"إخواتي".. بهجة للعين والأذن إلا قليلاً

time reading iconدقائق القراءة - 8
الملصق الدعائي لمسلسل "إخواتي" - facebook/MediaHub
الملصق الدعائي لمسلسل "إخواتي" - facebook/MediaHub
القاهرة -عصام زكريا*

يضع مسلسل "إخواتي"، أحد أفضل وأغرب أعمال رمضان الحالي، قدماً على الأرض، والأخرى في السحاب، بعض عناصره، مثل المكان والبيئة المحيطة بالشخصيات، واقعية، وبعضها مثل الحوار والأداء التمثيلي كوميدية، أما قصته الأساسية، فتبدأ منطقية لتحلق بعد ذلك في عالم عبثي، يفارق الممكن والمنطق، ويقترب من حدود السيريالية.

منذ الحلقة الأولى، التي تبدأ بزوجة شابة تروي فيها حلماً بأن زوجها قُتل، وتنتهي بالزوج مقتولاً مثل الحلم بالضبط، وتقوم فيها زوجة أخرى (هي أخت الأولى) بوضع يد صاحب مصنع ملابس تحت ماكينة الخياطة، عقاباً على مد يده إلى جسدها، ثم قيامها بإحراق المصنع في اليوم التالي، وتتردد فيها سائقة سيارة أجرة (أخت الاثنتين) على محل مساج، فيما تتردد أختهم الرابعة على عيادة طبيبة نفسية، ينقلنا المسلسل على الفور إلى عالمه الغريب، الذي يشبه الواقع وإن كان غير واقعياً، ويحفل بالأحداث والسلوكيات التي تقف على الحافة الفاصلة بين العقل والجنون.

مبدئياً يبدو "إخواتي" تنويعة على مسلسل "لحظة غضب" الذي عرض موسم رمضان 2024 من إخراج عبد العزيز النجار، وبطولة صبا مبارك، عن سيناريو لمهاب طارق، مؤلف "إخواتي" أيضاً.

مهاب طارق هذا ظاهرة تستحق التوقف عندها، فقد لمع اسمه منذ عامين بكتابته لمسلسل "جعفر العمدة"، ليتبعه في العام التالي بثلاثة أعمال هي "نعمة الأفوكاتو" و"لحظة غضب" و"حالة خاصة"، ليلحقهم هذا العام بـ"ولاد الشمس" و"إخواتي".

غزارة ملفتة، ومريبة، خاصة مع التنوع العجيب ليس فقط للموضوعات، ولكن للأنواع الفنية ووجهات النظر التي تطرحها هذه الأعمال، وربما يخفف من حدة هذه الغرابة أنها أعمال تحمل "ثيمات" وحبكات مألوفة، ولكن يجمعها خيال ميلودرامي شاطح، ومزايا وعيوب فنية مشتركة.

بين "لحظة غضب" و"إخواتي" مشتركات كٌثر، الزوج العنيف المنحرف الذي يقتل بيد، أو حلم، زوجته، والجثة التي يتم إخفاؤها، مرة في خزانة المطبخ، والثانية في "الثلاجة"، وأهله الذين يأتون للسؤال عنه، والسر المشترك بين الصديقات، أو الأخوات، للتخلص من الجثة وتبعات الجريمة.

يجمع بين العملين أيضا ذلك الخيال الشاطح من الصور، والموسيقى التصويرية المناسبة تماماً، والتي ألفها كريم جابر (الوايلي)، الذي اشتهر بعد تأليفه لموسيقى مسلسل "سفاح الجيزة"، والمتميز فيما يبدو في هذا النوع من الأعمال الـcreepy! هذا الوصف الذي يعني المخيف بمصطلحات سينما الرعب، أو Uncanny، الذي يعني الأليف المخيف، بمصطلحات علم النفس الفرويدي، قد يكونا التعبيرين الأنسب لوصف كل من "لحظة غضب" و"إخواتي".. أو كيف يمكن إذن تلقي تلك المشاهد التي تقوم فيها الشخصيات بوضع جثمان الزوج القتيل في الثلاجة، مع الاستمرار في استخدامها كثلاجة للطعام والشراب. 

الأليف والمخيف

لا يبالي سيناريو "إخواتي" بالمنطق، ففي الحلقة الأولى مثلاً عندما تقوم الأخت الكبرى سهى (نيللي كريم) بخياطة يد مخدومها بما يحمله الفعل من تمزيق ونزيف خطير، لا تكتفي بذلك، ولكن تذهب في اليوم التالي لتقوم بسكب البنزين على محتويات المصنع وإحراقه، بينما صاحب المصنع والعاملات يكتفون بالفرجة عليها؟! إنها الرغبة فقط في دفع الأمور إلى الحافة، وتحريك الدراما خطوة، حيث يتعين عليها أن تدفع تعويضا كبيراً؛ مما يجبر زوجها هشام (علي صبحي) على التفكير في بيع الآثار.

قس على ذلك العديد من أحداث المسلسل، مثل نسيان أحد زبائن سائقة التاكسي أحلام (روبي) حقيبة تحمل مليون دولاراً، أو تلك العلاقة العجيبة بين ناهد (كندة علوش) الكوافيرة وزوجها فرحات (حاتم صلاح) الذي يعمل حانوتياً ومشيعاً للجنازات (المستوحاة غالباً من فيلم "السقا مات").

منذ ظهور العناوين الأولى في "إخواتي"، على جدران بيت قديم مغطى بورق الحائط  الملون والممزق، والجميل مع ذلك، يبدو "إخواتي" مثل "قص ولصق" Collage، أو "معارضة ساخرة" Pastiche، من هنا وهناك، لكن بالمجمل تشكل قصاصاته، حتى الناقص والمعيب منها، لوحة متجانسة مبهجة.

يعود الفضل الأول في ذلك إلى المخرج محمد شاكر خضير، الذي قرأ النص بتلك العين الساخرة، وأطلقه من قفص القالب الدرامي المحدد الذي كان يمكن أن يوضع فيه، ليحلق بعيداً.

يحتوي "إخواتي" على موضوعات كثيرة مثل المرأة العاملة والتحرش والعنف الأسري وتجارة الآثار وتهريب المجوهرات وعدم الإنجاب، من كل نوع ولون، بجانب الشخصيات والمهن الكثيرة التي يحفل بها العمل، وجريمة القتل التي يتمحور عليها، وكان يمكن له أن يكون جاداً أو ميلودرامياً أو بوليسياً، لكن خضير رأى فيه روح اللعب والمبالغة، وذلك الإحساس بالغرابة الكوميدية في الوقت نفسه، وهو المزاج الذي تم به تلوين كل عناصر العمل: من حوائط مقدمة العناوين إلى ألوان الديكورات والملابس إلى الأداء التمثيلي والموسيقى التصويرية وأغاني كبار المغنيين الكلاسيكية المنتقاة بعناية في كل حلقة لتشيع الإحساس بالبهجة والشجن.

أخوة الدم والأنوثة

في قلب العمل تكمن "ثيمة" قوة المرأة والتضامن النسائي، وعنوان المسلسل يشير إلى أخوة الدم، وأخوة الأنوثة أيضاً، ويعتمد المسلسل في إبراز هذه "الثيمة" على فريق عمل من النجمات يلعبن أدوار الأخوات الأربعة، وهو ما يعطيه ثقلاً بالتأكيد، رغم أن هذا الثقل يأتي أحياناً على حساب الكيمياء وروح الفريق، كما لو أنه لم يتوفر الوقت الكافي للتدرب ولخلق الانسجام فيما بينهن.

يظهر الأداء الذي يسوده التناغم في بعض المشاهد الثنائية مثل المشاهد التي تجمع كندة علوش بحاتم صلاح، أو المشاهد التي تجمع جيهان الشماشرجي بعلي قاسم، أو حتى المشاهد القليلة التي تجمع الشماشرجي بأحمد حاتم في بداية المسلسل.

وعلى العكس تبدو الكيمياء مفتقدة فيما بين نيللي كريم وعلي صبحي، ومن المؤسف أن روبي، وهي ممثلة ماهرة عادة، هي الأقل تناغماً مع فريق "إخواتي"، كما أنها لا تجيد إلى الآن الأداء الكوميدي، وربما تحتاج إلى تدريبات خاصة في ذلك.

من ناحية ثانية يحكم محمد شاكر خضير قبضته على العناصر المرئية في العمل، ويعمل مع مدير التصوير بيشوي روزفلت على خلق صورة تعزز من الروح السوريالية، فوق الواقعية، للنص.

ويصل في بعض الأحيان إلى نوع من "الواقعية السحرية" المحبب. من المؤسف أن هذا السحر المتمثل في أحلام نجلاء وتحققها والمشاهد العبثية مثل الجثة الثلاجة أو عمل فرحات بالمقابر يتم إفسادها بحلقة متأخرة تكشف أن تحقق أحلام نجلاء كان نتيجة مؤامرات قامت بها الأخوات، وربما كان ينبغي تفسير مقتل الزوج فقط وترك بقية الأحلام دون تفسير لتعزيز الطابع الفانتازي وغير المنطقي للعمل.

يبقى أن "إخواتي" رغم هناته عمل جميل المظهر والمخبر، ممتع للعين والأذن، بجانب كونه عملا "نسوياً" بامتياز، لا يكتفي بالنظر إلى بطلاته كضحايا ضعيفات، ولكنه يصورهن قويات، قادرات على أخذ حقوقهن، خاصة حين يتضامن معاً.

* ناقد فني

تصنيفات

قصص قد تهمك

نستخدم في موقعنا ملف تعريف

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.