خاص
فن

"الشاطر".. إعادة تدوير متسرعة لوصفة البطل الشعبي

time reading iconدقائق القراءة - 8
الملصق الدعائي لفيلم "الشاطر" - المكتب الإعلامي للشركة المنتجة
الملصق الدعائي لفيلم "الشاطر" - المكتب الإعلامي للشركة المنتجة
القاهرة -عصام زكريا*

يبدو أن السينما المصرية تعيش عصر "الأكشن الكوميدي" الذي بدأ منذ عدة سنوات ويتوقع أن يستمر لسنوات قادمة، هذا النوع الفني القديم، الذي ظهر واختفي عدة مرات على مدار تاريخ السينما، له، مثل معظم الأنواع الفنية، دورة حياة ترتبط بظروف مركبة تتعلق بذوق الجمهور وظروف الصناعة والسوق وأشياء أخرى يصعب الامساك بها، لكن الخلاصة أننا نعايش الآن ذروة انتعاش هذا النوع، وليس من المنتظر أن نفتقده قريباً.

أحدث منتجات هذا النوع فيلم "الشاطر" الذي بدأ عرضه الأسبوع الماضي، من تأليف وإخراج أحمد الجندي (المتخصص في الكوميديا) وبطولة أمير كرارة (المتخصص في الأكشن) بجانب إثنين من أحدث أيقونات السينما المصرية الآن، وهما هنا الزاهد ومصطفى غريب. 

تشابهات الوصفة الجاهزة

ينضم "الشاطر" إلى ثلاثة أفلام تعرض وتحقق إيرادات "معقولة" حالياً، وهي "المشروع ×" لكريم عبد العزيز و"ريستارت" لتامر حسني و"أحمد وأحمد" لأحمد السقا وأحمد فهمي.

هناك سمات مشتركة بين الأفلام الأربعة، على رأسها احتوائهم على الأكشن والكوميديا، بدرجات، وفيما يميل "×" إلى الأكشن أكثر، يميل "ريستارت" إلى الكوميدي، أما "أحمد وأحمد" و"الشاطر" فيتقاسمان الأكشن والضحك بالعدل، وفوق ذلك يتشابهان في الأفكار ورسم الشخصيات وحتى تنفيذ مشاهد الحركة وبقية "الوصفة الفنية" السائدة الآن، مثل الاعتماد على ضيوف شرف والاستعانة ببعض الممثلين العرب والتصوير في مدن وبلاد متعددة.

مع ذلك، ورغم الوصفة المشتركة والتشابهات، لكن هناك فارق ملحوظ بين الاثنين، لصالح "أحمد وأحمد"، على مستوى الكتابة والتنفيذ ودرجة التشويق وجرعة الضحك.

بداية يعتمد "الشاطر" على سيناريو نيئ تم التهامه قبل أن ينضج بعد، يمتلئ بالثغرات والتلفيق ويفتقد للمصداقية ( لا أقول المنطقية، ففي الفن يمكن أن يكون الشئ لامنطقياً ولكن قابل للتصديق).

حكاية نيئة

قصة الفيلم مزيج من القصص المتداولة في أفلام الأكشن: شاب "عضلات" مغوار تقوم عصابة مافيا باختطاف أخيه في تركيا (أو يعتقد ذلك)، فيقوم مع صديقه، السنيد المضحك، بالسفروالتسلل إلى قصر زعيم العصابة، حيث يلتقي بالفتاة الجميلة (الشريفة، التي ترفض الزواج من زعيم العصابة)، وتبدأ سلسلة من المطاردات والمعارك ينتصر فيها الأخيار بالقضاء على كل المجرمين (معظمهم) والفوز بمئات الملايين من الدولارات! 

تحيلنا القصة، بداية من اسم الفيلم والبطل، إلى شخصية البطل الشعبي التقليدية في الملاحم والسير والمواويل وأفلام السينما المصرية: الشاب الطيب الذي يضطر إلى الخروج على القانون لإنقاذ الأبرياء وللاحتيال على المجرمين الكبار.

وكلمة "شاطر" نفسها إشارة إلى فئة من الناس ومهنة مشابهة يمكن أن نجد تاريخها في كتاب "الشطار والعيارين" للدكتور محمد رجب النجار (سلسلة عالم المعرفة- الكويت)، كما أن اسم أدهم يحيلنا إلى واحد آخر من هؤلاء الأبطال الخارجين على القانون.

هذا التبسيط في استخدام النمط نموذج للطريقة التي كتب ونفذ بها فيلم "الشاطر"، من دون أي جهد ظاهر في الصقل والتجويد ولا نطمع في الابتكار. 

منذ اللحظة الأولى يتبدى التنفيذ المتعجل للسيناريو النيئ: بطل الفيلم أدهم الشاطر (أمير كرارة) هو ممثل stunt  (دوبلير) يقوم بالحركات الخطرة بدلا من النجوم، وهي شخصية سبق أن قام بها إسماعيل يس في إسماعيل يس في الطيران" وعادل إمام في "نص ساعة جواز" وبراد بيت في Once Upon A Time In Hollywood. ولكن الغريب هنا، أن المشاهد التي يظهر فيها أدهم الشاطر كـ"بديل" تخلو من الممثلين الذين ينوب عنهم، وهو يقوم بالحركة والمطاردات والمعارك ووجهه أمام الكاميرات! واضح أن صناع الفيلم لم يكلفوا أنفسهم "حبك" حقيقة أنه مجرد "دوبلير"، على العكس مثلا من الأفلام سابقة الذكر.

المدهش أن صناع الفيلم أتوا بالنجمة شيرين رضا لتؤدي شخصيتها في أحد هذه المشاهد، كما استعانوا بعدد آخر من النجوم كضيوف شرف على مدار الفيلم، ولكنهم لم يأتوا بنجوم  يؤدي الشاطر مشاهد الحركة بدلا منهم، بالرغم من أن هذه المفارقة عادة ما تكون مضحكة.

تمثيل كسول

الطريف أيضا أن راوي الفيلم، الذي يؤدي صوته النجم ماجد الكدواني (وهي حيلة لطيفة لجأ إليها أمير كرارة في فيلمه السابق "البعبع" حين استعان بمنة شلبي كراوية للفيلم!) يروي أن أدهم الشاطر كان يتمنى أن يكون ممثلا، ولكنه فشل، ومع صوت الراوي نرى مشهدا لأدهم في شخصية صعيدي يتلقى خبر وفاة أهله، فيكون رد فعله رديئا لدرجة أن المخرج يطرده.

الطريف هنا أن الفيلم يحتوي على مشهد يتلقى فيه أدهم  خبر مقتل أخيه على يد المافيا، ويفترض هنا أن مقتل أخيه حقيقي وليس دوراً يؤديه، ولكن رد فعل أمير كرارة يبدو على نفس الدرجة من الكسل الذي أبداه وهو يمثل شخصية الصعيدي!

 أمير ممثل جيد، خاصة في المشاهد الجادة حين يحزن أو يتجهم، ولكن أداءه هنا، سواء في المشاهد الكوميدية أو الجادة، أقل من إمكانياته جدا. وهذه بالطبع مسئولية المخرج "المتعجل".

ينطبق الأمر أكثر على هنا الزاهد: صحيح أن إمكانياتها كممثلة محدودة، ولكن على الأقل لديها خبرة طويلة في الكوميديا سواء في المسلسلات أو السينما، وقد صنعت اسلوبا يقع في المنطقة الوسطى بين الأداء العادي والمبالغة "الفارص"، وهي تملك صوتا خشنا لا يتناسب مع ملامحها الرقيقة، ولكنه مناسبا لبعض الأدوار، الكوميدية غالباً.

ولكن هنا، لا يوجد من هنا الزاهد سوى أداء كارتوني مفتعل وصوت مزعج طوال الوقت. وهذا أيضاً نتاج كتابة سريعة التحضير وإخراج متعجل.

الكتابة والإدارة "المتعجلة" للممثلين تمتد لتشمل أحمد عصام السيد الذي يؤدي شخصية الأخ الأصغر صانع المشاكل، وأحمد محبوب ومضحك وله شعبية بين جمهور مواقع التواصل، ولكن حضوره باهت هنا، والأكثر منه النجم اللبناني عادل كرم، وهو ممثل مخضرم ومتميز، ورغم أنه يلعب دور شرير الفيلم الذي يفترض أن يثير الرهبة والخوف، إلا أن حضوره باهت أيضا. 

لحظات من الجودة

الوحيد الذي يبرز هنا هو مصطفى غريب، ربما لإن الكوميديا منطقته الأليفة، ولإن الشخصية التي يؤديها (الصديق الأحمق) قد سبق له تقديمها في أعمال كثيرة أشهرها "أشغال شقة" و"أشغال شقة جدا". 

وبجانب غريب يمكن الإشارة إلى الأداء الجيد المعتاد لكل من خالد الصاوي وأحمد مكي وشيرين رضا في المشاهد القليلة التي يظهرون فيها، ربما لإن شخصياتهم واضحة المعالم كتابة والعمل معهم يستدعي بالضرورة تركيزا وتحضير جيد.

الكوميديا هي منطقة المخرج أحمد الجندي أيضا، التي يبدو خارجها كالسمك خارج الماء، ومهارته تتجلى في بعض المشاهد بالفعل، ولكن حين يأتي الأمر إلى الأكشن يبدو بالفعل مثل السمكة على البر، رغم الانفاق الانتاجي والاستعانة بالشركات المتخصصة، ولكن على الشاشة يظهر الأكشن بدائيا وغير متقن. وصدق أو لا تصدق: المشاهد الأولى "التمثيلية" لـ"الدوبلير" أدهم مصنوعة بحرفية أكثر من المشاهد التي يفترض أنها حقيقية!

ومن عيوب السيناريو بجانب تخبط الحكاية ولا مصداقيتها اعتماده على الكثير من الانحرافات المفاجئة twists ومشاهد العودة للماضي flashback الكثيرة، حتى أن أحد الممثلين (أحمد عصام السيد) يسخر منها ويصفها بأنها مملة بالقرب من نهاية الفيلم. وهي سخرية في محلها، لإنها ثقيلة الظل بالفعل.

"الشاطر" عبارة عن قص ولصق غير متجانس وغير مقصوص أو ملصق بشكل جيد، باستثناء بعض المشاهد المضحكة المتفرقة والقليل جدا من لقطات الأكشن المتقنة.

* ناقد فني

تصنيفات

قصص قد تهمك