
تختتم فعاليات الدورة الـ13 من مهرجان "كابروليه للأفلام القصيرة والوثائقية"، بمنطقة الجميزة قرب مرفأ بيروت، الأحد، والذي استمر 3 أيام متواصلة، وشهد عرض عشرات الأفلام من لبنان والعالم.
وفي كلمة مُسجلة، دعت المُخرجة والمُمثلة نادين لبكي التي اُختيرت لتكون الوجه الفني للمهرجان حضور حفل الافتتاح، للتصفيق احتفالاً بالحياة.
وقالت: "لن نقف دقيقة صمت على من ماتوا هنا جراء الانفجار أو جرحوا أو تهدمت بيوتهم، هؤلاء أحرار اختاروا العيش هنا، والحرّ لا يموت، هؤلاء يعيشون في قلوبنا، ننحني ولكن لا ننكسر، لذلك سنصفق ونحتفي بوجودنا وباستمرار الحياة".
ويُعتبر مهرجان "كابروليه للأفلام القصيرة والوثائقية"، أول تظاهرة ثقافية عامة، تقام فعلياً في بيروت بعد انفجار المرفأ، وتتناول الأفلام التي عرضت فيه، قضايا حقوق الإنسان، والعدالة، والمساواة، وحرية التعبير بلغة بسيطة.
وقالت الممثلة برناديت حديب، إن افتتاح المهرجان الذي يقام في المكان نفسه منذ 13 عاماً، جاء كـ"مادة الأكسجين التي تعيد إلينا الحياة وتعيد لبيروت نفسها الثقافي الذي لا يموت".
وأضافت حديب لـ"الشرق": "إقامة المهرجان في موقعه وموعده السنوي، هو فعل مقاومة للموت والقتل والانهيار السياسي والاقتصادي، وهو مكان للقاء الفنانين والجمهور، وللتأكيد أن بيروت تقوم من تحت الدمار ولو بمبادرات فردية".
وعرضت إدارة المهرجان، فيلم "يسقط حكم الأزعر" للبناني فايز أبو خطار، ليكون فيلم افتتاح الدورة الـ13، ويشارك في الفيلم نخبة من الممثلين الشباب منهم فؤاد يمين، وستيفاني عطالله، وجوزيف عازوري.
وقال فايز أبو خطار، لـ"الشرق"، إن "الفيلم يرصد قضايا الفساد التي انتشرت لتكون ثقافة عامة، ولم تعد حكراً على السياسيين فقط".
وأضاف: "حاولت إضفاء نوع من الأكشن والهزل لأن وضع البلد صار سريالياً ولا يمكن وصفه، وقد عالجت فكرة الخيار بين أن يكون المواطن فاسداً أو مواطناً صالحاً".
وتابع أبو خطار: "أردت إعطاء نفحة أمل في نهاية الفيلم، إذ نرى أن الشارع تعاطف مع المواطن الصالح الذي يصبح ضحية النظام والفاسدين، لأقول إن الناس لن تسكت عن الباطل وستنتصر للحق".
وأعرب عن سعادته البالغة لعرض الفيلم في لبنان، بعد مشاركته في مهرجانات عالمية عدّة، مبرراً ذلك بقوله: "الفيلم شعبي وأردت أن يشاهده أكبر عدد ممكن من أبناء وطني، فهو لبناني وفيه رسالة ويخاطب اللبنانيين عبر نكات ولغة هزلية يفهمونها أكثر من الأجانب، فهو في النهاية يحمل صوتهم وهمومهم وصرخاتهم".
وأشار أبو خطار إلى أن "فريق عمل الفيلم، من ممثلين وفنيين، تطوعوا بأجرهم كاملاً لصناعة الفيلم، بهدف الإصرار على العمل والاستمرار في صناعة أفلام ذات مغزى سياسي إنساني وإيصال رسالة للبنانيين أولاً وللعالم أن لغة السلاح والفساد لا مكان لها ولا بدّ للناس أن تحاسب وتقف في وجه الظلم".
برنامج عالمي متنوّع
وعرض المهرجان 15 فيلماً متتالياً كان لإيطاليا ولبنان الحصة الأكبر منها، وتنوّعت بين الرسوم المتحركة والوثائقية و"الفيديو آرت"، ومنها فيلم "A Pirate's Heart" للثلاثي الأوروغوياني ألكسندر رادسينكو، وأنخيل جوميز، وبيدرو فرنانديز، وفيلم "Dakar" لليوناني ستيليوس مورايتيديس، و"Babcia" للأسترالي ناثان سيديا، و "Phosphenes" للبريطاني أندريه دي نيرفو، و"Scapegoat" للبناني رامي يزبك، بالإضافة إلى "Awkward" للأميركية ناتا ميتلوخ، و"رحمة" للمصرية بسمة شريف، و"A life" للإسباني مانويل إتش مارتين.
وشهد اليوم الثاني عرض 16 فيلماً موزعة على الخيال والخيال العلمي والكرتون والتوثيق، من بينها 4 أفلامٍ لبنانية، أما في الليلة الثالثة والأخيرة، فيُعرض 20 فيلماً تتصدرها السينما الإسبانية بـ5 أفلام، تليها الإيطالية واللبنانية بـ4 أفلامٍ لكلٍ منهما، ثم الفرنسية بـ3 أفلام، إلى جانب 4 من سويسرا، وبريطانيا، والدنمارك وبلغاريا.
"جرأة الاستمرارية"
ورفض مدير المهرجان، الرسام إبراهيم سماحة، اعتبار هذه التظاهرة الفنية، أنها فقط فعل مقاومة لكل ما يجري في لبنان من انهيارات، قائلاً لـ"الشرق": "الجرأة ليست في تنظيم المهرجان بل في الاستمرارية وبنجاح".
وشدّد على أهمية "فتح المهرجان منصات لصُنّاع السينما والأفلام القصيرة للاطلاع على إنتاجات عالمية ومناقشة الأفكار وخلق حوار بنّاء والاستمتاع بمشاهدة أفلام تحمل قضايا عالمية تحاكي الحكايات الشخصية والأنثروبولوجية والسياسة والفردية والمسكوت عنه وقضايا الحريات، ولهذا كلّه قررنا منذ الدورة الأولى تأسيس المهرجان لعامة الناس ومجاناً".
وأضاف: "هذا المهرجان يخلق ثقافة لصناعة الأفلام القصيرة وهو مساحة لتقبل الآخر والاختلافات، ومنصة لتشجيع المواهب ويربط المخرجين والفنانين بصناعة السينما العالمية والمهرجانات العالمية التي نتعاون معها، فهو قناة للأفكار والوحدة والتنوع والتبادل الثقافي، بعيداً عن البزخ والسجاد الأحمر والجوائز".
وأشار سماحة، إلى أن "المهرجان هذا العام واجه صعوبات كبيرة محلية وعالمية في ظل انتشار وباء كورونا، والانهيار الاقتصادي وتراجع الدعم بسبب الانكماش الاقتصادي العالمي، خصوصاً أن فريق عملنا أصيب بالانفجار كما أصيب بكورونا وكان علينا أن ننجز أعمالاً شاقة تمتدة لسنة كاملة في أقل من 6 أشهر".
وتابع: "أعمال المخرجين اللبنانيين، خيّم عليها هذا العام اليأس وحب الحياة وما يرافقها من هموم، كما خيّم عليها الرفض للواقع، ففي النهاية نحن نقدم أفلاماً ذات عمق سياسي واقتصادي واجتماعي تحت مظلة الترفيه، لكنها أفلام تحكي لغة الناس وهمومهم وتطلعاتهم ليروا أنفسهم فيها بعكس ما نراه على الشاشات".
وختم سماحة: "إذا استمرّ الفن يستمر في الوجود، هو ما أردنا أن نقوله من خلال المهرجان الذي في عمقه سياسي يحمل همّ الإنسان بلغة بصرية ذكية غير مباشرة ومبتكرة".
اقرأ أيضاً: