خاص
فن

فينيسيا 2025: فلسطين في الواجهة.. وحضور طاغ لأفلام المخرجات

time reading iconدقائق القراءة - 7
جانب من تظاهرات احتجاجية تندد بموقف الدول الأوربية من الحرب في غزة، فينيسيا، إيطاليا، 30 أغسطس 2025 - facebook/anpi7martiri
جانب من تظاهرات احتجاجية تندد بموقف الدول الأوربية من الحرب في غزة، فينيسيا، إيطاليا، 30 أغسطس 2025 - facebook/anpi7martiri
فينيسيا -عرفان رشيد

تتواصل فعاليات الدورة الثانية والثمانين لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، والتي شهدت، عصر السبت، إحدى أكثر التظاهرات احتشاداً، للاحتجاج على خمول سلوك الحكومات الأوروبية إزاء ما يحدث في غزة ومدن فلسطين الأخرى على يد الجيش الإسرائيلي، وقد اختار منظمو الاحتجاج عدم الاقتصار على غزّة وحدها، فرُغم مأساوية ودمويّة ما يجري في غزة، فإنّ "الهجمة الإسرائيلية"، برأيهم "موجّهةٌ ضد عموم الشعب الفلسطيني، ويسعى إلى وأد فكرة قيام دولة فلسطينية على مبدأ دولتين لشعبين". 

ورُغم الصعوبات اللوجستية والتحرّك البطيء في جزيرة الليدو، قد قُدّر عدد المنظّمون عدد المشاركين بحوالي عشرة آلاف متظاهر.

وعكس ما كان قد طالب به المتظاهرون بصعود وفد منهم إلى السجادة الحمراء بالأعلام الفلسطينية، فقد منعت السلطات وصول التظاهرة إلى قصر المهرجان.

عودة جوادانيينو 

كما شهدت فعاليات المهرجان في يومه الرابع، الخطوة الأولى للنجمة الهوليوودية جوليا روبرتس على السجادة الحمراء، كما تشهد عودة المخرج الإيطالي لوكا جوادانيينو إلى جزيرة الليدو بفيلمه الجديد After the Hunt (المعروض خارج المسابقة الرسمية).

يتناول الفيلم موضوع التحرش الجنسي، وتشارك جوليا روبرتس بطولته مع الممثل أندرو جارفيلد.

تدور أحداث After the Hunt حول البروفيسورة آلما أنفيل، وهي أستاذة جامعة ييل الأميركية المرموقة، تجد نفسها في مواجهة معضلة أخلاقية وشخصية كبرى، حين تتقدّم إحدى طالباتها المتفوّقات باتهامات خطيرة ضد زميل للبروفيسورة، فتستحضر ألما في تلك اللحظة ظلالاً ثقيلة من ماضيها.

قال جوادانّيينو في المؤتمر الصحفي للفيلم: "إنّ After the Hunt فيلم معاصر إلى أقصى الحدود؛ من حيث المجتمع، والانقسامات الاجتماعية، والمواقف المتطرفة التي قد نتبناها حيال أيّ رأي. يتناول ما يحدث في البيئة الأكاديمية بين الأجيال المختلفة، ويتطرق إلى مفهوم الاقتناع والانصياع، إنّه موضوع حساس ضمن فيلم استفزازي ومركّب".

واعتبر جوادانيينو أداء جوليا روبرتس في الفيلم "أفضل أداء في مسيرتها"، كما أشاد بآيو إديبيري، التي صارت بفضل مسلسل The Bear من أكثر الممثلات طلبًا في هوليوود: "آيو نجمة حقيقية بالمعنى الكامل للكلمة، تمتلك تفانياً نادراً في هذا الزمن السينمائي".

أما أندرو جارفيلد، الذي يؤدي دور الأستاذ المتهم، فقد أكّد أنّه تأثر بعمق بطريقة جوادانيينو الإخراجية، وأضاف: "ما أبهرني حقّاً في لوكا (جوادانيينو) هو عفويته، وهدوؤه، وتلقائيته في موقع التصوير، وقدرته على عيش اللحظة والتركيز التام حين يلزم الأمر. إنّه يبدو وكأنّه يترك لليوم، والمشهد، واللحظة حرية التشكّل، لكنه في الوقت نفسه مخرج بالغ الدقة".

ثلاثة خيارات عسيرة

وضمن الفعاليات أيضاً، التقينا أيضاً مع المخرجة (والممثلة) الفرنسية فاليري دونزيلي، الصوت القادر على تحويل تفاصيل الحياة اليومية إلى سرد سينمائي نافذ؛ ومع بارك تشان-ووك، المعلّم الكوري الجنوبي ذو النظرة الحادّة؛ ومع مريم التوزاني، المخرجة المغربية التي تضخّ في السينما المغاربية طاقة متجددة.

وقالت فاليري دونزيلّي في ملخّص حكاية فيلمها: "إن إنهاء نصّ ما، لا يعني بالضرورة أن يُنشر، ونشره لا يعني أن يُقرأ، وقراءته لا تعني أن يُحَبْ، وحبُّه لا يعني أن يُكلَّل بالنجاح، أما النجاح فلا يَعِدُ بالثروة".

يروي فيلم À pied d’œuvre القصة الحقيقية لمصوّر فوتوغرافي ناجح يقرّر أن يترك كل شيء خلفه ليتفرغ للكتابة، فيكتشف الفقر. 

إنّه سردٌ جذري، يمزج بين الوضوح والتهكم على الذات، ليصوّر مسيرة رجلٍ مستعد لدفع أثمان باهظة لقاء حريته.

تنتمي فاليري دونزيلي إلى جيل فرنسي أعاد للسينما طابعها الشخصي والحميمي، بعد بداياتها كممثلة، لفتت الأنظار كمخرجة، وتؤكد حضورها اليوم عبر فيلمها الجديد À pied d’œuvre – "في موقع العمل" – الذي تعود به إلى اليوميات كمساحة للمقاومة. شخصياتها الصغيرة تتحوّل إلى مرآة كبرى؛ وإصرارها على رصد تفاصيل العيش يجعل من العمل والالتزام أفعالاً بطولية صامتة، وبذلك تثبت دونزيلي أنّ السينما قادرة على منح الكرامة حتى للحظات الأكثر بساطة، لتغدو حكاياتها أقرب إلى نشيد إنساني مفتوح.

عودة "مستر ووك"

وكما تنتظر بطل فيلم À pied d’œuvre، وهو مصوّر فوتوغرافي، قرارات صعبة، فإنّ على العامل المسرّح من عمله في  فيلم No Other Choice للكوري بارك تشان-ووك أيضًا أن يتّخذ خيارات عسيرة.

هذا الفيلم، المقتبس عن رواية نوار للكاتب دونالد ويستلايك (الذي سبق وأن ألهم المخرج كوستا جافراس)، ويعيد بارك - تشان ووك من خلاله ترسيخ مكانته كأحد أعمدة الموجة الكورية الجديدة، التي أعادت الاعتبار للسينما الآسيوية مطلع الألفية.

حصد شهرته العالمية مع Old Boy (2003)، حيث صاغ ملحمة انتقامية لا تُنسى، ثم قدّم Sympathy for Mr. Vengeance وLady Revenge ليؤكد مهارته في الجمع بين الأسلوب البصري المدهش والتساؤلات الأخلاقية العميقة.

وبهذا الفيلم  الجديد الممتد على 139 دقيقة، يعيدنا إلى اللحظة الحرجة التي قد يمرّ بها أي إنسان، حين يصبح القرار مسألة حياة أو موت، هنا لا يكتفي بارك برسم صراع دموي، بل يدفعنا لنتساءل: ماذا يبقى من الإنسان عندما تُغلق جميع الأبواب؟ بعينه الإخراجية المتقنة، يضاعف قوة التوتر، ويحوّل القصة إلى مرآة عنيفة لزمننا المعاصر.

إسبانية في طنجة

ومع جديدها Calle Malaga (زنقة مالاجا)، تنقلنا المخرجة والكاتبة المغربية مريم التوزاني إلى فضاء جديد، حيث تمتزج اللغة الإسبانية بذاكرة المغرب والبحر المتوسط. عبر حكايات عن الهجرة والهوية والحنين، تواصل مشروعها الإبداعي القائم على جعل المهمّشين في الواجهة، مانحة النساء والأقليات حضوراً مركزياً على الشاشة، بأسلوب بصري هادئ ومشحون بالعاطفة، تعيد صياغة أسئلة الذاكرة والانتماء في عالم يتغير بسرعة.

برزت مريم التوزاني أولًا ككاتبة وصانعة أفلام قصيرة، قبل أن تلفت الأنظار إليها بفيلمها الروائي الأول آدم (2019)، الذي دخل سباق الأوسكار، ونال استحسان النقاد بفضل تصويره الحساس لعلاقة حبٍّ في قلب مجتمع محافظ، وفي قفطان أزرق (2022)، قدّمت عملاً ناضجاً وعميقاً حول الحب والحرية والتقاليد، وحصد الفيلم جوائز دولية، مؤكّداً مكانة مريم توزاني كصوت نسوي بارز في السينما العربية.

ثلاثة أفلام، وثلاث رؤى كبرى للسينما: كمرآة وسلاح، كاعتراف ونظرة نحو العالم. يقدّم بارك تشان-ووك، وفاليري دونزيلي، ومريم التوزاني رؤى متباينة، لكن ما يجمع بينهم خيط واحد: الرغبة في مساءلة زماننا، رغباتنا وتناقضاتنا.

إنّها أفلامٌ هي في جوهرها دعوة إلى النظر.. إلى التفكير.. وربما إلى الاختيار، حتى عندما يبدو أنّه لم يعد هناك خيار آخر.

تصنيفات

قصص قد تهمك