مجلة "كراسات السينما" تعيد قراءة تاريخ الفن السابع

time reading iconدقائق القراءة - 10
غلاف مجلة "كراسات السينما" الفرنسية - الشرق
غلاف مجلة "كراسات السينما" الفرنسية - الشرق
الرباط -عبد الكريم واكريم

خصصت المجلة السينمائية الفرنسية المتخصصة العريقة "كراسات السينما"، عددها الشهري، لملف بعنوان "إعادة التفكير في تاريخ السينما"، شارك فيه مؤرخون ونقاد ومبرمجون سينمائيون، كما منحت المجلة الفرصة أيضاً لجيل الألفية الثالثة، مُمَثَّلِينَ في طلبة السينما بفرنسا، ليخرج الملف بشكلٍ متوازن.

وجاء الملف غنياً وفاتحاً لأفق آخر مُغايِر لقراءة تاريخ السينما من زوايا مختلفة، لم تكن تُرى وتُقَيَّم من خلالها السينما في مختلف أنحاء العالم، ومُعِيداً الاعتبار لأفلام ولمخرجين ومخرجات ظُلموا أو تناست إنجازاتهم السينمائية القيِّمَة، إما لكون النظرة التي يتم بها التأريخ للسينما كانت في بعض  الفترات تحمل بُعداً أيديولوجياً انتقائياً، أو لأسباب أخرى قد تذهب عند بعض المشاركين في الملف إلى درجة اتهام "سياسة المؤلف" التي بُنِيَ عليها الخط التحريري لمجلة "كراسات السينما"، وكونها كانت عائقاً بدورها في هذا السياق.

تفضيل جغرافي

في مقال له بعنوان "كلنا مؤرخون"، أكد رئيس تحرير المجلة ماركوس أوزال، أن تاريخ السينما يُعاد قراءتُه باستمرار بمحاولة رد الاعتبار لسينمائيين مهمين تم نسيان أعمالهم، فيما يتوارى آخرون في الوقت ذاته".

وأضاف أن "الشعور بمرور الزمن، يعني إدراك مدى تَغيُّر رؤيتنا لأفلام مُعيَّنة مع الوقت، أو أن نكون شهوداً على كيفية انتقال بعض المخرجين من قِمَّة الشهرة إلى غياهب النسيان. فماذا عن مخرجين مثل جوانو سيزار مونتيرو، أو هال هارتلي، اللَّذَيْنِ كانت أفلامهما تشكل حدثاً عند إصدارها؟ قائمة مثل هذه الحالات طويلة، مثل قائمة المخرجين الذين أُعِيدَ اكتشافهم بعد فترة من النسيان، أو الذين وَجدوا جمهورهم أخيراً بعد وفاتهم".

وتابع "من المؤثر أن نلاحظ أن جوي جيل، الذي كان مجهولاً تماماً قبل 20 عاماً، والذي نال اعترافاً حقيقياً قبل 10 سنوات فقط، بفضل عرض استعادي في (السينماتيك الفرنسية)، يُعتبر اليوم من قِبل بعض الشباب عشاق السينما كمخرج مهم، تماماً مثل إيرك رومر أو جاك ريفيت.

 هناك أيضاً المخرجين الذين لا يتوقفون عن الظهور والاختفاء، والنسيان وإعادة الاكتشاف، كما لو أن تَميُّزهم يمنعهم من أن تصبح سينماهم من بين الكلاسيكيات إلى الأبد، مثل الثلاثية الرائعة لبيل دوجلاس، التي شَهِدَتْ عرضين لها في الصالات الفرنسية في عامي 1997 و2013، والتي احتفى بها في كل مرة كاكتشاف مذهل قبل أن تُنسى مجدداً.

وأكد أوزال أنه "بجانب ذلك، قد يكون تاريخ السينما مرتبطاً بشكلٍ متزايد بجغرافيتها. إذ كان هناك منطقاً ثقافياً وسياسياً واقتصادياً في تفضيل تاريخ السينما للبلدان التي تمتلك تقاليد سينمائية تمكنها من تطوير تيارات وسياقات متباينة، مثل فرنسا، وإيطاليا، والولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتي، واليابان بشكل أساسي، ولكن هذا منع اكتشاف، أو على الأقل معرفة عميقة للعديد من السينمات الأخرى ذات التاريخ الأكثر فوضوية أو المنبثقة من ثقافات بعيدة، مثل الهند، من وجهة نظر فرنسية، إذ غالباً ما تُعتبر السينمات الأجنبية ذات أهمية فقط عندما تُكتشف في فرنسا: مثل السينما الإيرانية في أوائل التسعينيات، والموجة الجديدة التايوانية في أواخر التسعينيات، والسينما الكورية في بداية العقد الأول من الألفية الجديدة".

