فرنسا في ذكرى استقلال الجزائر: ملتزمون بمواصلة الاعتراف بالحقيقة

time reading iconدقائق القراءة - 6
متظاهرون في الجزائر العاصمة يرفعون العلم الجزائري - REUTERS
متظاهرون في الجزائر العاصمة يرفعون العلم الجزائري - REUTERS
باريس/ الجزائر- أ ف ب

بعث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رسالة إلى نظيره الجزائري عبد المجيد تبّون هنّأه فيها بمرور 60 عاماً على استقلال الجزائر عن فرنسا، وأعرب عن أمله في "تعزيز العلاقات القوية أساساً" بين البلدين، بحسب ما أعلن قصر الإليزيه، مساء الاثنين.

وقالت الرئاسة الفرنسية في بيان إنّ إكليلاً من الزهور سيوضع أيضاً الثلاثاء، باسم ماكرون على "النُصب التذكاري الوطني لحرب الجزائر والمعارك في المغرب وتونس" في رصيف "برانلي" في باريس إحياءً لذكرى الأوروبيين ضحايا مجزرة وهران التي وقعت في نفس يوم الاستقلال في 5 يوليو 1962.

وأضاف الإليزيه أنّ "الذكرى الـ60 لاستقلال الجزائر، في 5 يوليو 2022، تشكّل فرصة لرئيس الجمهورية لكي يرسل إلى الرئيس تبّون رسالة يعبّر فيها عن تمنياته للشعب الجزائري ويبدي أمله بمواصلة تعزيز العلاقات القوية أصلاً بين فرنسا والجزائر".

ونقل البيان عن ماكرون "تأكيده مجدّداً التزامه مواصلة عملية الاعتراف بالحقيقة والمصالحة لذاكرتي الشعبين الجزائري والفرنسي". 

الذكرى الـ 60 للاستقلال

وتدشّن الجزائر الثلاثاء، احتفالات عيد الاستقلال باستعراض عسكري غير مسبوق في العاصمة يخلّد الذكرى الـ60 لنهاية الاستعمار بعد 132 سنة من الوجود الفرنسي.

وتمّ إعلان استقلال الجزائر بُعيد أيام من استفتاء لتقرير المصير وافق فيه 99,72% من الناخبين على الاستقلال.

ومنذ الجمعة، أغلقت السلطات المدخل الرئيسي لشرق العاصمة على طول 16 كيلومتراً للسماح للجيش بإجراء التدريبات على استعراض عسكري كبير سيكون الأول منذ 33 عاماً. 

وينتظر أن يحضر الاحتفالات، خاصة الاستعراض العسكري، ضيوف أجانب من بينهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس النيجر محمد بازوم.

وفي دلالة على أهمية المناسبة، تم تصميم شعار خاص يظهر منذ أسابيع على جميع القنوات التلفزيونية، وهو عبارة عن دائرة مزيّنة بـ60 نجمة وفي وسطها عبارة "تاريخ مجيد وعهد جديد". 

"إبادة ثقافية"

وانتزعت الجزائر الاستقلال بعد 7 سنوات ونصف من حرب دامية خلّفت مئات الآلاف من الضحايا، ما جعلها المستعمرة الفرنسية السابقة الوحيدة في إفريقيا في سنوات 1960 التي تحرّرت بالسلاح من فرنسا.

وبعد سنوات الحرب بين الثوار الجزائريين والجيش الفرنسي، توقف القتال بعد توقيع اتفاقيات "إيفيان" التاريخية في 18 مارس 1962 التي مهّدت الطريق لإعلان استقلال الجزائر في 5 يوليو من العام نفسه. 

وعلى الرغم من مرور عقود على نهاية الاستعمار، لم تندمل الجراح في الجزائر، على الرغم من سعي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ انتخابه الى تهدئة الذاكرة بسلسلة من المبادرات الرمزية التي لم تصل إلى حدّ تقديم "الاعتذار". 

