
في أجواء احتفالية انطلقت، الاثنين، فعاليات الدورة الثانية والثلاثين من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، أحد أبرز الملتقيات المسرحية في المنطقة العربية، وذلك على خشبة المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية.
جاء الافتتاح بعرض ملحمي حمل عنوان "انتصار حورس" من إخراج وليد عوني، ليعيد إلى الواجهة ثنائية الخير والشر في صياغة بصرية مستوحاة من الأساطير المصرية القديمة، ويؤكد أن التجريب المسرحي ليس انقطاعاً عن الجذور، وإنما امتدادٌ لها في أشكال جديدة.
استُهل الحفل بفقرة فنية بصرية مكرّسة لذكرى المخرج الأميركي الراحل روبرت ويلسون، أحد كبار رواد المسرح التجريبي في القرن العشرين، واستلهم وليد عوني من أعماله مقاطع حركية وبصرية مزجت الضوء بالحركة، في تذكير بإرث "المسرح الطليعي" الذي أحدث نقلة نوعية منذ عرضه الشهير "آينشتاين على الشاطئ" عام 1976 وحتى أعماله الأخيرة.
جسر إنساني
في كلمته خلال الافتتاح، قال وزير الثقافة المصري أحمد فؤاد هنو إن "الاحتفاء بالمسرح التجريبي هو احتفاء بروح المغامرة والجرأة في الخروج عن المألوف، وهو أيضاً تأكيد أن المسرح مهما تغيّرت الأزمنة سيظل أكثر الفضاءات صدقاً في التعبير عن جوهر الإنسان وسعيه نحو الجمال والمعنى".
وأضاف أن الفن يظل "أعظم وسيلة للتقريب بين البشر"، مشدداً على أن كل عرض يقدم حواراً ناطقاً يوسع مداركنا، ويضعنا في قلب تجارب الآخرين.
الوزير دعا كذلك إلى إعادة النظر في اسم المهرجان ليعكس أشكال المسرح كافة، لا التجريب وحده، معتبراً أن القاهرة ستبقى مدينة المسرح ومنارة للتجارب الطليعية والحديثة معاً.
أما رئيس المهرجان سامح مهران، فقد ذهب إلى أن المسرح هو ساحة لاكتشاف الذات ومواجهة الآخر، قائلاً: "الممارسة الإبداعية محاولة دائمة لإعادة اكتشاف الذات وتعيين موقعها في العالم، في المسرح نتصل بذواتنا وننفصل عنها، نتوحد ونتفكك، في عملية لا نهائية تجعلنا متجاوزين للمألوف".
ورأى مهران أن خطورة المسرح تكمن في أسئلته المقلقة التي حاولت أنظمة سياسية وفكرية عبر التاريخ تقييدها، لكن "المسرح دائماً ما انتصر، ولسوف ينتصر".
تكريم رموز عربية وعالمية
وشهد فقرات الافتتاح تكريم نخبة من رموز المسرح من مصر والعالم، ومن بين المكرَّمين المصريين: صبري فواز، حنان يوسف، حسن خليل، والكاتب بهيج إسماعيل الذي تسلم درعه المخرج السينمائي أشرف فايق.
ومن العالم العربي كُرِّم الكاتب والمنتج المسرحي القطري حمد الرميحي، الممثل اللبناني رفيق علي أحمد، الممثل الكويتي محمد المنصور، والمخرجة العراقية الراحلة إقبال نعيم.
أما على الصعيد الدولي، فقد شمل التكريم الناقد الفرنسي باتريس بافيس، المخرج البريطاني روفوس نوريس، المخرج الكاميروني تاكو فيكتور، إضافة إلى الناقد الإيطالي أندريا بوركيدو.
ويمتد برنامج الدورة الجديدة حتى الثامن من سبتمبر، ويشمل نحو عشرين عرضاً مسرحياً من مصر، تونس، العراق، السعودية، الإمارات، قطر، البحرين، إسبانيا، رومانيا، أرمينيا، إيطاليا، اليونان، والولايات المتحدة. وتواكب العروض سلسلة ورش تدريبية تغطي النقد المسرحي والمكياج والإلقاء والأداء الحركي، وصولاً إلى استكشاف تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التصميم المسرحي، ما يعكس انفتاح المهرجان على التكنولوجيا المعاصرة.
ولا يقتصر المهرجان على العروض الفنية، بل يتضمن محوراً فكرياً بعنوان "المسرح وما بعد العولمة"، يشارك فيه باحثون من مصر والعراق والكويت والجزائر والسعودية ولبنان والسودان وتونس وألمانيا وإنجلترا واليونان وصربيا ورومانيا، هذا المحور يسعى لقراءة التحولات التي يشهدها المسرح في عالم متشابك، حيث تفرض العولمة وما بعدها أسئلة حول الهوية، التلقي، والتفاعل الثقافي.
ويصدر المهرجان 11 كتاباً تغطي موضوعات متنوعة من التجريب المسرحي والدراماتورجيا إلى المسرح الرقمي، ليضيف إلى رصيده التوثيقي والمعرفي الذي يُعد أحد أهم أركانه.