أسدل الستار على فعاليات الدورة الرابعة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي، الخميس، في مدينة جدة التاريخية، تحت شعار "للسينما بيت جديد"، فيما فاز الفيلم التونسي "الذراري الحمر" بجائزة "اليسر الذهبية" لأفضل فيلم طويل.
وقالت جُمانا الرّاشد، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي، في كلمتها خلال حفل الختام: "نجد أنفسنا في مفترق طرق فريد بين الخيال والواقع، مساحة تتجاوز فيها الأحلام والحدود، وتثمر فيها التجارب المشتركة لغة عالمية"، مضيفة أن "الفيلم ليس مجرد وسيلة للترفيه، إنه فعل تحويلي من التعاطف، يدعونا للدخول في حيوات الآخرين، لنعيش نبضات ثقافات مختلفة، لنواجه معتقداتنا الراسخة، ولنتوسع في آفاق التجربة الإنسانية".
وأشارت إلى أنه "على مدار هذه الرحلة الرائعة، حققنا أكثر مما كنا نتوقع. معاً، أعدنا تشكيل الرؤى، وأزلنا الحواجز الثقافية، وأضأنا على قصص إنسانية مخفية، وخلقنا لغة عالمية من المشاعر والتواصل. ونحن نجتمع الليلة، محاطين بصناع أفلام مبدعين وشغفهم المعدي بالسرد القصصي، نتذكر أن المهرجان يمثل تحولاً عميقاً، فهو ليس مجرد احتفاء بالسينما، بل شهادة على قوة السرد القصصي في تغيير الحياة وتوحيدنا جميعاً".
وشددت على أنّ "رسالة المهرجان تكمن في تعزيز الأصوات التي غالباً ما تُهمّش، وإعادة تشكيل الواقع لخدمة من لم تُتح لهم الفرص، وخلق مسارات للمواهب الناشئة، وإعادة تعريف الهياكل التقليدية للسينما، فنحن هنا لنثبت أن القصص الاستثنائية يمكن أن تنبع من أي زاوية في العالم".
إحصائيات
واستعرضت جُمانا الرّاشد، نتائج الدورة الرابعة، حيث جرى تقديم 122 جائزة سينمائية، وأكثر من 300 عرض سينمائي، وإصدار 30 ألف تذكرة، واستقبال 530 ممثلاً دولياً من 85 دولة، والتعاون مع 142 منتجاً سينمائياً، فضلاً عن دعم المئات من صنّاع الأفلام الناشئين من خلال برنامج البحر الأحمر للأفلام.
وأضافت أنّ "المهرجان استضاف اجتماعات عالمية للنساء في صناعة السينما، وخلق فرص بحث وتمويل على الإنترنت، وبناء صناعة سينمائية تزدهر فيها النساء، فإننا نمهد الطريق لعصر جديد من صانعات الأفلام"، متابعة: "قمنا أيضاً بإعداد 25 حواراً ستظل أصداؤها تتردد في تاريخ السينما".
وقالت: "ونحن نقترب من عامنا الخامس، فإننا لا نحتفي بمجرد محطة زمنية، بل نلهم جيلاً من رواة القصص الذين سيؤثرون في كيفية رؤية الإنسانية لنفسها، سنواصل دعم المواهب الناشئة، وتعزيز السرديات المتنوعة، وخلق منصات محلية للقصص المحلية"، مضيفة: "نحن لا نصنع الأفلام فقط، بل نكتب الفصل التالي من الفهم الإنساني، إطاراً تلو الآخر، هنا، في البيت الجديد للسينما، دعونا ننطلق معاً في هذه الرحلة".
ووجهت الشكر لكل من شارك في تلك الرحلة، بقولها: "شكراً لكونكم جزءاً من هذه الرحلة الاستثنائية، وللمضي قدماً في دعم القوة التحويلية للسينما".
المكرمون
وشهد حفل الختام، الذي قدّمه قصي خضر وفاطمة البنوي، تكريم النجمة العالمية بريانكا تشوبرا، والتي وجهت في بداية كلمتها عقب استلام التكريم، الشكر إلى القائمين على مهرجان البحر الأحمر السينمائي، أبرزهم جمانا الرّاشد.
وقالت تشوبرا: "أريد أن أهنئ المهرجان، وأهنئ السيدة جُمانا الرّاشد، أنا أشعر بالامتنان لوجودي هنا للمرة الثانية، المهرجان مساحة مذهلة لصانعي الأفلام في جميع أنحاء العالم للالتقاء معاً".
وأضافت: "قابلت هنا زملائي في المهنة والمخرج العالمي سبايك لي، الذي طالما حلمت أن أعمل معهم، واستطعت أن أجري الأحاديث معهم حول السينما"، متابعة: "أود أن أقدم الشكر لعائلتي، لزوجي الذي يقف بجانبي هنا، ولوالدي وهو أول فنان عرفته في حياتي وفقدته عام 2013، لكنه مازال في قلبي، أنا ممتنة جداً لكوني جزءاً من هذه الصناعة الرائعة، وسأسعى للقيام بالمزيد من القصص التي تنال إعجابكم".
كما جرى تكريم النجمة الأميركية فيولا ديفيس، أيضاً خلال حفل الختام، والتي بعثت رسالة مؤثرة على المسرح، عقب تكريمها.
وقالت ديفيس إنّ "رحلتي كمحترفة كانت مليئة بالدهشة، فغالباً ما كان التمييز بسبب جنسي ولوني هو ما وقف في طريقي لتحقيق أهدافي"، متابعة: "لكن طالما أنني ناضلت كإنسانة، نضجت أيضاً كفنانة، فقد كان التحدي الأكبر بالنسبة لي أن أؤكد أنني أستحق الوجود، وأن أفضل هدية يمكنني تقديمها كفنانة هي أن أسمح للعالم برؤية أن الأشخاص الذين يشبهونني أيضاً لهم قيمة".
وأضافت: "يمكن للإنسان أن يترك شيئاً للناس أو أن يترك شيئاً فيهم، وما أريد أنّ أتركه في الناس هو عمل يجعلهم يشعرون بأنهم ليسوا وحدهم". وجاءت تلك التكريمات، احتفاءً بإنجازاتهما الكبيرة على الشاشة، ودورهما المؤثر في صناعة السينما العالمية.
"جائزة الشرق الوثائقية"
وفاز الفيلم الوثائقي "حالة من الصمت" للمخرج سانتياجو مازا، بالنسخة الثانية من جائزة "الشرق الوثائقية"، والتي تمنحها القناة التابعة لـ"المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام" (SRMG)، بالتعاون مع مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي.
وتدور أحداث الفيلم، حول 4 صحافيين مكسيكيين، يخاطرون بحياتهم لتغطية "سياسات المخدّرات" العنيفة في بلادهم.
وتأتي "جائزة الشرق الوثائقية" ضمن التزام القناة بدعم صناعة الأفلام وتعزيز المواهب الناشئة في صناعة الأفلام الوثائقية، كما تسلط الضوء على الجهود المستمرة لتوفير منصّة تفاعلية لصانعي الأفلام لعرض قصصهم.
يُذكر أن هذه النسخة شهدت مشاركة واسعة ومتنوعة، شملت 7 أفلام من السعودية، والأردن، والمكسيك، وفرنسا، ومصر، ولبنان، وتركيا وغيرها.
وبدوره، قال محمد اليوسي، المدير العام لقناتي "الشرق الوثائقية" و"الشرق ديسكفري": "فخورون بتقديم جائزة (الشرق الوثائقية) للعام الثاني على التوالي في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، حيث تعكس هذه الجائزة التزامنا الراسخ بدعم المواهب وتقديم محتوى أصلي وحصري لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، مهنّئاً المخرج سانتياجو مازا على فيلمه الوثائقي المميز.
من جانبها، ثمّنت شيفاني باندايا مالهوترا، المديرة الإدارية لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي "هذه الشراكة الاستراتيجية مع قناة الشرق الوثائقية، لتقديم جائزتها للعام الثاني على التوالي"، مشيرة إلى أن "هذه المبادرة تجسّد التزامنا الراسخ بدعم صُنّاع الأفلام الموهوبين، وتوفير منصّة رائدة لعرض أعمالهم وإبداعاتهم للعالم أجمع".
الجوائز
وفاز الفيلم التونسي "الذراري الحمر" للمخرج لطفي عاشور، بجائزة "اليُسر الذهبية" لأفضل فيلم طويل، كما حصل المخرج على جائزة "اليُسر لأفضل مخرج"، فيما فاز فيلم "إلى عالم مجهول" للمخرج الفلسطيني مهدي فليفل، بجائزة "اليُسر الفضية".
ونال الفيلم المصري "البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو" إخراج خالد منصور، جائزة لجنة التحكيم، فيما حصل الفنان محمود بكر، على جائزة "اليُسر أفضل ممثل"، وذلك عن دوره في فيلم "إلى عالم مجهول".
أما الفنانة المصرية مريم شريف، حصدت جائزة "اليُسر لأفضل ممثلة"، عن دورها في فيلم "سنو وايت"، كما حصل عُدي رشيد، على جائزة "اليُسر لأفضل كاتب سيناريو"، وذلك عن فيلم "أناشيد آدم"، بينما فاز فيلم "لقتل حصان منغولي" بجائزة "اليُسر لأفضل مساهمة سينمائية".
وحصل فيلم "فقس" للمخرجين علي رضا كاظمي بور، وبانتا مصلح، على جائزة "اليُسر الذهبية لأفضل فيلم قصير"، فيما نال فيلم "العازر" للمخرج بيزا هايلو، جائزة "اليُسر الفضية لأفضل فيلم قصير"، بينما حصل فيلم "أطفال البرزخ" للمخرج أحمد خطاب، على تنويه خاص من لجنة التحكيم.
وفازت الممثلة الشابة رولا دخيل الله، بجائزة شوبارد للنجم السعودي الصاعد، أما جائزة العلا لأفضل فيلم سعودي من اختيار الجمهور، ذهبت إلى فيلم "هوبال" للمخرج عبد العزيز الشلاحي، أما جائزة العلا أفضل فيلم دولي، فاز بها الفيلم الفرنسي "جافنا الصغير".
فيلم الختام
واختتم فعاليات الدورة الرابعة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي، فيلم Modì: Three Days on the Wing of Madness، إخراج جوني ديب، وذلك بعدما تلقى دعماً من مؤسسة البحر الأحمر السينمائي، من خلال برنامج البحر الأحمر لتمويل الإنتاجات العالمية.
وتدور أحداث الفيلم، حول حياة الفنان الإيطالي أميديو موديلياني، خلال 48 ساعة عصفت بحياته، مجسداً سلسلة من الأحداث المثيرة والمضطربة في شوارع وأزقة مدينة باريس المتأثرة بأهوال الحرب العالمية الأولى.
ويجد Modi نفسه في مطاردة مع الشرطة، ورغم رغبته الشديدة في إنهاء مسيرته الفنية ومغادرة المدينة، إلا أن هذا القرار يلقى معارضة من قبل زملائه: الفنان الفرنسي موريس أوتريلو، والفنان البيلاروسي شايم سوتين، بالإضافة إلى ملهمته وعشيقته الإنجليزية، بياتريس هاستينغز.
ويلتمس مودي النصيحة من صديقه البولندي، وتاجر الفنون ليوبولد زبوروفسكي، لكن تصل الأحداث إلى ذروتها عندما يواجه جامع أعمال فنية قد يغير مجرى حياته.
ويجسد فيلم Modi، عودة لـجوني ديب إلى مشهد الإخراج السينمائي بعد انقطاعه لأكثر من 25 عاماً، جنباً إلى جنب بمشاركة كوكبة من النجوم العالميين، ريكاردو سكامارشيو، وأنطونيا ديسبلا، وستيفن جراهام، وبرونو جويري، وريان مكبارلاند، ولويزا راينيري وسالي فيليبس، بالإضافة إلى آل باتشينو الذي يجتمع مع ديب للمرة الأولى، منذ فيلم Donnie Brasco الصادر عام 1997.