خاص
فن

"فيها ايه يعني؟".. مسلسل ضل طريقه إلى السينما!

time reading iconدقائق القراءة - 12
الملصق الدعائي للفيلم المصري "فيها إيه يعني؟" للمخرج عمر رشدي حامد - المكتب الإعلامي للشركة المنتجة
الملصق الدعائي للفيلم المصري "فيها إيه يعني؟" للمخرج عمر رشدي حامد - المكتب الإعلامي للشركة المنتجة
القاهرة -عصام زكريا*

ليس في عنوان هذا المقال نية اساءة للمسلسلات أو تفضيل للأفلام على المسلسلات، ولكن فيلم "فيها ايه يعني؟"، كفكرة وقصة وإيقاع يناسب قالب المسلسلات أكثر، وربما كان بالفعل مسلسلاً قرر صناعه أن يحولوه إلى فيلم لسبب أو آخر.

بل إنه يبدو أحياناً كمسلسل تم اختصاره، فبعض الأحداث، رغم زمن عرضه الذي يتجاوز الساعتين، غير واضحة أو مشبعة بما يكفي، وبعض الأحداث تسير بسرعة أكبر مما ينبغي.

ليس لدي معلومة حول ما إذا كان العمل مسلسل تعرض لعملية تحويل للنوع، أم أنه ولد كفيلم، ولكنه في الحالتين يعاني من اضطراب هوية فنية!

صفقة جيدة

بغض النظر عن القالب، وعن الملاحظات التي سيأتي ذكرها، فإن "فيها ايه يعني؟" عمل مسلي يحتوي على كثير مما يسعد جمهور اليوم: كوميديا جيدة، مجدولة بقصة رومانتيكية ناعمة، حضور مبهج لمصطفى غريب، ومتمكن لماجد الكدواني، ولطيف لأسماء جلال، وأغنيتان جديدتان لأحمد سعد وحميد الشاعري، واستدعاء لنوستالجيا التسعينيات التي تستهوي "جيل Z"، وضيوف شرف في مشاهد قليلة مضحكة.

وفوق ذلك أريحية وانسجام واضح بين فريق العمل، يتجليان في بعض المشاهد التلقائية الظريفة وإخراج هاديء، واثق، لمخرج جديد هو عمر رشدي صالح، يخلو من لقطات الـ"درون"، إلا قليلاً، ومن حركات الكاميرا العصبية وغواية الحركة البطيئة، التي نراها كثيراً هذه الأيام.

خلطة مضبوطة المقادير، وصفقة لا يمكن لجمهور اليوم أن يرفضها، حتى لو تململ في المقاعد أحياناً، بفعل الإيقاع المترهل في النصف الثاني، وحتى لو اضطر أن "يبلع" بعض الأشياء غير المنطقية، أو الأداء الجامد لبطلة الفيلم، وشريكة قصة الحب، غادة عادل.

جرأة على ماذا؟

يوحي عنوان الفيلم "فيها ايه يعني؟" بالجرأة: أن شخصاً ما قام بفعل يثير الاستياء واللوم، فيسأل منتقديه: "وماذا في ذلك؟! ما فعلته ليس به أمر مشين".

والأمر الذي يفترض أنه يثير هذا الاستياء في الفيلم هو أن صلاح (ماجد الكدواني)، الذي تجاوز سن التقاعد، يرغب في الزواج من جارته ليلى (غادة عادل) التي ربطته بها قصة حب منذ الطفولة.

ولكن المشكلة أن ابنته ندا (أسماء جلال) مرتبطة به لدرجة أنه يقيم معها في بيت الزوجية مع زوجها علاء (مصطفى غريب)، وابنتها المراهقة أمينة (ريتال عبد العزيز)، ولدرجة أنها تخطط لاصطحابه معها في رحلة عمل إلى المكسيك ستستمر لخمس سنوات!

ليس واضحاً في الفيلم طبيعة عمل ندا، غير أنها واحدة من تلك الشركات الحديثة، التي تحتوي على مكاتب زجاجية كثيرة مفتوحة على بعضها، وفريق عمل كبير منكبون جميعاً على أجهزة كمبيوتر.

ولكن علينا أن نفترض أنها شركة عالمية ومتعددة الفروع والجنسيات وتدر على العاملين بها مرتبات ضخمة جداً، الأكثر غموضاً هو طبيعة عمل زوجها علاء، ويبدو أنه عمل غير مهم، لإنه سيسافر أيضاً معها، متخلياً عن عمله وعالمه في مصر بدون أدنى استياء أو تردد، من أنه سيترك عمله وحياته في مصر لسنوات.

الابنة أيضاً، التي تدرس في الصف الثانوي، مثل أبيها ليس لديها مشكلة في ترك دراستها وحياتها لترافق ماما في رحلتها الطويلة.

المشكلة فقط تكمن في صلاح، الذي اكتشف بالصدفة أن حبيبة عمره عادت من السفر لتقيم في شقة مصر الجديدة، وأنها الآن مطلقة وليس لديها أطفال، وأنه يستطيع الزواج منها أخيراً، متخلياً عن ابنته!

تفاوت سرعات

منذ المشهد الأول يؤكد لنا الفيلم أن ندا تعاني من مشاكل نفسية، فهي متعلقة بأبيها بشكل زائد عن الحد (خاصة بعد موت أمها في سن مبكر)، كما أنها مهووسة بالنظام والنظافة والأكل الصحي (منزوع الدسم)، حتى أن الأب والزوج والابنة يتسللون خارج البيت كل ليلة ليأكلوا "الجانك فوود" والمشروبات الغازية وكل ما هو غير صحي بعيداً عن أعين الأم المتسلطة.

يبدأ الفيلم على لسان ندا وينتهي بذهابها إلى طبيبة نفسية تداويها من أول جلسة، لتجعلها تتقبل فكرة انفصالها عن أبيها، كما تسفر جلسة عائلية صغيرة مع زوجها وابنتها عن إقناعها بالتخلي عن ديكتاتوريتها وتركهما يأكلان كما يشاءان، وهكذا تُحل مشكلة ندا.

تبقى قصة حب صلاح وليلى التي تشغل معظم الفيلم، وهي قصة غريبة بعض الشيء، فهما جاران يتحابان منذ الطفولة، ولكن لم يتسن لحبهما أن يتوج بالزواج لأن السيدة نجية، أم ليلى (الرائعة ميمي جمال)، لا تحب صلاح لسبب لا نعلمه.

إنهما ينتميان للطبقة الاجتماعية نفسها، وكلاهما متعلم ودرس العمارة، كما أن لديهما الكثير من الذكريات والصور المشتركة منذ الطفولة، ما يعني أن أسرتيهما لم تعارضان صداقتهما.

نعلم فقط أن أم ليلى لم تكن تطيقه، لكننا نعلم أيضاً أن صلاح هو الذي تخلى عن ليلى لأنه أصر على السفر للعمل في الخليج رغم اعتراضها. وبعد سفره تزوجت ليلى، ثم تزوج هو وانتهت قصة حبهما كما تنتهي معظم قصص حب الطفولة.

ولكن الفيلم يؤكد لنا أن حبهما غامر وغائر: صلاح يحتفظ بكل ذكرى بينهما، وببرطمان عملاق يحتوي على قصاصات ورقية بالأمنيات التي كانا  يرغبان في صنعها معاً، مثل الذهاب إلى الديسكو والسينما والأسكندرية وأكل الأيس كريم!

وفي المشاهد الأولى للفيلم يعود صلاح إلى شقة العائلة لحل مشكلة ما فيلمح وجود خادمة في شرفة شقة ليلى، وعلى الفور يسارع بكتابة خطاب (في ظرف بريد جوي مرصع بالطوابع!) ويتركه أمام باب ليلى طالباً منها أن يلتقيا، هكذا، على الفور، ودون تردد أو تدرج درامي، إنه يكتب الخطاب ويتركه لها حتى قبل أن يراها أو يتأكد من وجودها بالشقة.

هذه المشاهد الأولى السريعة، التي تدخلنا في المشكلة الدرامية مباشرة، يعقبها سبات درامي تنتابه الكثير من الأحاديث المطولة، والمشاهد المكررة، خاصة حين يبدآن في فتح البرطمان وتحقيق الأمنيات واحدة تلو الأخرى!

برطمان الأمنيات!

قصة برطمان أو "سلة الأمنيات" هذه تم استهلاكها كثيراً، وقد ظهرت في الفيلم الشهير The Bucket List للمخرج روب راينر، 2007، الذي شارك في بطولته جاك نيكلسون ومورجان فريمان.

وهذا البرطمان يبدو دخيلاً على الفيلم، خاصة مع حجمه غير الطبيعي، واصطحاب صلاح له ليفاجيء به ليلى خلال موعد عشاء، ثم حين يزيد استخدامه أكثر من اللازم، من الديسكو إلى الأسكندرية إلى تدخين سيجارة "محشوة"، إلى التسلل لمدرستهما القديمة ليلاً، وإقامة عيد ميلاد لصلاح يحضره الأصدقاء والمعارف داخل المدرسة، إلى تعلم عزف الكمان، ما يجعل العمل كأنه يتمدد في الزمن بلا نهاية، بإيقاع مسلسلات الـ"سيت كوم" لا نهائية الحلقات، وليس إيقاع فيلم يفترض أن يكون محكم زمنياً وإيقاعياً.

لاحظ أيضاً أن الـ"ثيمة" الأساسية لفيلم The Bucket List هي الحياة التي ينبغي أن نستغل كل دقيقة فيها، والأشياء التي كان يتمنى المرء في تحقيقها قبل موته، أما هنا فهي مجرد جانب واحد، ثانوي، للقصة.

ومثل سلة الأمنيات هناك تلك الرغبة الغريبة في الاحتفاء بالأكل غير الصحي فيما لا يقل عن 5 مشاهد، فإذا أضفت إليها مشهد تدخين المخدرات، تتبين لنا ملامح خط آخر أكثر شهوانية يتناقض مع قصة صلاح وليلى الرومانتيكية.

