Fantastic 4: First Steps.. عودة متوسطة النجاح للعائلة سيئة الحظ

بنزول فيلم Fantastic 4: First Steps إلى الأسواق، تكون شركة مارفل (التي اتحدت الآن مع "ديزني") قد صنعت 37 فيلماً طويلاً (بجانب المسلسلات)، ومع الأرباح المحدودة التي يحققها الفيلم (بالنسبة لمارفل ولحجم إنتاجه) والتي لم تتجاوز إلى الآن حاجز الـ 400 مليون دولار، تواصل مارفل معاناتها التي زادت في السنوات القليلة الماضية، وكان آخرها فيلم Thunderbolts الذي عرض في مايو الماضي ومني بخسائر مروعة.

الأفضل رغم الخسائر

مع ذلك، فإن Fantastic 4: First Steps عمل ناجح على مستويات عدة: هو أكثر أفلام الرباعي الخارق تحقيقاً للإيرادات بفارق كبير، ذلك أن هناك مشكلة مزمنة بين الفريق والجمهور لازمت الأفلام الأربعة التي صنعت عنهم من قبل، وكان آخرها فيلم Fantastic 4، 2015، الذي فشل فشلاً ذريعاً.

First Steps هو الأفضل فنياً، في رأي النقاد أيضاً، وقد حصل على 86% على موقع Rotten Tomatoes، مقارنة بـ9% فقط للفيلم السابق، ومتوسط 35% للأفلام الثلاثة الأسبق!

من الصعب فهم مغامرة مارفل بصنع فيلم آخر عن أبطال ليس لديهم شعبية، خاصة مع الخسائر التي لاحقت إنتاجاتها الأخيرة. وبوضع تاريخ السلسلة في الحسبان، مضافاً إليها تراجع شعبية أفلام مارفل الأخيرة بشكل عام، فإن رقم 400 مليون دولار هو رقم كبير جداً، بل فلكي!

وهو رقم يحيلنا، على أي حال، إلى تركيز صناع الفيلم بشكل ملحوظ على العدد 4.

سر الرقم 4

بجانب رباعي الأبطال، فإن الفيلم الذي أخرجه جاك  شاكمان، ساهم في كتابته 4 كتاب سيناريو هم: جوش فريدمان، إريك بيرسون، جيف كابلان، إيان سبرنجر، وتبدأ القصة بعد 4 سنوات من عودة الأبطال إلى الأرض، حيث ينجح الأبطال في تفكيك جيوش الشر الأربعة، كما تحفل لقطات الفيلم بالرقم 4 في كل مكان، من سترات الأبطال إلى لافتات الشوارع. وحتى قبل صدور الفيلم، كان التمهيد له في نهاية عناوين فيلم Thunderbolts عبارة عن ظهور الرقم 4 في رسالة فضائية تظهر لأبطال الفيلم!

يقال في كتب التفسيرات النفسية والميتافيزيقية للأعداد أن العدد 4 يشير إلى الاكتمال والتكامل:

أركان العالم، العناصر الأربعة (الماء الهواء الأرض والنار)، المواسم الأربعة، الاتجاهات الأربعة، المربع، أقرب الأشكال إلى الدائرة، الأناجيل الأربعة، الحقائق النبيلة الأربعة في البوذية، الآلهة الحماة الأربعة في الديانة المصرية القديمة، الخلفاء الأربعة، رؤساء الملائكة الأربعة في الإسلام..إلى آخره.

وفي علم الباراسيكولوجي يقال أن رؤية المرء للعدد 444 في أحلام النوم أو اليقظة تعني أن كل شئ على ما يرام، وأن عليه ألا يقلق من المستقبل، وهذه بالضبط هي الرسالة التي تحاول قصص "الرائعون الأربعة" توصيلها إلى القراء والمشاهدين!

يبدأ الفيلم بالأبطال الأربعة: ريد ريتشاردز، أو "مستر فانتاستيك" ( بأداء بيدرو باسكال)، وزوجته سوزان ستورم، "ذا انفيزابل وومان"، (بأداء فانيسا كيربي) وأخوها جوني ستورم، "ذا هيومان تورش"، (بأداء جوزيف كوين) وصديقهم بن جريم، "ذا ثينج" (بأداء إيبون موس- باشراش) بعد 4 سنوات من تحولهم إلى خارقين.

وإذا لم تكن تعرف قصتهم، فإن هذا التحول جاء نتيجة تعرضهم لحزام إشعاعي أثناء رحلة عمل إلى الفضاء، تسبب في تغيير تركيباتهم الجينية، فأصبح لكل منهم قوة خارقة مختلفة: "مستر فانتاستيك" يتمدد كالمطاط، "ذا انفيزابل وومان" تختفي ولديها هالة شديدة القوة من الطاقة، "ذا هيومان تورش" يخرج النيران من جسده، أما  "ذا ثينج" فقد تحول إلى كتلة عملاقة من الصخر!

وعلى الأرض السلام

خلال 4 سنوات من عودتهم، قام الأبطال الأربعة بمحاربة الجريمة، وأحلوا السلام بالأرض، وبفضل سو، التي تفوقت على كل الزعماء، وتجار السلاح، والطامعين بالسلطة والثروة، فقد تم توقيع معاهدات سلام مع زعماء العالم السفلي لأسباب ومساومات لا يذكرها الفيلم، وتذكرنا بتمثيليات إحلال السلام التي يقوم بها ترامب.

المهم أن الأرض أصبحت تعيش في سلام دائم، لدرجة أنه، في لحظة متأخرة من الفيلم، يتعاون كل حكومات وسكان الكوكب، بمن فيهم سكان العالم السفلي، لثقتهم المطلقة في الرباعي الأميركي، ويمتنعون عن استخدام الطاقة لتوفيرها للخارقين الأربعة حتى يقاوموا الوحش الذي يريد إلتهام كوكب الأرض!

بعيداً عن الصورة الساذجة التي  يتم بها يرسم بها العالم في First Steps، فإنها تخفي أيضاً ذلك الاعتقاد الأمريكي الهوليوودي بأن أمريكا هي محور العالم، إن لم تكن العالم كله.

هذه الصورة التي تتضح كأفضل ما يكون في "كوميكس" وأفلام الأبطال الخارقين، التي ظهرت مع تصاعد الحرب الباردة وسباق التسلح في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وأفلام "نهاية العالم" التي تكاثرت بشكل ملفت في فترة نهاية القرن وبداية الألفية الثالثة.

مثل معظم أعمال الأبطال الخارقين تدور حبكة الفيلم حول خطر يتهدد كوكب الأرض متمثلاً في كائن ميتافيزيقي، يجمع بين علم الفيزياء والشخصية البشرية، اسمه "جالكتوس"، يفترض أنه اصيب بلعنة ما جعلته جائعاً طوال الوقت، و"جالكتوس" لا يأكل الطعام العادي، ولكنه يتغذى على الكواكب، وقد قام بالفعل بالتهام مئات الكواكب من قبل ويهم بالتهام الكوكب 828 وهو الأرض.

ويحمل الرقم لعبة أخرى من ألعاب الأرقام التي يحملها الفيلم، ذلك أنه يشير إلى يوم ميلاد جاك كيربي، مخترع ومؤلف قصص "الرائعين الأربعة" مع ستان لي مخترع "مارفل" وأشهر فنانيها.

ويعتمد جالكتوس على مساعدة يطلق عليها The Silver Surfer، أي "المتزلجة الفضية" أو "راكبة الأمواج الفضية"، واسمها الحقيقي "شالا- بال" (تؤدي دورها جوليا جارنر)، كانت من سكان أحد الكواكب الأخرى، التي عفا عن التهامها "جالكتوس" مقابل أن تصبح خادمته، وقد منحها قوة خارقة وقدرة على التحرك بأسرع من الضوء على متن مزلاج سحري.

الحبكة الأكثر تكراراً

في قصص المجلات الأصلية فإن "شالا بال" هي الأخت التوأم لـ"المتزلج الفضي"، حيث تظهر في مرحلة متأخرة من الحكايات لانقاذ أخيها، ولكنها في الفيلم يتحد التوأم في شخصية واحدة، ويعتمد First Steps بشكل كبير على جاذبية الشخصية، العارية، الرشيقة، هائلة القوة، التي تربط بينها وجوني ستورم (ذا تورشمان)، محبوب النساء، علاقة انجذاب تثير الكثير من الابتسامات والنكات بين فريق الأربعة، وفي الوقت نفسه تساهم في تحريك الحبكة وتبرير التحول الذي يحدث لـ"شالا- بال".

بالطبع ينجح الرائعون الأربعة في انقاذ العالم والقضاء على "جالكتوس" بشكل مؤقت (حيث يطردونه من المجرة لبضعة ملايين من السنين!)، ولكن، كما يقال دائما في الفن، فإن السؤال هو "كيف" وليس "ماذا".

والكيفية التي يقوم بها الخارقون بالتخلص من الشرير يشوبها الكثير من اللامنطقية والتعثر والملل، باستثناء الجزء الأخير من الفيلم الذي يتسم بالتشويق والإيقاع السريع.