رؤية سياسية

وبخصوص طبيعة التاريخ من حيث الرؤية السياسية التي تؤثر على الاختيار الجغرافي لسينما بلدان وتنفي أخرى من التصنيف، أشار رئيس تحرير "كراسات سينمائية" إلى تجربة المؤرخ السينمائي الفرنسي المعروف جورج سَادُول، قائلاً إنّ: "التوسع الجغرافي لتاريخ السينما يظل مشروعاً واسعاً ومثيراً، ولا يمكن أن يكون محايداً. فالتاريخ لا يتوقف عن التطور والحركة والتَّغيُّر، إذ يُكتب بشكل مختلف حسب الأماكن والأزمنة، ولذلك فهو يحمل طابعاً سياسياً بطبيعته".

وأردف "جورج سادول كان قد بدأ كتابة تاريخه للسينما عام 1946 رداً على (تاريخ السينما) لماوريس بارديش وروبرت برازيلّاش، الذي نُشر لأول مرة عام 1935 ثم في عام 1943، مع إضافات تتضمن تعليقات معادية للسامية".

وتساءل أوزال، بقوله: "من يقرأ سادول اليوم، بعدما كان له تأثيراً كبيراً في الماضي على جيل كامل؟ ينبغي العودة إلى قراءة سادول، مع العلم أن تجاوزاته ونقائصه تحمل أيضاً بُعداً تاريخياً. على سبيل المثال، بسبب كونه شيوعياً، كان رفضه المفرط لهوليوود مصحوباً بعالمية دفعته لتضمين أكبر عدد ممكن من البلدان في (تاريخه للسينما العالمية)، مما يجعله رائداً في هذا المجال. يجب أيضاً إعادة قراءة سادول؛ بسبب أسلوبه الحيوي في الكتابة، حيث يدمج السرد التاريخي بالنظرة النقدية، التي تكون أحياناً شاعرية، وحادة في أحيان أخرى".

البوعناني وخياطي

وتضمن الملف، كتابات لمؤرخي ومؤرخات السينما، الذين يشغلون مهام أخرى كمبرمجين ومسؤولين عن مؤسسات سينمائية وغيرها، هؤلاء الذين طرحت عليهم المجلة بضع أسئلة حول السينما وتاريخها، مع تركها الحرية لهم في التوسع في الإجابة كما يبدو لهم ذلك.

كانت من بين المشاركين في هذا الاستفتاء، المُبرمِجة والمؤرخة ومديرة المؤسسات السينمائية ليا موران، المقيمة منذ مدة طويلة بالمغرب، والتي تَولَّت عِدَّة مهام هناك، من كمديرة "سينماتيك طنجة"، قبل أن تدير عدة مؤسسات سينمائية بمدن مغربية أخرى، إذ كرّست جهودها للحفاظ على السينما الهشة ونشرها ودراستها، وكذلك للنضالات السياسية من خلال السينما.

وقالت ليا موران: "لقد عشتُ وعملت في المغرب لأكثر من 10 سنوات، ولا أزال أواصل العمل هناك. هذا الأمر بطبيعة الحال أسهم في تغيير نظرتي للعالم، رؤيتي لتاريخ السينما  وإمكانية كتابته، لا يمكن أن تظل كما هي بعد قراءتي لكتاب (الباب السابع)، وهو سرد لتاريخ السينما في المغرب من تأليف الشاعر والمخرج أحمد البوعناني، كتاب ظل غير منشور لفترة طويلة، شأنه شأن العديد من الكتابات الأخرى عن السينما. إذا كنا نرغب في المساهمة في قلب مركزية المعرفة الغربية".

وشددت على "ضرورة نشر هذه النصوص، بالتوازي مع تداول الأفلام والأرشيف غير المرئي. المشروع التحريري الذي بدأ في السبعينيات في فرنسا على يد غي هانيبال ومونيك مارتيو، عبر مجلة CinémAction  (مجلة لم تحظَ بتقدير كافٍ لفترة طويلة)، والذي كان يهدف للتشكيك في النظام السائد للسينما المهيمنة، من خلال التركيز على السينما المختلفة، النضالية، النسوية، الإقليمية".

وتابعت "هذا المشروع يشكل اليوم أحد أكبر مصادر إلهامي. ولا يمكن أن أغفل عن مجلة CinémArabe (1975-1979)، التي نشرتها في فرنسا مجموعة من النقاد، من بينهم خميس خياطي (الذي غادرنا مؤخراً)، والذين كانوا ملتزمين بالتعريف بالسينما العربية، وكذلك السينما الأفريقية وجنوب أميركا".

وتختم  ليا موران مقالها، قائلة "إذا كان تاريخ السينما ظالماً، مثل مجتمعاتنا والعلاقات السلطوية التي تتحكم بها، فإن مسؤوليتنا هي كشف هذا العنف والعمل على تغييره. فعندما يتعرض شعب للإبادة تُذكِّرُنا السينما، وبخاصة السينما الفلسطينية التي وُلدت من رحم النضال، أن ذلك لم يبدأ بعد السابع من أكتوبر. وعندما تصبح أفكار اليمين المتطرف هي المسيطرة على السلطة، ندرك أيضاً الدور الذي لم يتمكن تاريخ السينما من القيام به في تحدي السرديات الاستعمارية، رغم أن هناك مجموعة هائلة من الأفلام (التي لم نتمكن من مشاهدتها، أو لم نرغب في ذلك)، خاصة تلك التي صنعها النازحون بعد الاستعمار في فرنسا، والمُستعْمَرون السابقون في جميع أنحاء العالم، كان من الممكن أن تحرر خيالنا لنفكر في بدائل جديدة".

رؤية جديدة

حينما نصغي لآراء جيل الألفية الثالثة، ضمن فقرة من هذا الملف بعنوان "أطفال القرن الواحد والعشرين"، الذي رغم عشقه للسينما وكونه ينتمي لنخبة تَدْرُسُ السينما أكاديمياً، يظهر لنا الفرق الكبير بين تصوراته ورؤاه، مقارنة بالأجيال السابقة، لتاريخ السينما ومفهومها، الذي أنضجته على ما يبدو الجائحة ومخلفاتها.

في هذه الفقرة من الملف يجيب 4 شابات، و4 شباب عن أسئلة يطرحها عليهم رئيس تحرير المجلة في شِبْهِ مائدة مستديرة عن دور آبائهم في تكوين عشقهم السينمائي، وعن رأيهم في الأجيال السابقة التي ينتمي إليها آباؤهم، خصوصاً جيل الستينيات والسبعينيات، وهل كانت أكثر عشقاً للسينما من الأجيال الحالية، وعن دَوْرِ صالات العرض التجارية بالنسبة لهم في تكريس تقاليد مشاهدتهم الحالية.

ومن بين الأجوبة الصادمة لهؤلاء الشباب، أن بعضهم لم تعد بالنسبة لهم الصالات السينمائية مكاناً أثيراً للمشاهدة، عكس ما كان عليه الإجماع بين عشاق السينما في الماضي، إضافة لخلاصة أجمعوا عليها بخصوص كون جيلهم لم تعد تعني بالنسبة إليه طقوس الذهاب للسينما ما كانت تعنيه  في الماضي، حتى من يحبونها، وأنهم لاحظوا أن جمهور صالات  السينما أصبح يشيخ بشكلٍ لافت للنظر، خصوصاً جمهور صالات الأفلام الفنية.

لكن رغم كل الجِدَّة التي نجدها عند هؤلاء الشباب بخصوص علاقتهم بالسينما التي تختلف عن علاقة آبائهم بها، فإننا نستشف من أجوبتهم أنهم يفضلون السينما القديمة والكلاسيكية، إلى درجة أنهم يعتبرون أفلام مخرج كإيريك رومر تُعَبِّرُ عن الأجيال الشابة أكثر مما تعبر عنها أفلام حديثة تَدَّعي ذلك الآن، إذ يعتبرون أن "أفلام الماضي كانت تحمل رهانات أكبر وأكثر التزاماً من اليوم".

إضافة لهذه المواد، ضم الملف عدة مقالات أخرى حول إعادة التأريخ للسينما النسائية، وتاريخ سينما (الوسترن) الغرب الأميركي، وعن فيلم "نابوليون" لأبيل جانس، الذي عُرض بالموازاة مع صدور هذا الملف بعد إعادة ترميمه، الأمر الذي اعتبر حدثاً سينمائياً بامتياز في فرنسا.

تصنيفات

قصص قد تهمك