس عام 1974.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات