خاص
فن

2 Wednesday.. بين حب الأمهات والرعب منهن!

time reading iconدقائق القراءة - 11
مشهد من المسلسل الأميركي 2 Wednesday على منصة نتفليكس - facebook/netflixmiddleeastnorthafrica
مشهد من المسلسل الأميركي 2 Wednesday على منصة نتفليكس - facebook/netflixmiddleeastnorthafrica
القاهرة -عصام زكريا*

في حوار للمخرج الكندي المعروف ديفيد كروننبرج لمجلة Sight &Sound عدد أغسطس 2025، يقول: "أشاهد الأفلام غالباً لأرى الناس الموتى، أريد أن أراهم مرة أخرى، أن أسمعهم، ولذلك فإن السينما، بشكل ما، هي ماكينة ميتة مغطاة بالأكفان، بشكل ما، السينما أشبه بالمقبرة".

تذكرت كلمات كروننبرج وأنا أشاهد حلقات الموسم الثاني من مسلسل Wednesday الذي بدأت منصة نتفليكس في بثه مؤخراً، بعد مرور 3 سنوات تقريباً على بث موسمه الأول في 2022.

بطلة المسلسل "وينزداي"، إحدى أفراد عائلة "أدامز" غريبة الأطوار، مهووسة بالموت والموتى، تحب قضاء وقتها بين المقابر، وهوايتها حل جرائم القتل الغامضة، سوداوية المزاج، ترتدي الأسود دائماً، لديها حساسية من الألوان، شحيحة الكلام، متشائمة، ساخرة، ووجهها يخلو من التعبير، أما عبارتها الأكثر شهرة في المسلسل فهي: "أعرف أين تدفن كل الجثث في "نيفرمور"!

أكاديمية المنبوذين

و"نيفرمور" هي المدرسة الداخلية التي تدرس فيها "وينزداي"، التي تحمل اسم (أكاديمية نيفرمور للمنبوذين الموهوبين)، وتدور بين أروقتها (والمقابر المجاورة) معظم أحداث الموسمين الأول والثاني من Wednesday.

لا شيء ينجح مثل "المنبوذين" هذه الأيام، خاصة إذا كانوا يتمتعون بالجمال والشباب، وقد سحرت "وينزداي" بأداء النجمة الشابة جينا أورتيجا ملايين المعجبين في أنحاء العالم، خاصة من الشباب والمراهقين، وقد حظي الموسم الأول بـ252 مليون مشاهدة ليصبح أكثر الأعمال الناطقة بالانجليزية نجاحاً على منصة نتفليكس (لا يسبقه سوى الموسم الأول من Squid Game الذي حقق 265 مليون مشاهدة، وبفارق هائل عن أقرب منافسيه).

في موسمه الثاني يواصل Wednesday نجاحه على المستوى الفني، بل يفوق الأول تشويقاً وبراعةً في التنفيذ، بتوقيع المخرج الفريد من نوعه تيم بيرتون، الذي يبدو نفسه وكأنه أحد شخصيات عائلة آدامز، بملابسه ونظارته السوداء وعالمه السينمائي الغريب، ونبرته المرعبة الساخرة.. ويمكن أن أضيف أنه يبدو وكأنه والد "وينزداي" في المسلسل، ووالد جينا أورتيجا في الواقع! تيم بيرتون، في الحقيقة، يمكن أن يعتبر والد هذا الجيل الذي يعشق الغرابة والمسوخ والموتى بأنواعهم ويكفي أن نذكر بعض أعماله مثل Beetlejuice، 1988، الذي صنع منه جزءاً ثانٍ في العام الماضي، شاركت فيه جينا أورتيجا كابنة للعائلة غريبة الأطوار المحاطة بالعفاريت والمسوخ، ويمكن أن نذكر أيضاً Edward Scissorhands، Corpse Bride بجانب فيلميه المتميزين عن "باتمان".

بيرتون أكثر شباباً

بيرتون البالغ من العمر 67 عاما يعود في Wednesday، خاصة في موسمه الثاني، إلى شبابه مجدداً، حيث يخرج وينتج ويشارك في صياغة السيناريو الذي كتبه كل من ألفريد جوخ ومايلز ميلار، وفوق ذلك يبدو مرتبطاً بجيل الصغار الذين يشاهدون العمل كما لو أنه واحد منهم.

من الطريف إعادة قراءة ومشاهدة أعمال بيرتون المبكرة (حيث كان يرسم ويكتب الأشعار ويصنع أفلام التحريك القصيرة) والتي تحمل شخصيات تشبه "وينزداي" وعائلتها كثيرا!