تعتمد حبكة الفيلم على خط مواز، تبدأ به الأحداث، وهو حمل سوزان وريد بطفل بعد سنوات طويلة من المحاولة، وقلقهما من أن يأتي الطفل مشوهاً أو متحولاً جينياً مثلهما.

وبينما يبدو أن الطفل طبيعي تماما يكتشف الأبطال، بفضل "جالكتوس" أن ابنهما القادم سيكون خارق القوة بشكل يفوق أي كائن آخر، ومع تقدم أحداث الفيلم تتوحد الخطوط، ويتبين أن علاقة الأم والابن هي الموضوع الأساسي للفيلم، حيث تقوم الأم بالتضحية بنفسها من أجل إنقاذ طفلها، ولكن الابن يرد الجميل بإعادة الحياة إلى الأم!

هذه هي "التركيبة" التي استخلصها كتاب السيناريو من القصص المصورة بمنحها "معنى" واقعي، آني، يتمثل في تركيز السينما الهوليوودية، خاصة الأفلام الصيفية الشعبية منها، على أهمية العائلة.

عائلات الخارقين

ربما لم يكن مبتكروا قصص "الرائعون الأربعة" (التي بدأت في 1961) يهتمون بهذه المسألة، ولكنها كانت على ما يبدو البذرة الأولى التي خرجت منها بعض عائلات الأبطال الخارقين الأخرى مثل  Jetsons و The Incredibles و Thundermans The وحتى Adam’s Family لاحقاً.

إن الفقرة الدرامية الجدية الوحيدة في First Steps التي تستحق الوقوف عندها هي عندما يطلب "جالكتوس" من الرائعين الأربعة أن يتركوا له الطفل مقابل أن يعفو عن الأرض، وعن التهام أي كوكب آخر، لإنه تعب من جوعه الذي لا يهدأ أبداً، ويرغب في أن يقوم الطفل بامتصاص هذا الجوع، حتى يرتاح هو ويخلد على التقاعد. وينشأ هنا السؤال: هل يمكن ان يضحي الأبوان ريتشاردز بالطفل من أجل إنقاذ الكون، أم يقامران بمحاولة إنقاذه، فيضيع العالم وهم والابن معاً؟

تقول سوزان لمواطني الأرض الذين يلومانها على التخلي عنهم: "لن أضحي بابني من أجل العالم، ولكني لن أضحي بالعالم من أجل ابني"!..واحدة من العبارات السينمائية الجذابة التي، حين تدقق فيها، تكتشف خلوها من المعنى، وحين تواصل المشاهدة تكتشف أنها تعني تلفيق خطة للحفاظ على الطفل والكوكب معاً، يتبين أنها غير منطقية ونجحت في النهاية بالصدفة البحتة (نتيجة توبة شالا- بال)!

جمهور للفرجة فقط

من الملحوظات الملفتة في First Steps أن الفيلم يخلو تقريباً من الشخصيات، باستثناء الأبطال الأربعة وابنهم، والشرير جالكتوس، عديم الملامح، وشالا- بال، التي تبدو كتمثال عارٍ، ومذيع تليفزيون أحمق الملامح يلعب دور الراوي أو "الكورس". أما بقية العالم كله فمجرد مواطنين عاجزون جبناء "في عرض" مساعدة الخارقين، أو موظفين ومسئولين بيروقراطيين لا قيمة ولا دور لهم في الأحداث، مجرد متفرجين على الأحداث لا يظهرون في الفيلم إلا كمصفقين مهللين لنجاح الخارقين، أو جاحدين ناكرين للجميل يهاجمون الخارقين على تقصيرهم!

هذه الملحوظة، بالطبع، لا تقتصر على First Steps، ولكنها تمتد إلى أغلب، إن لم يكن كل قصص الخارقين، سواء كانت "مارفل" أو "دي سي"، وهي فكرة تكرس لا أهمية الشعوب وضعفها وحاجتها إلى أبطال "غير واقعيين" (آلهة، أو أنبياء أو متحولين) لإنقاذهم، كما تكرس صورة البطل الأميركي المفرد الذي يعيد للعدالة توازنها بيديه العاريتين، على طريقة أفلام رعاة البقر.

Fantastic 4: First Steps فيلم صيفي خفيف ومسلٍ، مرصع بنجوم حلوين وجذابين، وبكثير من المؤثرات البصرية الخاصة  المبهرة، والأصوات الهادرة المؤثرة، والأطفال سيستمتعون بمشاهدته بالتأكيد، ويسعدون بنهايته العائلية اللطيفة، وربما يشعرون بمزيد من الحب تجاه أبويهم وأسرتهم..ولكن ماذا عن بقية البشر؟!

* ناقد فني