
عرض مسرح المدينة في العاصمة اللبنانية بيروت، مساء الأربعاء والخميس الماضيين، مسرحية "سجن النسا"، للمُخرجة اللبنانية لينا أبيض، والمأخوذة عن رواية للكاتبة المصرية الراحلة نوال السعداوي.
المسرحية بطولة 14 فنانة شابة من طالبات معهد الفنون والمسرح بالجامعة اللبنانية الأميركية (LAU)، واللاتي جسّدن مذكرات الكاتبة الراحلة عن حبسها في سجن القناطر بالقاهرة عام 1981، وأعادت كلّ منهن رواية حادث أو مشهد أو قصة اقتطفتها المخرجة من الرواية الأصلية "مذكراتي في سجن النساء" لتعبّر عن مسيرة السعداوي الغنية والطويلة.
وخلت المسرحية تقريباً من الممثلين الرجال، إذ كانت أصوات الشرطي ورجال الأمن والمحقّق والمحامي، تتسلل من على لسان ممثلين توزّعوا بين الجمهور، في محاولة من المُخرجة للتعبير عن مدى المعاناة التي تتعرض لها المرأة، وطغيان الثقافة الذكورية الأبوية حتى الآن، لا سيما أنّ حقوق الإنسان في لبنان لا تزال مهدورة، بحسب قول لينا.
وقدم عازف الساكسوفون الهولندي الشهير، توم هورنيغ، بعض المقطوعات الموسيقية في المسرحية، منها مقطع "وصفولي الصبر" من أغنية "ودارت الأيام" لأم كلثوم، في مشهد متخيّل لسيارة أمن الدولة التي تتحدث عنها السعداوي في مذكراتها، في إشارة إلى أنّ "الموسيقى تُحرّض على الحياة والحرية"، بحسب لينا.
صوت نوال السعداوي
لينا قالت لـ"الشرق"، إنّ "نص السعداوي عميق وليس من السهل تحويله إلى عمل مسرحي، وتقبل الجمهور له كما هو، خصوصاً في قالب سردي، لذا أدخلت الموسيقى لتكون أداة راحة ومرونة تعطي الجمهور استراحة ليستوعب ما يُقال ويُروى".
وسبق أن قدمت لينا هذه المسرحية لأول مرة عام 1998، في قالب كلاسيكي واقعي وسجن حقيقي تم تصميمه على خشبة المسرح، وحمام وفناء، حيث تغسل الممثلات (السجينات) ثيابهنّ على المسرح أو ينظفن الأرضية ويمارسن أنشطتهن اليومية في غرفة قذرة وضيقة.
وأضاف: "العرض المسرحي الجديد، طرأت عليه بعض التغييرات، إذ تغيّر الزمن واللغة، وباتت المرأة أقوى، فالنسويات مناضلات مدافعات عن حقوق الإنسان والمرأة في العالم العربي، فكل ممثلة على الخشبة تمثّل نوال، وصدى صوتها اليوم".
وتابعت لينا: "اخترت هذه المرّة أن أظهر تأثير نوال ونضالها الطويل ومخاطبة الممثلات للجمهور مباشرة والتقرّب منه والتفاعل معه، كما كانت تفعل الراحلة متنقلة من محاضرة في مدرسة إلى الكلية إلى شارع الصحافة، والروايات، بهدف التنوير.. فنحن ندين لهذه المرأة كثيراً".
جائحة كورونا
لينا أشارت إلى أنّ "هذا القالب المسرحي البسيط في السينوغرافيا والإخراج الذي اعتمدته هذه المرة، وليد وباء كورونا وتأثيراته علينا، فقد ابتكرت طريقة جلوس الممثلات على كراسٍ خشبية متباعدة من أجل سلامتهنّ الصحية وحفاظاً على التباعد الاجتماعي، كما لم أدخل أي مشهد فيه أغراض يلمسنها ويمرّرنها لبعضهنّ".
وأكدت أنّ "هذا الشكل انسجم مع القالب المسرحي الذي أردته أن يعتمد على السرد لأهم المحطات التي كتبتها السعداوي، وتحيلنا إلى أجواء مصر السياسية والاجتماعية والنضالية في أوائل الثمانينيات".
"بيروت سجن كبير"
لينا أرجعت رغبتها في تقديم المسرحية مُجدداً، إلى حرصها وميريام صفير، مديرة "المعهد العربي للمرأة"، على توجيه التحية إلى نوال السعداوي "المرأة الرائدة الشجاعة والكاتبة القوية التي لا تخاف من طرح أفكارها المنحازة لحقوق الإنسان والفرد والمرأة، وتعرف كيف تحول غضبها إلى أكثر من 50 رواية وكتاب".
وأضافت: "هذا النص يُلخص تقريباً كل القضايا التي أردت أن يسمعها الجمهور، وأن يُمثّل صوت نوال الحقيقي وليس المشوّه، عالياً وواضحاً لجيل قد لا يعرف فكرها جيّداً"، موضحة أنّ "نوال السعداوي بتحدياتها تجذب الناس سواء كن يعارضن أفكارها أو يؤيّدنها، إذ هناك فضول لمعرفة المزيد عن شخصيتها وحياتها والمعارك التي خاضتها مع الرقابة والنظام الأبوي والسياسي والتطرف ومع المجتمع في ما يتعلق مثلاً بختان الإناث".
وأشارت لينا، إلى حرصها على تقديم مسرحية "سجن النسا"، على مسرح عام، بهدف تنشيط المسرح الذي تضرر من الإغلاق العام بسبب جائحة كورونا، والانهيار الاقتصادي، وانفجار مرفأ بيروت.
وقالت: "بيروت تحولت إلى سجن كبير لا يمكن أن نعبّر فيه عن أفكارنا ولا نحصل فيه على أدنى الخدمات والحقوق، وإعادة إحياء المسرح اليوم هي حياة وفعل مقاومة لما نمرّ به من وضع مأسوي".
اقرأ أيضاً: