صناعة الكوميديا العراقية تحنُّ إلى "أيّام العز"

time reading iconدقائق القراءة - 5
يشاهدون عرضاً سينمائياً  في أربيل، شمال العراق - AFP
يشاهدون عرضاً سينمائياً في أربيل، شمال العراق - AFP
بغداد-الشرق

لا تزال ذاكرة العراقيين حافلة بأعمال فنية ومسرحية كوميدية، صنعت مشهد الدراما في بلادهم لسنوات عدة. لكن الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية الصعبة التي تشهدها بلاد الرافدين منذ سنوات تسببت في تعطيل الحياة الفنية والثقافية بشكل كامل، وأثرت على ظروف الإنتاج والإبداع، ما جعل الكوميديا العراقية تتهاوى ما بين التسطيح والتهريج وغياب الهدف.

تراجع الإنفاق 

تعليقاً على واقع الفن المرئي والمسموع في العراق حالياً، قال الناقد السينمائي صالح الصحن لـ"الشرق" إن "الإنتاج الدرامي يعتمد على أمرين أساسيين هما المؤسسات الحكومية والخاصة"، لافتاً إلى أن "المؤسسة الحكومية عادة تتحاشى دعم الإنتاج الدرامي بسبب قلة المخصصات المالية لها، أما المؤسسة الخاصة فلم تعد تجازف بأموالها من أجل إنتاج الدراما".

وأشار الصحن إلى أن "القنوات المحلية تعاني هي الأخرى عدم الجرأة في تداول الموضوع الكوميدي، كونها تنتمي إلى أحزاب سياسية قد ترى في الكوميديا والدراما مادة غير مهمة للتداول"، معتبراً أن "الإنتاج الذي يتصدر بعض القنوات في شهر رمضان لا يعدو كونه تمضية للوقت".

وانتقد الصحن "الأعمال المحلية التي لا تصلح للتصدير، بسبب عدم احتوائها على قيمة جمالية من حيث اللغة والمضمون والصناعة والمؤثرات البصرية الأخرى".

أعمال سطحية

وانتقد الصحن محاولة بعض المنتجين والمخرجين العراقيين "إقناع الجمهور الذي تشبّع بمتابعة الأفلام والمسلسلات الدرامية العربية والأجنبية، بمادة ساخرة لا ترتقي إلى الكوميديا ولا تُناسب ذوق المشاهد والثقافة التي يحملها بلد مثل العراق".

وأشار  إلى أن "هناك محاولة لتسطيح الأعمال الدرامية، خصوصاً الكوميدية منها، من خلال مخاطبة الطبقة البسيطة والنزول إلى مستواها، وهو ما يخالف الأهداف التي تحملها الكوميديا، في حين أن الإنتاج الكوميدي عامل مهم في الدراما التلفزيونية، وليس عملاً سهلاً كما يتصوره البعض".

 ودعا الناقد السينمائي إلى "تأسيس هيئة تحت رعاية اللجنة الثقافية في مجلس النواب ووزارة الثقافة ونقابة الفنانين"، موضحاً "أهمية أن تضطلع هذه الهيئة بمهمات فحص النصوص الدرامية قبل إنتاجها، لضمان جودتها وفق شروط معرفية وفكرية وأخلاقية وروحية، فلا تسبب إشكالات في المجتمع".

مواقف الأحزاب

ولم تقف صعوبة إنتاج الكوميديا على نقص الأموال وغياب الرقابة فحسب، بل ثمة أسباب أخرى. وفي السياق، قال المخرج الكوميدي علي فاضل لـ"الشرق" إن "آلية صناعة الكوميديا صعبة نوعاً ما، خصوصاً الساخرة منها".

وتابع: "على سبيل المثال لدينا شريحة معينة في المجتمع العراقي ستكون مرتاحة من الكوميديا شرط ألا تنتقدها، لأنها ستتحول حينها إلى سهام موجهة لإسقاط العمل الكوميدي برمته".

ولفت فاضل إلى أن "ثقافة تقبل النقد بدأت تزداد في العراق، ولكنها لم تصل إلى المستوى المطلوب لغاية الآن". قال إن "الفنان العراقي كان يعيش من دون حماية لفترة طويلة قبل أن يتم بث الروح في نقابة الممثلين".

واعتبر المخرج الكوميدي العراقي أن "بعض الأحزاب الإسلامية التي ترفض الفن ولا تحبه ولا تريد تطويره تتصدر نظام الحكم في العراق، ويأتي هذا الموقف رغم من أن الدول التي تواليها هذه الأحزاب راعية للفن، سواء إيران أو تركيا أو مصر". وأضاف: "من هنا، بات الفنان يلجأ إلى إقامة علاقة مع جميع الجهات السياسية والحزبية في العراق لضمان عدم المساس به".

مشكلة النصوص

منافسة الأعمال الكوميدية العربية التي تطل كل عام بحلة جديدة، هي مسألة صعبة نسبياً، بحسب ما قال الفنان لكوميدي إياد راضي لـ"الشرق"، لافتاً إلى أن "السبب في ذلك يعود إلى ضعف تسويق الأعمال العراقية ذات الطابع المحلي".

وحذّر راضي من "تقوقع الأعمال في المجال العراقي لأن ذلك لن يطوّر أداءها". ورأى أن "مؤسسة الإنتاج بحاجة إلى منتج جيد يأخذ على عاتقه تمويل العمل بكل تفاصيله، إلى جانب توفير كتّاب للنصوص على مستوى عالٍ من الإدراك والحس الكوميدي، فضلاً عن الفنيين، والتفاصيل الأخرى".

وأشار الفنان الكوميدي إلى أن "بعض شركات الإنتاج في العراق تعاملت في العامين الحالي والسابق مع كتّاب سوريين مهمين، لإحداث نوع من المنافسة والتطوير، ما أدى إلى الخروج بنتائج جيدة"، لافتاً إلى أن "ظروف إنتاج الكوميديا في العراق تعاني صعوبات بالغة تصل إلى حد الاعتماد على الصدفة التي تحدثها المنافسة بين القنوات الفضائية في بعض الأحيان، فالأعمال الدرامية بعيدة من التخطيط أو الجدولة أو الدراسة".

وقال راضي: "أحاول تقديم أشياء مختلفة تلامس هموم الشارع العراقي، مستغلاً قرب المتلقي من الكوميديا التي تترك أثراً سريعاً، كونه يعاني ضغوطاً نفسية وأزمات اقتصادية، فيكون الترويح عنه حاجة أساسية تخرجه من واقعه المتأزم".