لكن Wednesday ليس عملا "بيرتونياً" خالصاً، فهو خليط غريب عجيب من الغرابة الساخرة  التي تتسم بها أعمال بيرتون، وقصص الفانتازيا السحرية على طريقة روايات وأفلام هاري بوتر، حيث المدرسة التي تأوي أصحاب المواهب السحرية، وحيث يدور كل موسم خلال عام دراسي، وتشابهات مع سلسلة X-men، في قالب التحقيق البوليسي، حيث تلعب "وينزداي" دور المحققة التي تكشف سر الجرائم، مع نوعية المسوخ والزومبي آكلي لحوم البشر، والأشباح، وقبل ذلك كله أفلام البلوغ Coming Of Age التي تتناول متاعب المراهقين وقصص حبهم وعلاقاتهم المعقدة بأبويهم، وهو النوع الذي يطلق عليه دراما الراشدين الشباب YA drama، التي تدور حول شخصيات من سن 12 إلى 18، ولكنها موجهة عادة للكبار فوق 18 سنة!

يخاطب المسلسل جيل Z، الذي يسرح ويمرح على "تيك توك"، ولعل القارئ يذكر أغنية ورقصة "وينزداي" من الموسم الأول، بصوت ليدي جاجا، والتي قلبت مواقع التواصل منذ 3 سنوات، هذا الموسم أيضاً تظهر ليدي جاجا بنفسها بأغنية خاصة بالمسلسل، مع رقصة جديدة تؤديها هذه المرة البطلة الثانية في العمل، إنيد (إيما مايرز)، زميلة غرفة "وينزداي".

لا وقت للحب

في الموسم الأول كانت "وينزداي" حائرة بين قصتي حب، واحدة مع زميلها تايلر (هانتر دوهان)، والثانية مع أستاذها (بيرسي هينز وايت)، ولكن تايلر يتحول إلى "هايد" المسخ القاتل، وينتهي الموسم الأول بايداعه المصحة، أما وايت فيتحول إلى "مسخ" في الواقع، حيث يتعرض لادعاءات بالتحرش والعنصرية، فيتم استبعاده من المسلسل، ليحل محله في الموسم الثاني النجم ستيف بوتشيمي في دور مدير المدرسة الجديد، المريب.

في الموسم الثاني تركز "وينزداي" على عملها البوليسي، خاصة بعد أن تنتابها رؤية عن موت "إنيد"، ثم لاحقاً عن موت أحد أفراد عائلة آدامز. تحاول "وينزداي" أيضا استعادة قواها الخفية التي فقدتها نتيجة بعض الأخطاء والعيوب الشخصية، والتي ستتعلم هذا الموسم أن تتخلص منها، كما سيتعين عليها أن تعالج مشكلتها مع أمها موريتشيا (كاثرين زيتا جونز)، حيث تعاني كل منهما من فقدان الثقة في الأخرى.

خلف كل مسخ أم

وسط كل الخطوط التي يحفل بها العمل، فإن علاقة "وينزداي" بأمها هي الأهم وهي التي تحرك الدراما، ويعمق من هذا الخط وجود علاقات معقدة مماثلة مع الأمهات لدى الشخصيات الأخرى. ومن الغريب أن المسلسل يحتوي على مشهدين يقوم فيها المسخان الرجلان بقتل الأم المسيطرة، كما لو أنه يؤكد أن وراء كل مسخ نفسي أم أساءت معاملته.

بجانب علاقة "مورتيشيا" نفسها بأمها التي تعكس مشاكل علاقاتها مع ابنتها "وينزداي" ويتعين على الابنة والأم والحفيدة حل هذه المشاكل في النهاية، يضاف إلى ذلك شخصية زميلة أخرى في المدرسة هي "بيانكا"، التي تخفي أمها خوفا عليها، وعلى طريقة "سندريلا" يظهر لـ"وينزداي" أيضا شبح أم طيبة تقودها روحياً هي مديرة المدرسة السابقة لاريسا ويمز (جويندولين كريستي).

رحلة "وينزداي" إلى الرشد

صحيح أن مدرسة "نيفرمور" تشبه مدرسة "هوجارتس" هاري بوتر، ولكن الفارق أن "عائلة آدامز" تحضر بكامل أفرادها هنا خارج المدرسة وداخلها ما يعزز مضمون العمل باعتباره رحلة فتاة في مرحلة البلوغ تصل للرشد عندما تفهم وتحل مشاكلها العائلية.

من الطريف تتبع مسيرة شخصية "وينزداي" منذ ظهورها لأول مرة في 1938، بريشة الفنان تشارلز أدامز مخترع "العائلة" على صفحات مجلة The New Yorker وحتى تجسيدها على يد جينا أورتيجا، ويبدو تطور الشخصية وكأنه تلخيص لمسيرة النساء الشابات على مدار العقود التسعة الماضية!

على صفحات The New Yorker، كانت مجرد فتاة صامتة حزينة تقف عادة على حافة صور العائلة من ناحية، بينما شقيقها الأصغر الشقي يقف على الناحية الأخرى، ومثل بقية أفراد العائلة لم يكن لديها اسم بعد.

في مسلسل الـ"سيت كوم" الذي عرض  على شاشة التليفزيون الأميركي 1964، حصلت الفتاة على اسمها، المستلهم من أغنية أطفال يقول أحد أبياتها: "طفلة الأربعاء ممتلئة بالويل!" وكلمة Woe التي تعني "الويل" أو "المعاناة" أو "البلاء" يستخدمها الموسم الثاني من مسلسل بيرتون في عنوان كل الحلقات. في الـ"سيت كوم"، أدت دور "وينزداي" الطفلة ليزا لورنج، وظهرت بملابسها السوداء المعتادة وضفيرتيها، كما رقصت الرقصة الشهيرة التي ميزت الشخصية، والتي استغلها بيرتون ببراعة في موسمي مسلسل نتفليكس. ولكن الـ"سيت كوم" غلبت عليه الكوميديا وخلا من جو الرعب القوطي الذي اتسمت به الأعمال اللاحقة. 

وعلى عكس شخصية "وينزداي" اللطيفة المرحة في الـ"سيت كوم" جاء فيلما  The Addams Family و Addams Family Values اللذين أخرجهما باري ليفنسون في بداية التسعينيات بـ"وينزداي" جديدة قوية بأداء كريستينا ريتشي، لتكشف عن جانبها السادي المظلم وتلذذها بتعذيب أخيها الأصغر باجزلي (في الـ"سيت كوم" كانت أصغر منه) ودفن قطة حية واشعال النار في مسرحية المدرسة في المشهد الرائع الذي تلعب فيه زعيمة قبيلة من السكان الأصليين يشعلون النار في القرية ويشوون البيض أحياء!

هذا العنف المغلف بالكوميديا والفلسفة التي تحملها شخصية وينزداي وراء سوداويتها وساديتها لمست وتراً حساساً لدى الأجيال الجديدة، وتزامن ذلك مع نهاية فترة الثمانينيات المحافظة أخلاقياً الرجعية سياسياً، وصعود جيل وسينما أكثر ليبرالية في التسعينيات.

من الفشل إلى نتفليكس

في نهاية التسعينيات ظهرت العائلة مجدداً في فيلم Addams Family Reunion إخراج ديف بين، حيث لعبت دور وينزداي الممثلة الشابة نيكول فوجير، ولكن الفيلم الذي أنتج مباشرة لنوادي الفيديو حظي بفشل ذريع، لإنه لم يكن غريباً أو مخيفاً أو مضحكاً بالقدر الكافي.

مرة أخرى أعيد انتاج حكاية العائلة في فيلم تحريك من إخراج جريج تيرنان وكونراد فيرنون، 2019، شارك فيه بالصوت تشارليز ثيرون وايزاك أوسكار، ولكنه مثل سابقه فشل تماماً.

ويبدو أن التركيز على شخصية "وينزداي" من قبل كاتبا مسلسل نتفليكس كان الهاماً أو توفيقاً نادراً، مثلما كانت الاستعانة بتيم بيرتون لإخراجه قراراً عبقرياً، وبالطبع جاء العثور على جينا أورتيجا ليكمل مقومات هذا النجاح.

وينزداي أورتيجا بملامحها اللاتينية وجمالها "الشرقي" الغامض وسوداويتها وساديتها التي تخفي احتقاراً لشرور البشر ولكن حباً للضعفاء وقلباً ممتليء بالحب (يتجسدان في المسلسل من خلال علاقتها بزميلاتها وتايلور) هي نموذج لبنات اليوم في كل مكان، ولذلك ليس غريباً أن تصبح معبودة المشاهدات والمشاهدين الشباب.

هي أيضا رمز للمنبوذين والمختلفين بأنواعهم، وليس غريباً أن تضم أكاديمة "نيفرمور" طلبة وطالبات من أمريكا اللاتينية وكوريا ومصر (من خلال الممثل الشاب موسى مصطفى) وغيرهم من الجنسيات والأعراق.. بجانب عائلة آدامز الأصلية التي ظهرت ذات يوم لتجسد الأقلية من الغرباء المخيفين، ولكنها اليوم تجسد الغالبية!

أما جمهور المسلسل فينتظر من الآن الموسم الثالث الذي أعلن عنه.

* ناقد فني

تصنيفات

قصص قد تهمك