مصر تحتفل بالنسخة الأولى ليوم الموسيقى: 100 فعالية في 27 محافظة

time reading iconدقائق القراءة - 8
جانب من احتفالية اليوم المصري للموسيقى، القاهرة، 15 سبتمبر 2025 - المكتب الإعلامي للمركز القومي للمسرح
جانب من احتفالية اليوم المصري للموسيقى، القاهرة، 15 سبتمبر 2025 - المكتب الإعلامي للمركز القومي للمسرح
القاهرة -الشرق

احتفلت مصر بإطلاق النسخة الأولى من اليوم المصري للموسيقى، الذي يوافق 15 سبتمبر من كل عام، تخليداً لذكرى رحيل فنان الشعب سيد درويش. وقد تحولت القاهرة وبقية المحافظات إلى فضاء موسيقي مفتوح على مدار 12 ساعة كاملة، في حدث غير مسبوق جمع بين الاحتفاء بالماضي العريق، واستشراف مستقبل أكثر إشراقاً للفنون.

اليوم المصري للموسيقى لم يكن احتفالاً مركزياً فقط، وإنما امتد ليشمل جميع المحافظات الـ27. حيث نظمت وزارة الثقافة أكثر من 100 فعالية موسيقية وغنائية، توزعت على الشوارع والميادين والحدائق والمسارح وقصور الثقافة. وقد شاركت في التنظيم جميع قطاعات الوزارة: المجلس الأعلى للثقافة، هيئة قصور الثقافة، قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية، البيت الفني للمسرح، إلى جانب المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية الذي تولى التنسيق العام.

هذا الزخم الواسع جعل مصر كلها تعزف بلغة واحدة هي "لغة الموسيقى"، في مشهد يعكس إدراكاً رسمياً وشعبياً لقيمة الفن في تشكيل الوجدان الوطني وتعزيز الانتماء.

الاحتفال الرئيسي أقيم في دار الأوبرا المصرية بحضور وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هَنو، وعدد من رؤساء القطاعات والمؤسسات الفنية والثقافية. خلال الحفل، ألقى الوزير كلمة أكّد فيها أن الموسيقى كانت عبر التاريخ وسيلة للبهجة وتعبيراً صادقاً عن الشخصية المصرية، مستشهداً بما قاله الفيلسوف أفلاطون: "علموا أولادكم الموسيقى المصرية فهي أروع أنواع الموسيقى".

وأضاف هَنو أن المصريين القدماء جعلوا الموسيقى جزءاً من حياتهم اليومية، وخلدوا صور الآلات الموسيقية على جدران المعابد، لتبقى شاهداً على أن الموسيقى كانت دوماً ضميراً للأمة ولساناً للشعب.

شهدت الاحتفالية تكريم ستة من رموز الموسيقى المصرية، حيث قام وزير الثقافة بتسليم الدروع إلى: الفنان توفيق فودة، الملحن ومدرب الكورال في هيئة قصور الثقافة، عازفة الماريمبا نسمة عبد العزيز، المطربة الشعبية فاطمة عيد، التي لم تتمالك دموعها عند استلام درع التكريم، الموسيقار علي سعد، الموسيقار راجح داود، واسم الموسيقار الراحل سيد مكاوي، الذي تسلم تكريمه المخرج الكبير ناصر عبد المنعم نيابة عن أسرته.

"الموسيقى ضمير الأمة"

في كلمته، أشار وزير الثقافة إلى أن تخصيص يوم للموسيقى يأتي تقديراً لدورها في تشكيل وجدان المصريين، مؤكداً أن الموسيقى المصرية أنجبت أسماء خالدة مثل زكريا أحمد، محمد القصبجي، أم كلثوم، محمد عبد الوهاب، بليغ حمدي، عمار الشريعي، وسيد مكاوي. وقال: “لقد كانت الموسيقى دائماً تعبيراً صادقاً عن الشخصية المصرية، في قوتها وحنانها، في فرحها ونضالها. وهي التي جمعت المصريين في الميادين ورافقتهم في البيوت”.

كما أعلن عن تخصيص 18 مارس من كل عام يوماً للفن الشعبي، تزامناً مع ذكرى ميلاد الفنان محمود رضا، مؤسس فرقة رضا للفنون الشعبية، موضحاً أن هذا اليوم سيشهد انطلاق ملتقى القاهرة الأول للغناء الشعبي الذي يجمع مختلف ألوان الغناء الشعبي والفرق المستقلة، ليكون نافذة للتعريف بثراء الهوية المصرية وتنوعها.

"مصر أرض الإبداع"

الموسيقار الكبير عمر خيرت كتب كلمة خاصة بهذه المناسبة، ألقاها الفنان الدكتور أحمد إبراهيم خلال الحفل، وجرى قراءتها أيضاً في مواقع ثقافية متعددة ضمن فعاليات اليوم. وقال فيها: “يسعدني ويشرفني أن أشارك وطني وأهلي هذه الاحتفالية للمرة الأولى، في يوم يكرّس تاريخاً عريقاً وحاضراً نابضاً ومستقبلاً واعداً، ويعيد تسليط الضوء على الإرث العظيم الذي صنعه الرواد الأوائل من الملحنين والمؤلفين والموسيقيين والمطربين”، مضيفاً أن البداية كانت مع سيد درويش الذي فجّر النهضة الموسيقية، وتلاه رواد كبار مثل محمد القصبجي وزكريا أحمد ومحمد عبد الوهاب ورياض السنباطي.

