
منذ اللحظات الأولى لعرضه على منصة "نتفلكس"، كان المسلسل السعودي "وساوس" للمخرجة السعودية هناء العمير حديث الجمهور، كتجربة درامية سعودية مختلفة على منصة البث الأشهر، وهو الآن في قائمة أكثر عشرة أعمال متابعة على المنصة في السعودية.
تدور أحداث العمل حول عائلة تواجه شكوكاً تحيط بوفاة كبيرها، والذي يعود ماضيه الغامض إلى الظهور قبل أيام من الموعد المنتظر لإطلاق التطبيق الجديد لشركته، لتتكشف الحقائق وفق سرد أبطال العمل في كل حلقة من حلقاته الثمان.
تفاوتت ردود الفعل على العمل ما بين إعجاب بطابع الغموض والتشويق الجديد على الدراما الخليجية، ورافض لهذا الشكل من الدراما. لكن هناء العمير ترى في حوارها مع "الشرق"، أن هذا النمط جديد ولم يجرب كثيراً في الدراما الخليجية.
كيف كانت بدايتك مع هذا العمل؟
البداية كانت بتواصل مع الشركة المنتجة قبل سنة ونصف. كتب القصة محمد عبد الصمد وأنور أبو الخير وهما صاحبا الشركة، وكانت لديهما رغبة بتحويلها إلى مسلسل تتولى إخراجه امرأة، لأن أغلب شخصيات القصة من النساء. وكان أن اتصلا بي.
ما الذي جذبك إلى المسلسل؟
أحببت القصة ووجدتها فكرة غير تقليدية، ذلك أن الشخصيات مختلفة عن المعتاد. والحقيقة أن طريقة سرد الحكاية من خلال وجهات النظر المتعددة، هي أكثر ما جذبني في القصة. في البداية، تحدثنا كثيراً في التفاصيل، ثم انتقلنا إلى كيب تاون في جنوب أفريقيا لمعاينة مواقع التصوير، ثم عدت من هذه الرحلة وبدأنا التحضيرات، وتخيلت الشخصيات منذ القراءة الأولى، وهكذا بدأت تتشكل عندي المشاهد، ثم كانت النسخة الأخيرة من كتابتي بناء على رؤيتي، واستمر النقاش والتجهيز حتى آخر لحظة قبل التصوير.
أنتِ مخرجة سينمائية وهو القالب الأقرب لقصة "وساوس" لكنك اخترتِ تقديمه تلفزيونياً.. لماذا؟
أنا منحازة للسينما بكل تأكيد، لكن الشركة المنتجة منذ البداية طرحت المشروع كمسلسل تلفزيوني، لدي بالفعل مشاريعي السينمائية، لكن التلفزيون يتواصل مع قطاع كبير من المشاهدين، وأحياناً من المغري للمخرج أن يعمل على قصة طويلة ليجرب قدراته في السرد البصري. وبالفعل، كان هذا تحديا جميلاً.
كيف وقع الاختيار على فريق العمل من ممثلين وفنيين؟
أساس الاختيار هو طبيعة الشخصية، ومن الممثل أو الممثلة الأقرب لتمثيله. تواصلت مع الممثلين وتحدثنا في تفاصيل الشخصيات، كان من المهم بالنسبة إلي أن يحب الممثل الدور الذي سيقدمه، من كان متحمساً للدور كان هو المرشح الأفضل، وكل من وقع عليهم الاختيار كانوا كذلك.
وعندما بدأنا، لم نكن نعلم أننا سنصل إلى "نتفلكس"، وهي بالمناسبة اشترت العمل ولم تنتجه، لكننا كنا حريصين على أن نقدم تجربة مميزة ومختلفة، وسافرنا إلى كيب تاون لأن هناك طواقم فنية تمتلك خبرة كبيرة، ولأننا حريصون على أن تكون المواصفات الفنية ملائمة وهذا ما وجدناه هناك.
الفريق الفني السعودي اختير بعناية، وكان المدير الفني أحمد باعقيل من أول المنضمين للفريق، وكنا حوارنا منصباً على طبيعة العمل وخلق الأجواء للشخصيات وأن تكون البيئة السعودية واضحة في المنازل وتفاصيلها.
ما الصعوبات التي واجهتكم في مراحل بناء العمل وحتى مرحلة التصوير؟
هذه التجربة كانت بالنسبة إليّ، أول تجربة تلفزيونية في ثمان حلقات. هذه أطول فترة تصوير أخوضها، سبق لي كتابة أعمال طويلة، لكن التحدي يكمن في هذا المنظور المختلف، ولأن نمط المسلسل هو الغموض والتشويق، فقد كانت الصعوبة في الحفاظ على الإيقاع وتكرار بعض المشاهد من دون ملل.
في بداية التصوير، كان نصف الفريق من السعودية والنصف الآخر من جنوب إفريقيا، هذا الأمر خلق بعضا من الصعوبة، لكن سرعان ما حصل الانسجام، ثم جاءت وفاة مدير التصوير أثناء العمل لتمثل حادثة صعبة علينا كطاقم للعمل، كان هذا أكبر تحدٍ واجهناه، أكملنا التصوير وفي قلوبنا غصة.
ماذا يعني لك عرض المسلسل على "نتفلكس" وكيف ترين مستقبل منصات البث الرقمية؟
بالتأكيد كنت سعيدة بذلك، بعد التصوير. أرسلنا العمل إليهم فأعجبهم، تابعنا معاً التفاصيل التقنية إلى المرحلة الأخيرة. الوصول إلى المشاهد العالمي وليس السعودي أو العربي مهم جداً بالنسبة إليّ، لأن هذه المنصات فتحت أبواباً لتجارب مختلفة. فالمُعلن لم يعد مُسيطراً على تفاصيل العمل، إذ أن المشاهد هو المعيار في هذه المنصات، وهي تفتح أبوابا أوسع للتجارب الفنيةـ لأن لدينا جمهوراً متنوعاً. كما أن عدد الحلقات اختلف، ولم يعد زمنها مرتبطاً بفترة بث محددة وبعدد حلقات أطول، وهذا بالتأكيد في صالح العمل.
كيف كانت ردود الفعل بالنسبة إليك.. خصوصاً وأن البعض هاجم العمل باعتبار أنه يسيء إلى المجتمع السعودي؟
تلقيت ردود فعل إيجابية. الكثيرون أحبوا العمل، وأخبروني أنهم لم يشاهدوا دراما سعودية من قبل. لكن هذا العمل عرفهم عليها، أحبوا أيضا نمط الحلقات القصيرة، ثمان حلقات شاهدوها في أربع ساعات وكأنه فيلم طويل، وهذا بالنسبة إليّ بمثابة جائزة حقيقية.
هناك بالطبع ردود فعل رافضة، وهذا أمر طبيعي، لكن المسلسل مختلف عما هو معتاد من دراما اجتماعية. "وساوس" جاء بأسلوب جديد من الغموض ليس مألوفاً في الدراما الخليجية، كما أن طبيعة الشخصيات وأسلوب حياتها ليس بالنمط المعتاد في الأعمال التلفزيونية السعودية. علماً أن البعض تحفظ على هذا، لأنه لا يرى أن هذه الشريحة موجودة في المجتمع، لكن الواقع أن لدينا في مجتمعنا شرائح متباينة، بل أن بعض الناس يعيشون نمطاً مختلفاً عن أسرهم، ونحن اعتدنا في الدراما على التنميط نموذج ما وتعميمه على أنه واقع المجتمع بأكمله، وهذا غير صحيح. كما أن هناك خلطاً عند البعض بين الواقع والخيال. وهذا كله طبيعي، فلا يوجد عمل يمكن أن يحوز رضا الجميع.
بعض الآراء اتجهت إلى أن "وساوس" سحب بساط الدراما الخليجية من الكويت.. ما تعليقك؟
أعتقد أن لكل عمل جمهوره ومحبوه. اختلاف الدراما وتنوعها يثري الساحة الفنية. وأنا مؤمنة بأن لدينا جمهوراً متنوعاً، لا يرضيه أن نقدم له نمطاً واحداً، وبالنسبة للمسلسلات الخليجية وتحديداً الكويتية، فهي ناجحة وتحظى بجماهيرية كبيرة. لكن تقديم أنماط متنوعة أخرى أمر رائع ويعطي وهجاً للحالة الفنية.
كيف ترين مستقبل الدراما والسينما السعودية في هذه الفترة؟
المستقبل واعد جداً. نحن في مراحل تأسيس ومخاضات. كل شيء الآن اختلف، أصبحت لدينا مهرجانات ودعم حكومي وصناديق تمويل. السينما بدأت تحتل مساحة وهناك أعمال سينمائية طويلة. وبدءًا من العام الماضي أنتجت أفلام، وحصلت أخرى على تمويل. أعتقد أننا سنشاهد في السنوات القادمة أفلاماً سعودية مميزة، وهناك أيضاً نشاط متزايد للمسرح، وكل هذا يؤكد أننا مُقبلون على مرحلة واعدة جداً للفنون.
ما مشاريعك المقبلة؟
السينما لها نصيب الأسد لديّ دائماً. وبالفعل أحضر لفيلم طويل لا يزال في مراحل إعداده الأولى.