وردّاً على هذه المبادرات، قال رئيس مجلس الأمة الجزائري وأحد قادة حرب الاستقلال، صالح قوجيل: "لا يمكن أن ننسى أو نمحي، لأي إجراء كان، مسؤولية فرنسا الاستعمارية عن الإبادة الإنسانية (التي تعرّض لها الشعب الجزائري) والإبادة الثقافية وإبادة هويته".

وكان الرئيس عبد المجيد تبون أكد في مارس الماضي، أن "جرائم الاستعمار" الفرنسي في الجزائر لن تسقط بالتقادم، داعياً إلى "معالجة منصفة ونزيهة لملف الذاكرة والتاريخ في أَجواء المصارحة والثقة".

وبدا أنّ العلاقات بين البلدين تراجعت إلى أدنى مستوى لها في أكتوبر عندما صرّح ماكرون بأنّ الجزائر تأسّست بعد استقلالها على "ريع ذاكرة" يقف خلفه "النظام السياسي العسكري"، ما أثار غضب الجزائر. 

وتحسنت العلاقات تدريجياً في الأشهر الماضية، وأعرب ماكرون ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون في مكالمة هاتفية في 18 يونيو، عن رغبتهما في "تعميقها".

وفي نهاية أبريل، هنّأ تبون ماكرون على إعادة انتخابه "الباهر" ودعاه لزيارة الجزائر.

"هدوء زائف"   

وأوضح المؤرخ عمّار محند عمر، لوكالة "فرانس برس" أن "العودة السريعة إلى وضع طبيعي في أعقاب الأزمة الخطيرة في الأشهر الأخيرة (...) مرتبطة بالتوترات الإقليمية، لا سيّما في ليبيا، ولا ينبغي تجاهل ذلك أو التقليل من شأنه".

وأضاف أنّ "الجغرافيا السياسية الإقليمية غير المستقرة تتطلب مواقف قوية على المدى المتوسط والبعيد وتوطيد العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين". 

من جهته، أشار رئيس حزب التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض عثمان معزوز إلى أن "العلاقات بين نظام السلطة في الجزائر وفرنسا الرسمية تخلّلتها أزمات وهدوء زائف منذ استقلال البلاد". 

وقال: "في المرحلة الحالية، لا يمكن لأحد أن يراهن درهماً واحداً على الحديث عن إعادة بناء (هذه العلاقات) لأن استغلال العلاقة من هذا الجانب أو ذاك لا يخفى على أحد".

ماكرون بين اليمين والمصالحة

ولا يخفي محند عمر خشيته من أن تخضع سياسة ماكرون للمصالحة مع الذاكرة للانتقاد، خصوصاً بعد النجاحات الانتخابية الأخيرة لحزب التجمع الوطني اليميني برئاسة مارين لوبن.

وأكدت لوبن في مارس أنّ "الاستعمار ساهم فعلاً في تنمية الجزائر"، وانتقدت سياسة ماكرون الذي "يمضي حياته في الاعتذار من دون طلب أي شيء مقابل ذلك من حكومة جزائرية لا تتوقف عن شتم فرنسا".

ويحذّر المؤرخ من أنّ "الصعود المذهل للتجمّع الوطني في الانتخابات التشريعية في فرنسا لا يبشّر بالخير، لأنّ اليمين المتطرّف الفرنسي سيجعل من هذه الولاية الانتخابية ساحة معركة كبيرة موضوعها الذاكرة وسيكون فيها التحريف وتزييف التاريخ حاضرين بقوة".

وعلى الصعيد الداخلي، تسعى السلطات الجزائرية للإفادة من الذكرى التاريخية لتخفيف التوترات الداخلية بعد 3 سنوات من انطلاق تظاهرات الحراك المؤيد للديمقراطية الذي أسقط الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة من دون أن ينجح في إزاحة النظام.

وأطلق تبون في مايو، مبادرة لكسر الجمود السياسي من خلال استقبال عدد من قادة الأحزاب السياسية، بينهم من المعارضة، ومسؤولين في النقابات العمالية ومنظمات أرباب العمل.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات