The Substance.. عندما تتحول السينما إلى عربة ملاهي

time reading iconدقائق القراءة - 6
الملصق الدعائي لفيلم The Substance بطولة ديمي مور - instagram/demimoore/
الملصق الدعائي لفيلم The Substance بطولة ديمي مور - instagram/demimoore/
القاهرة -عصام زكريا*

منذ فوزه بجائزة أفضل سيناريو في مهرجان كان السينمائي في دورته الأخيرة، وفيلم The Substance يثير الجدل في كل مكان يعرض فيه، حيث عرض في عدد من المهرجانات، وبدأ عرضه العام في الشهر الماضي، في خطة توزيع غريبة من نوعها، بدأت في بلاد صغيرة لتتسع تدريجياً، وتنتهي بعرضه في الولايات المتحدة هذا الأسبوع! 

جوائز محل شك!

وبعيدا عن الجدل المثار حول مدى أحقيته بالفوز بجائزة أفضل سيناريو من أكبر مهرجانات العالم، فيما اعتبرها البعض أسوأ جائزة سيناريو في تاريخ "كان" (والأمر نفسه ينطبق على فيلم Anora للمخرج شون بيكر الذي فاز بالسعفة الذهبية من نفس المهرجان، واعتبره كثير من النقاد أسوأ فيلم كان مشاركا في المسابقة!!).

بعيداً عن مسألة الاستحقاق هذه، فإن Substance فيلم متوسط، إن لم يكن متواضع فنياً، غير أنه "مثير" على كل المستويات: شعورياً وعقلياً وجنسياً، ذلك أنه يتسم بالإفراط الشديد في كل شيء، حتى بين أشياء متناقضة، فهو يدين هوس المجتمع الحديث بالشباب والجمال إلى درجة العبادة، وإلى درجة الإجرام في حق الآخرين والذات، ولكنه من ناحية أخرى يحول جسدي بطلتيه إلى أصنام Fetish، تتجول الكاميرا بالدقائق حول مفاتنهن، قبل أن ينتقل فجأة إلى التمثيل بهذه الأجساد وتحويلها إلى لحوم مقطعة ومشوهة، ليعود ليحولها إلى Fetish من جديد، وهلم جراً على مدار ساعتين و40 دقيقة، تنتهي باستعراض رعب هزلي للتمثيل بالجسد البشري بشكل عام.

ومن العجيب في أمر هذا الفيلم أنه من تأليف وإخراج امرأة، هي الفرنسية كورالي فارجيت، التي قدمت منذ عدة أعوام فيلماً ناجحاً بعنوان Revenge ينتمي لنوعية "المرأة المنتقمة لشرفها"، يدور، على طريقة أفلام نادية الجندي، حول امرأة تنتقم من 3 رجال اعتدوا عليها وألقوها في الصحراء، وكان من أسباب نجاحه إفراطه في مشاهد العنف والتمثيل بالجسد البشري.

نسوية تكره النساء!

في The Substance، تمد كورالي الخيط إلى آخر ما تستطيع لتصدم وتفزع عين المشاهد، مع الفارق أن العنف هنا موجه من المرأة نفسها إلى جسدها، حتى يحار المرء في كثير من المشاهد هل هذا فيلم "نسوي" حقاً، أم أنه يحمل ضغينة وكراهية مضمرة ضد الجسد الأنثوي؟

يبدأ The Substance بمحتويات بيضة يتم حقنها بمحلول أخضر، فتنقسم وتخرج منها بيضة أصغر، وهو مشهد سرعان ما يتضح معناه بعد قليل.

إليزابيث سباركل (ديمي مور) تقدم برنامج لياقة يجمع بين التدريبات الرياضية والرقص المثير، ومع نزول عناوين الفيلم نتابع مسيرتها عبر بلاطة تحمل نجمة واسمها توضع في شارع المشاهير والنجوم، وتمر السنوات حتى تتآكل البلاطة والاسم.. لقد وصلت إلى سن الخمسين، وحان الوقت، وفقا لمدير القناة هارفي (دينيس كويد)، لأن يقوم باستبدالها بشابة أصغر سنا وأكثر شباباً وجمالاً.

في نوبة غضب تتعرض إليزابيث لحادث سيارة بسيط، وفي المستشفى تتلقى، عبر ممرض جميل وخنثوي الملامح بشكل ملفت، إعلاناً عن "محتوى" دواء يعيد للمرء شبابه، عبر استخراج نسخة منه أكثر شباباً.

بعد تردد، وتحت وطأة الإهانة التي تشعر بها من تعامل رئيس القناة معها، تقرر إليزابيث أن تجرب الدواء، وبالفعل تخرج من ظهرها شابة جميلة جذابة تطلق على نفسها اسم سو (مارجريت كوالي) تدخل اختبار المحطة التليفزيونية، وتحل محل إليزابيث في البرنامج.

"فاوست" راقصة أيروبيك!

لا جديد في الفكرة ولا الحكاية، وطالما ظهرت في أعمال أدبية ومسرحية وسينمائية منذ أيام أسطورة الدكتور فاوست (أو فاوستوس) في العصور الوسطى، ثم تحولت إلى "نوع فني" مع مطلع الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر، حول الإنسان الذي يبيع نفسه للشيطان، للسحر، للعلم، لجراحين التجميل، في سبيل استعادة الشباب.

ولعل أقرب عمل استمدت منه مؤلفة The Substance فكرتها وكثير من مشاهدها وصورها البصرية هو فيلم Death Becomes Her، الذي أخرجه روبرت زيميكس منذ أكثر من 30 عاماً، ولعب بطولته ميريل ستريب وجولدي هون وبروس ويليز، وكان يدور حول امرأتين تتنافسان على حب رجل واحد يعمل كطبيب تجميل، تلجآن إلى إكسير سحري للشباب يحقق لهما الخلود، فتظلان على قيد الحياة رغم ما يتعرض له جسديهما من عنف وانحلال، ويساعدهما طبيب التجميل بعد أن تقوما باعطاءه إكسير الخلود أيضاً.

المثلث موجود في The Substance بطريقة مختلفة: الخطيب الطبيب هو مدير محطة فضائية، وبدلاً من وجود امرأتين، فإن المرأة تنافس شخصيتها الأخرى، وعلى عكس ما يفترض أن الاثنتين شخص واحد، وأن إليزابيث موجودة داخل سو، والعكس صحيح، فإن الفيلم يقدمهما كشخصيتين منفصلتين، ولا يتعمق بشكل كاف لإظهار المشاعر الداخلية المركبة والتناقضات الناتجة عن مسألة ازدواجية الجسد هذه، والتي ينتج عنها ازدواجية في الشخصية بالتبعية.

ابتكار يفسده اللهو

لا غبار على مضمون The Substance، ولا عيب في كونه يلعب على "ثيمة" شعبية وفنية معروفة، وهناك بالفعل ابتكار في معالجة "الثيمة" بشكل مختلف وعصري، يلمس وتراً حساساً للغاية هو هوس النساء بعمليات التجميل.

ومن الطريف أن بطلة الفيلم نفسها ديمي مور، التي تجاوزت الستين، قد قامت بتعريض نفسها لعدد من عمليات التجميل التي غيرت ملامح وجهها، وأعطتها جسداً رشيقاً جميل التضاريس، ولكنها من السيلكون!

ولكن The Substance لا يتعمق في طرح فكرته وابتكاره، بقدر ما ينشغل باللعب على التأثير الحسي على المشاهد، عبر خليط من مشاهد الاستعراض للأجساد النسائية، مع مشاهد الرعب والتقزز، في غلاف من الكوميديا من باب الترفيه والتخفيف، كما لو أن المشاهد يركب عربة دوارة Roller Coaster في بيت الرعب بحديقة الملاهي!

* ناقد فني

تصنيفات

قصص قد تهمك