
لمسلسل The Residence، أحدث ثمار التعاون بين منصة نتفليكس والكاتبة والمشرفة على المحتوى شوندا رايز، وجوه متعددة تم خلطها معاً بهدف جعله مختلفاً ومتميزاً، أو على الأقل هذا ما يعتقده صناع العمل.
هو بوليسي وكوميدي، يعتمد على حبكة "من الجاني" والمحقق العبقري الذي يكشف القاتل، ولكن في إطار ضاحك صاخب، ومعظم أحداثه تدور داخل أكبر مقر سياسي في العالم وهو البيت الأبيض، وبعضها يدور داخل قاعات الكونجرس، ولكنه لا يتعرض للسياسة، وإنما يركز على حياة الموظفين البسطاء في هذه الأماكن، ما يجعل مشاهده متحيراً طوال الوقت من أين يدخل على المسلسل؟ وما الذي يتوقعه منه؟ الضحك، التشويق، أم التعرف على كواليس السياسة الأميركية، أم مجرد التعرف على حياة الطبقات المختلفة داخل هذا المكان الشبيه بالفندق؟
يبدأ The Residence بجريمة قتل (أو ربما انتحار) كبير مضيفي البيت الأبيض (وكلمة مضيف هي ترجمة لكلمة Usher التي تترجم عادة بالمرشد (كما تفعل نتفليكس) أو الحاجب (كما تفعل بعض القواميس)، والمقصود منها على أي حال الموظف المسئول عن استقبال وخدمة وتنظيم حركة الضيوف.
جريمة في البيت الأبيض
يلعب الممثل الموهوب والجذاب جيانكارلو اسبوسيتو شخصية كبير المضيفين اي بي وينتر، وهو رجل حكيم خبير كرس الكثير من سنوات حياته في العمل داخل البيت الأبيض، وعاصر عدداً كبيراً من الرؤساء السابقين، قبل أن يموت فجأة أثناء حفل عشاء يقيمه الرئيس الأميركي (وزوجه) على شرف رئيس الوزراء الأسترالي.
تنقلب الدنيا رأساً على عقب داخل المقر الرئاسي، ما بين الفزع من هول ما حدث والرغبة في إخفاءه عن الصحافة والضيوف والميل إلى التقليل من شأن الأمر واعتباره انتحاراً.
تتجمع كل الأجهزة الأمنية والمخابراتية، ويوشكون على "تقفيل" القضية، غير أن شخصية واحدة فقط، هي المحققة كورديليا كاب (أوزو أدوبا)، التي يعتبرها الكثيرون أفضل تحري في العالم، تصل إلى الموقع بناء على طلب قائد شرطة العاصمة، وتصر على البحث عن الحقيقة حتى لو عني ذلك استجواب جميع الحاضرين والضيوف الذين يقدر عددهم بـ157 شخصاً!
قصة ربما تكون قد قرأتها أو شاهدتها مئات المرات من قبل، الجرائم تتشابه، ويختلف المحققون من شيرلوك هولمز وهيركل بوارو إلى كولومبو والسيدة ماربل، من بين كثيرين، يجمع بينهم أنهم جميعا يحملون لقب أفضل تحري في العالم.
دهاء.. وذكاء
على مدار 8 حلقات تواصل المفتش كورديليا تحرياتها، وتتنقل أصابع الاتهام من واحد تلو الآخر، قبل أن تتبين الحقيقة في المشاهد الأخيرة كالعادة، وهي المفاجأة التي يراهن عليها العمل لإبهار مشاهديه بدهاء المجرم وذكاء التحري.
يعتمد المسلسل الذي كتبه له السيناريو بول ويليامز ديفيز، على كتاب بعنوان The Residence: Inside the Private World of the White House تأليف كيت أندرسين براور، صدر في 2015، وهو بالمناسبة ليس رواية وليس به أي جرائم، بل قصصاً واقعية من شاهدة عيان على بعض تفاصيل وكواليس الحياة داخل البيت الأبيض. هذه الكواليس التي اعتمد عليها صناع العمل بالأساس لـ"جعل" مسلسلهم مختلفا عن غيره من مئات الأعمال البوليسية المشابهة.
وباستثناء بعض التفاصيل الظريفة التي تتناثر عبر الحلقات، فليس هناك شئ مثير للفضول أو يدعو للاهتمام في مقر الرئاسة، على الأقل حسبما يظهر في المسلسل.
ربما كان الأفضل لو ركز المسلسل على نظام العمل والحياة والشخصيات التي تعيش كما لو كانت في فندق، ذلك أن موضوع الجريمة والتركيز على عمل كورديليا حال دون التركيز على أي شئ أو شخص آخر، كما أن الصبغة الكوميدية للعمل، التي تصل لحد المبالغة "الفارص" أحياناً، تحول من ناحية ثانية دون تصديق ما نراه أو أخذه مأخذ الجد.
بانوراما حية وتدبيرات مفتعلة
لعل العنصر الأفضل في The Residence هو اختيار الممثلين، بداية من أدوبا واسبوسيتو إلى راندال بارك في دور ضابط المباحث الفيدرالية الذي يعمل كمساعد للمحققة، بالرغم من اعتقادها الدائم بأنه معين لمنعها من التوصل إلى معرفة بعض الأشياء المهمة، ومعظم الممثلين الآخرين الذين يرسمون بانوراما حية من الشخصيات المتباينة والعلاقات المتشابكة.
رغم خفة دم العمل إلا أن كل شئ فيه يبدو "مرسوماً" لمخاطبة الجمهور، مثل إعطاء كل حلقة عنواناً مقتبساً من كلاسيكيات الروايات والأفلام البوليسية: تحمل الحلقة الأولى، مثلا، عنوان The Fall of the House of Usher وهو اسم قصة قصيرة للشاعر ورائد أدب الرعب إدجار آلان بو (العنوان سبق استخدامه أيضا في مسلسل رعب من انتاج نتفليكس).
وتحمل الحلقة الثانية عنوان Dial M for Murder، الفيلم الشهير لألفريد هيتشكوك. أما الحلقة الثالثة فتحمل اسم الفيلم الحديث Knives Out، وهلم جراً!
هناك أيادٍ عدة تظهر بصماتها في المسلسل: المنتجة شوندا رايمز، وكاتب السيناريو بول ديفيز، واثنين من المخرجين هما ليزا جونسون (للحلقات الأربعة الأولى) و جافور ماهمود، أو جعفر محمود للحلقات الأربعة الأخيرة.
يد للتشويق والغموض ويد للكوميديا ويد للإحالات السياسية ويد لوضع لمسات الصوابية، مثل تخيل وجود رئيس متزوج من رجل، إلى آخر هذه الحسابات المعقدة التي يلجأ لها معظم صناع الدراما في السنوات الأخيرة.
تسلية مؤكدة يعقبها النسيان
والنتيجة؟ رغم كل العناصر الجيدة والنوايا الطيبة في العمل، ورغم أن المشاهد سيقضي غالباً وقتاً لطيفاً مشوقاً (باستثناء بعض الفقرات الطويلة المملة والخارجة عن السياق)، إلا أنه عمل مرشح للنسيان السريع.. يحاول أن يكون أشياءً كثيرة في الوقت نفسه، ويحاول أن يتطرق لموضوعات وأفكار كثيرة: مثل ردود فعل الأجهزة الأمنية وصراعاتها فيما بينها والصراعات الحزبية داخل الكونجرس، ولكنه يعالجها بضحالة، وبدلاً من استخدام الكوميديا للتحلي بمزيد من الجرأة، يستخدمها العمل لتسطيح الموضوعات والشخصيات والصراعات.
ربما يكون The Residenceمسلياً، وجيد الصنع إلى حد كبير، وهو يقدم بالفعل بانوراما لعالم مهم وغير معروف لمعظم الناس، ولكن خسارة أنه ضيع فرصة عمل كان يمكن أن يشبه The Crown البريطاني من أجل بضعة ضحكات مفتعلة ودراما مستهلكة.
* ناقد فني