"نص الشعب اسمه محمد".. فكرة مبتكرة ظلمها القالب

time reading iconدقائق القراءة - 7
الملصق الدعائي لمسلسل "نص الشعب اسمه محمد" - المكتب الإعلامي لقنوات MBC
الملصق الدعائي لمسلسل "نص الشعب اسمه محمد" - المكتب الإعلامي لقنوات MBC
القاهرة -عصام زكريا*

من بين الأعمال الكوميدية العديدة التي شهدها موسم دراما رمضان الحالي، يطل مسلسل "نص الشعب اسمه محمد"، بفكرة مبتكرة ومفهوم مختلف عن الكوميديا السائدة، تعتمد على الثيمة والمواقف الدرامية أكثر مما تعتمد على لغة الجسد والتهريج اللغوي.

اعتمد بناء المسلسل، الذي كتبه محمد رجاء، وأخرجه عبد العزيز النجار، على لعبة مستمدة من النوع الدرامي الكوميدي "كوميديا الأخطاء"، أو "الهوية الخطأ"، والذي يعتمد على سوء تفاهم يطول، حيث يعتقد أن شخصاً ما هو شخص آخر، وتنتهي العقدة الدرامية عادة بإدراك هذا الخطأ وتصحيحه.

والمصطلح مستقى من مسرحية "كوميديا الأخطاء" لشكسبير، التي تدور حول زوج من التوائم تفرق بينهما الأيام، ثم يلتقون في مدينة واحدة، حيث يخلط الجميع بين كل شخص وتوأمه.

ومن أشهر المسرحيات التي تعتمد على هذه اللعبة "المفتش العام" للروسي نيكولاي جوجول، التي تحولت لعدد من المسرحيات والأفلام المصرية الكوميدية.

تقوم هذه اللعبة عادة على التواطؤ بين المؤلف والمشاهد على حساب الشخصيات، حيث يعرف المشاهد الخطأ، ويتابع تداعياته، متمنياً طوال الوقت أن يزول الالتباس وتنكشف الحقيقة، ويشعر بالتوتر بسبب استمراره، ومن ثم يظل في حالة تشويق وترقب.

ويعتمد التشويق في أفلام ألفريد هيتشكوك عادة على هذا النوع من الهوية الخاطئة، حيث يعتقد البعض أن البطل هو شخص آخر.

شرير عادي جداً

محمد ناجي بطل "نص الشعب اسمه محمد" رجل عادي جداً، زوج وأب لطفلة في الثامنة، لكنه أناني وكاذب، يستحل لنفسه كل الأخطاء بما في ذلك خيانة زوجته مع امرأتين أخريين، واحدة يسعى للزواج منها، ويكتفي من الثانية بالمتعة العابرة، وبما في ذلك الاستيلاء على أموال حماته التي وثقت فيه وعهدت إليه بإدارة محل تملكه.

يجيد محمد الكذب والتلون كالحرباء، ويسعفه الحظ منقذاً إياه من انكشاف أمره مرات، ولكن عندما تتعرف أسرة زوجته على أسرة الفتاة التي يسعى للزواج منها، وتربط بين الأسرتين علاقات صداقة وعمل، يحتاج محمد إلى أكثر من الحظ، الذي يفوق حظ "محظوظ" مجلة ميكي.

يحتاج منه إلى خطة شيطانية للإيقاع بين الأسرتين، والاستمرار في مشروعه للزواج الثاني، والاستمرار في نهب حماته، ويشغل هذا ما يزيد عن ثلثي المسلسل تقريباً، حيث يدفع السيناريو بلعبة الهوية الخطأ إلى حدها الأقصى، ويتجاوز هذا الحد في عدد من الحلقات التي تصل فيها اللعبة إلى درجة مراوحة المكان والتكرار وتجاوز المنطق.

قد يكون هذا العيب ناتجاً عن أن العمل نفسه كان سيناريو فيلم لا يتجاوز الساعتين تم مطه في 15 حلقة تليفزيونية، أو عن خلل في إيقاع الكتابة أحدث فراغاً في المنطقة الوسطى من السيناريو.

ولكن بعد مرور هذه الحلقات الأربع أو الثلاث التي كان يجب الاستغناء عنهم أو ملئهم بأحداث تستحق، يعاود المسلسل عافيته وسرعته وطاقته الكوميدية نتيجة ثلاثة أحداث متوازية تنبئ بأن الحظ تخلى عن محمد فجأة: بالصدفة تكتشف خطيبته أنه يخونها مع صديقتها وزميلتها في العمل، وفي الوقت نفسه يندم خاله الذي كان شريكاً في المؤامرة، ويحاول الاعتراف للأسرتين، وبالصدفة  أيضاً يتسبب وجود الخال بين الأسرتين في انكشاف السر.

وأخيراً.. انقلاب مفاجئ 

هنا، وقد وصلنا إلى الثلث الأخير من العمل، ينقلب الهرم رأساً على عقب، حيث يتحول محمد إلى ضحية خطة مدبرة بعناية تشارك فيها الأسرتان للإيقاع به بعد تجريده من الأموال التي نهبها!

تنبع الكوميديا في هذا العمل من المواقف نفسها، حيث يخلو من كوميديا الاستظراف والنكات السخيفة التي تحفل بها الأعمال الكوميدية الأخرى، بل يخلو العمل من ممثلي الكوميديا المعروفين، باستثناء محمد محمود الذي يعتمد أداءه الكوميدي على الجدية.

من أول عصام عمر الذي يلعب شخصية محمد، وهو ممثل جاد ليس لديه مواصفات الكوميديان المعتاد، إلى شيرين ورانيا يوسف، اللتان تلعبان دوري أم الزوجة وأم الخطيبة، حيث تجمع بينهما كيمياء غير متوقعة، وهما من أفضل ثنائيات التمثيل في هذا الموسم.

ينطبق الأمر نفسه على هاجر السراج ومايان السيد في دوري الزوجة والخطيبة، بجانب دنيا سامي التي تؤدي دور العشيقة بخفة دم وطبيعية، وهي تحديداً يقع أداءها على الحد الفاصل بين الأداء الواقعي والكوميدي، مع محمد عبد العظيم الذي يلعب دور والد الخطيبة ومحمد محمود. ومن مفاجآت العمل غادة إبراهيم في دور الأخت الحقود لرانيا يوسف، وألفت إمام التي تلعب دور والدة محمد، الكارهة لأفعاله، والتي تتمنى أن يلقى عقابه.

التمثيل بسلاسة

اختيار الممثلين هو  العنصر الأفضل في "نص الشعب اسمه محمد"، خاصة أن عبد العزيز النجار يجيد إدارة الممثلين في هذا النوع من الكوميديا الواقعية السريالية، كما فعل العام الماضي في مسلسل "لحظة غضب"، ويرتب النجار بقية عناصره الفنية، مثل التصوير والموسيقى التصويرية و"الميزانسين" (وضع الممثلين والديكورات داخل المشهد)، لخدمة أداء الممثلين الذين يبدون مسترخيين ومستمتعين باللعبة.

يتمتع النجار بحس مسرحي واضح يظهر في المشاهد التي تجمع الأسرتين، دون أن يلتقيا، وفي مشهد مبكر من العمل تجتمع الشخصيات كلها في شقة محمد، حيث تزوره عشيقته، ثم زوجته وحماته، ثم خطيبته وأهلها، بالإضافة إلى خاله، ولكنهم لا يلتقون وجها لوجه.

ويجيد النجار تحريك الشخصيات بين غرف ومدخل الشقة والشارع أسفل العمارة بطريقة مسرحية، تذكر بأعمال محمد عوض ومحمد نجم التي تعتمد على  المصادفات والتوقيت وطبيعة المكان بشكل أساسي.

من حسنات المسلسل أيضا أنه ينوع الأماكن، بين شقق الأبطال والمحل الذي يتحول إلى عدة نشاطات، مثل بيع الهواتف ومستلزماتها وبيع الحلويات الدمياطية التي تجيد صنعها أم الخطيبة، كما ينتقل إلى الإسماعيلية، حيث تقيم والدة محمد، عدة مرات، بجانب رحلة العين السخنة التي تذهب إليها الشخصيات، بالرغم من أن هذه الرحلة إلى الطبيعة تحديداً كان يجب استخدامها بشكل أفضل بدلاً من الاقتصار على الغرف الفندقية الداخلية.

"نص الشعب اسمه محمد" فكرة ممتازة توفرت لها كل عوامل النجاح فيما عنصر واحد فقط، هو قالب الـ30 أو الـ15 حلقة اللذين تحاصر داخلهما الدراما المصرية، مع إن بعض المنصات والفضائيات تتحرر من هذا القالب، فتصنع أعمالاً في 20 أو 10 حلقات. ولو أن "نص الشعب.." صيغ في مساحته الزمنية الطبيعية (التي قد لا تزيد عن 10 حلقات) لصار واحداً من أفضل أعمال موسم رمضان.

* ناقد فني

تصنيفات

قصص قد تهمك