وتابع خيرت: "قدمت مصر أعلاماً كباراً في التأليف الموسيقي الأكاديمي مثل يوسف جريس، وأبو بكر خيرت مؤسس الكونسرفاتوار وأكاديمية الفنون، وجمال عبد الرحيم، وعطية شرارة، الذين وضعوا اللبنات الراسخة للهوية المصرية في التأليف السيمفوني. وفي مجال الموسيقى التصويرية، أبدع الرواد أندريه رايدر، علي إسماعيل، وفؤاد الظاهري، ثم جمال سلامة، عمار الشريعي، راجح داود، مودي الإمام، وهشام نزيه، ليمنحوا الموسيقى التصويرية المصرية روحاً جديدة وحضوراً عالمياً".

واختتم كلمته بالتأكيد على أن اليوم المصري للموسيقى "ليس مجرد ذكرى أو مناسبة، بل رسالة متجددة تؤكد أن مصر ستظل دائماً أرض الإبداع ومركز إشعاع ثقافي وفني".

"تاريخ من الإبداع"

المخرج خالد جلال، رئيس قطاع المسرح، قال إن المصريين ورثوا حب الموسيقى منذ العصور القديمة، وإن الاحتفال باليوم المصري للموسيقى الذي يوافق ذكرى رحيل سيد درويش، يعبّر عن أصالة الغناء المصري وتأثيره الممتد خارج حدود الوطن. وأكد أن موسيقى مصر كانت عنواناً للحضارة المتجددة، وأن أعمال سيد درويش ومن تلاه من الكبار ستظل خالدة لا تتقادم بفعل الزمن.

أما المخرج عادل حسان، رئيس المركز القومي للمسرح والموسيقى، فأكد أن قطاعات الوزارة المختلفة شاركت بأكثر من 100 فعالية، بينها 50 فعالية في مواقع متعددة، وفتحت المسارح أبوابها لاحتضان هذا اليوم الذي "انطلق ليستمر ويكون شاهداً على تاريخ متوارث من الإبداع". ووجه الشكر لوزير الثقافة على تبنيه فكرة إطلاق اليوم، وحرصه على أن يكون انطلاقة لفعاليات عديدة تحتفي بقيمة الموسيقى ودورها في تشكيل الهوية الوطنية.

وقال اللواء خالد اللبان، مساعد وزير الثقافة لشؤون الهيئة العامة لقصور الثقافة، فأوضح أن الفعاليات الموسيقية امتدت من الإسكندرية حتى أسوان، وأن التفاعل الجماهيري الكبير عكس مكانة الموسيقى في وجدان الشعب المصري، مؤكداً أن الموسيقى ستظل لغة موحدة تجمع المصريين على كلمة واحدة.

وقال الدكتور علاء عبد السلام، رئيس دار الأوبرا المصرية، إن الأوبرا ستبقى البيت الكبير للفنون ومظلة المبدعين من مختلف الأجيال، مشيراً إلى أن احتضان الأوبرا لهذا اليوم يؤكد دورها في نشر الوعي الجمالي وتعزيز الهوية الثقافية.

إرث موسيقي متجدد

الاحتفال لم يكن مجرد مناسبة رمزية، بل رسالة متجددة تؤكد أن الموسيقى المصرية ستبقى حاضرة في الحياة اليومية للأجيال الجديدة. فقد امتلأت قصور الثقافة والمسارح بالجماهير التي تجاوبت مع العروض، بما يعكس أن الفن ما يزال قادراً على ملامسة الوجدان وتوحيد المشاعر.

ويشير مراقبون إلى أن إطلاق يوم وطني للموسيقى يعكس وعياً رسمياً بأهمية الفنون كإحدى ركائز القوة الناعمة لمصر، ويعيد التذكير بالدور الريادي الذي لعبته القاهرة في صياغة الذائقة الموسيقية للعالم العربي على مدى قرن كامل.

سيد درويش.. البداية والرمز

اختيار يوم 15 سبتمبر لم يأتِ صدفة، فهو يوافق ذكرى رحيل فنان الشعب سيد درويش عام 1923، الذي فجّر نهضة موسيقية حقيقية وجعل من الفن وسيلة للتعبير عن هموم الشعب وأحلامه. أغنياته الوطنية والاجتماعية ما تزال حاضرة حتى اليوم، مثل بلادي بلادي التي تحولت إلى النشيد الوطني، وألحانه التي واكبت الحركات التحررية والاجتماعية في مصر.

اختُتمت الاحتفالية برسالة جامعة عبّر عنها وزير الثقافة حين قال إن تخصيص يوم للموسيقى يمثل اعترافاً بدورها في تشكيل وجدان الأمة وتذكيراً بأهمية نقل هذا الإرث إلى الأجيال الجديدة. أما كلمة عمر خيرت فقد لخصت روح المناسبة حين وصف الموسيقى بأنها "صوت مصر الذي يصدح منذ فجر التاريخ وحتى اليوم".

تصنيفات

قصص قد تهمك