حب تحت السن

وبمناسبة قصة الحب وبحسابات بسيطة: فإن صلاح جد لفتاة مراهقة سنفترض أن عمرها 15 عاماً، ما يعني أن أمها ندا عمرها حوالي 40 عاما، ما يعني أن صلاح قد تجاوز الستين بعدة سنوات، وبما أن ليلى كانت زميلته في المدرسة فهي أيضاً في مثل عمره، ما يعني أن القصة تدور عن حق المسنين في الحب والزواج. ولكن هذه الفكرة لا تظهر بوضوح في الفيلم.

في الحقيقة تبلغ غادة عادل من العمر 51 عاماً (من مواليد 1974)، بينما لم يصل الكدواني  إلى الستين بعد (من مواليد 1967).

بالنسبة للكدواني ليست مشكلة، فملامحه تؤهله للعب أدوار تتراوح بين الخمسين والسبعين، ولكن بالنسبة لغادة فهي ليست فقط أصغر من الشخصية، ولكنها خضعت لعدد من عمليات التجميل لكي تبدو في الأربعين، وهي في الفيلم يمكن أن تبدو في الأربعين، لولا أن عمليات الشد و"البوتكس" تسببت في ثقل تعبيرات وجهها بشكلٍ مؤسف.

المرأة بعد الستين، خاصة مع شخصية محافظة ومتحفظة مثل ندا،  غالباً ما تكون أكثر واقعية وأكثر اجتراراً للأحزان، فقد ضاعت حياتها مع زوج لا تحبه أساء معاملتها، كما تذكر بشكل عرضي.

ويفترض أيضاً أن شخصيتها الرقيقة الجميلة التي أحبها صلاح تكمن تحت عوامل السن والحزن هذه، وكان يمكن في الحقيقة أن تكون محور العمل وأكثر شخصياته كثافة وتعبيراً، ولكن شيئاً من هذا لا يظهر على الورق أو في تعبيرات غادة عادل، باستثناء غضبها من تخلي صلاح عنها في الماضي، وآثار ما يزيد عن 40 سنة من الفراق وعوامل الزمن لا تبدو على شخصيتي صلاح أو ليلى، والأسوأ أن من الصعب علينا الوقوع في حبها تماهياً مع بطلنا.

بين التردد والتسلط

تحمل عناوين الفيلم 4 أسماء كمشاركين في السيناريو: وليد المغازي، مصطفى عباس، محمد أشرف، بالإضافة إلى دينا ماهر كمشاركة في كتابة الحوار.

ويجدر هنا أن أشير إلى جودة الحوار في الفيلم، على عكس معظم الأفلام الشعبية الحديثة التي تمتليء باللغو والركاكة، ولكن عيب السيناريو الرئيس هو الايقاع الدرامي Pace، الكلي للعمل، فليس هناك سرعات متوازنة بين الفصول. ويزيد من المشكلة أنه في الحقيقة لا يوجد في الدراما مشكلة: فلا شيء جسيم يحدث، باستثناء عاصفة في فنجال تهب خلال الدقائق الأخيرة من الفيلم، حين تعرف ندا أن والدها لا يرغب في السفر معها.

وإذا اتفقنا على أن الصراع والتحول الدرامي هنا داخلي، بمعنى أن كلا من صلاح وندا يتعلمان أن يتخلصا من عيوبهما النفسية (جبن وتردد الأول وخوف وتسلط الثانية)، فإن هذا الصراع والتحول لا يظهر على الشاشة ولا يمس مشاعر المشاهدين سوى بشكل عابر ونظري.

ما يعوض ذلك، كما أشرت، عناصر أخرى، مثل خفة دم الممثلين الطبيعية، من دون استظراف زائد، سواء الأبطال وحتى ضيوف الشرف مثل الراحل سليمان عيد (الذي تم اهداء الفيلم إلى روحه)، وأيمن وتار  وعبد الرحمن محمد، من عناصر الجذب أيضاً أغنيتا أحمد سعد "الدنيا يومين" وحميد الشاعري "نسرح في زمان"، مع أغنيتي "أهواك" لعبد الحليم حافظ، و"بحلم" لنجاة الصغيرة، ما يمزج الحنين إلى التسعينيات بالحنين إلى الستينيات.

أضف إلى ذلك الموسيقى التصويرية الناعمة والحيوية لخالد حماد، والتي لا يخلو منها مشهد تقريباً، ما يطغى على مشاعر المشاهدين البسطاء ويشغلهم عن ملاحظة العيوب والهنات.

"فيها ايه يعني؟" فيلم "عاطفي" خفيف، لذيذ، كثيف الدسم، كثير السعرات الحرارية، قليل المكونات الصحية، مثل السيجارة المحشوة، والـ"جانك فوود" الذي يلتهمه الأبطال طوال الوقت!

* ناقد فني

تصنيفات

قصص قد تهمك