
في مؤتمر صحفي افتراضي لناخبي جوائز جولدن جلوب، حضرته الشرق، تحدث الممثل البريطاني جاري أولدمان عن تجربته في تجسيد شخصية العميل الاستخباراتي العجوز جاكسون لامب في مسلسل Slow Horses، الذي يُعرض على منصة Apple TV+، مؤكداً أن هذا الدور أصبح جزءاً من تكوينه الشخصي بعد 5 مواسم متتالية، وأن العمل ما زال "قادراً على المفاجأة، دون أن يفقد صدقه أو سخريته اللاذعة".
يُعد مسلسل Slow Horses أحد أبرز إنتاجات Apple TV+ في فئة دراما التجسس، وهو مأخوذ عن روايات الكاتب البريطاني ميك هيرون التي تحمل الاسم نفسه، وتدور حول مجموعة من عملاء الاستخبارات البريطانية الذين نُفوا إلى قسم مهمل يُعرف باسم Slough House بعد أخطاء مهنية جسيمة، ليقودهم جاكسون لامب، وهو عميل سابق ساخر ومدمن تدخين وكحول، في مهمات غير رسمية تكشف فساد الجهاز وتناقضاته الأخلاقية.
ومنذ عرضه الأول عام 2022، حقق المسلسل نجاحاً نقدياً لافتاً، بفضل أداء أولدمان الذي منح الشخصية مزيجاً من الذكاء والسخرية والوجع الداخلي، إلى جانب طاقم يضم كريستين سكوت توماس وجاك لودن وجوناثان برايس.
بطل غير تقليدي
استهل أولدمان حديثه بشيء من الدعابة، وهو يصف بطله قائلاً: "إنه عجوز كئيب حقاً، لكنه أذكى من الجميع في الغرفة، وغالباً ما يسبق الآخرين بعدة خطوات"، وأوضح أنه يجد متعة خاصة في لعب دور شخص "من دون فلاتر"، لا يخضع للقواعد الاجتماعية، أو يحسب حساباً لما يقوله.
وأضاف: "جاكسون لامب شخصية محرّرة، لا يهتم بما يظنه الناس عنه، يقول ما يفكر به مهما كان قاسياً، وقد يكون ذلك صعباً في الحياة الواقعية، لكنه ممتع جداً في التمثيل".
ورأى أولدمان أن لامب ليس بطلاً تقليدياً، بل أقرب إلى "محرك سردي" يقف بين العبث والعبقرية، يعيش بين الفوضى والاستهزاء، لكنه يمتلك حساً حاداً بالمسؤولية تجاه من حوله، حتى وإن أخفى ذلك تحت غطاء السخرية الدائمة.
وكشف أولدمان أن الموسم الخامس يقدم طبقة جديدة من ماضي لامب، بعد أن أشار الموسم الثاني إلى خلفيته في برلين قبل انضمامه إلى Slough House: "كل موسم يزيح طبقة جديدة من الحكاية، لا نتحدث عن تطور جذري في الشخصية، فـ لامب هو لامب منذ البداية، لكننا نحصل كل مرة على لمحة جديدة عن ماضيه وجرحه الإنساني".
وأشار إلى أن مؤلف الروايات الأصلية مايك هيرون، الذي يقف خلف عالم Slow Horses، يعرف تماماً متى وكيف سيموت لامب، قائلاً بابتسامة: "أتمنى لو أنه لم يخبرني بذلك، لأنه منذ تلك اللحظة، وأنا أترقب المشهد".
عبقرية النص
وعن كيفية الحفاظ على توازن الشخصية دون الوقوع في فخ الكاريكاتير، أجاب أولدمان بأن الفضل يعود إلى النص: "أنت لا تستطيع أن تكون أفضل من الكتابة التي بين يديك، النص هو البوصلة، والممثل لا يستطيع أن يتجاوزها".
وأضاف أن عالم Slough House الذي بناه هيرون يمنح الممثلين أرضية صلبة: "لدينا مرجع أدبي متماسك، وكل موسم يستند إلى رواية جديدة، وهذا يمنع الفريق من (اختراع) الأحداث في غرفة كتابة من دون اتجاه، لهذا لا نخشى أن نصبح مملين، أو نفقد البوصلة".
واعتبر أولدمان أن من أسباب استمرار نجاح المسلسل لخمسة مواسم أن فريقه لم ينجرف إلى المبالغة بحثاً عن الإثارة: "حين تتابع مسلسلاً لسنوات، ثم يفقد منطقه، تشعر بالخيانة كمشاهد، نحن محظوظون لأن لدينا نموذجاً سردياً محكماً لا يسمح بذلك".
السخرية وسيلة حماية
وحول ما إذا كان أولدمان يرى أن صراحته وسخريته في الدور تعكسان شيئاً من شخصيته الحقيقية؟
ابتسم وقال: "ربما قليلاً، أستطيع أن أكون ساخراً أحياناً، لكنني في حياتي الواقعية أكثر لطفاً بكثير، أحب أن أُعطي الناس فرصة، ولا أحب إهانة أحد،.
وأوضح أن سلوك لامب الصدامي ليس عبثياً، ولكنه أداة من أدوات مهنته: "هو يستخدم السخرية كوسيلة لحماية نفسه، إنها جزء من حرفته كجاسوس، حين تجعلك النكتة تبدو لا مبالياً، يصعب على الآخرين اختراقك أو فهمك، وهذا يمنحك قوة".
وأضاف أن لامب، رغم قسوته، يهتم بفريقه أكثر مما يبدو: "حين يضع قدميه على المكتب، ويبدو كأنه نائم، يكون في الواقع في قمة تركيزه، الآخرون يظنونه كسولاً، لكنه يعمل بعقله طوال الوقت".
وحول الصفات التي استعارها أولدمان من لامب، أو تلك التي تركها الدور فيه، أجاب: "في الحقيقة نحن لا نتبادل الصفات، لامب يظل شخصية مستقلة تماماً".
لكنه اعترف بأنه تعلم من لامب شيئاً واحداً: اللامبالاة برأي الآخرين، "أن تكون صادقاً مع نفسك، دون أن تسمح لأحكام الآخرين بأن تهزك، هذه ميزة أُعجبت بها كثيراً في الشخصية، لامب لا يريد أن يعجب به أحد، ولا يسعى إلى التبرير، إنه مرآة لما نحن عليه حين نكف عن التجمل".
خلف الكواليس
تحدث أولدمان عن الأجواء داخل موقع التصوير، قائلاً إن فريق العمل أصبح بمثابة عائلة بعد 7 مواسم متتالية: "الاختيار كان عبقرياً، كل ممثل في مكانه تماماً، والأهم أنهم جميعاً أشخاص رائعون، هذا يجعل العودة إلى التصوير متعة حقيقية".
وأضاف أنه تأثر برحيل بعض الشخصيات عن العمل: "حين يقرر مايك هيرون قتل أحدهم، نتألم فعلاً، خسرنا مؤخراً شخصية ماركوس، وكان رحيله قاسياً، يمكنك أن تلتقي الممثل خارج التصوير، لكنك تفتقد وجوده اليومي في الموقع".
ورداً على سؤال حول المعطف المهترئ الذي أصبح رمزاً للشخصية، أجاب أولدمان: "المعطف أرتديه منذ البداية، هو تحية صغيرة مني إلى الممثل الراحل بيتر فالك في دوره الأسطوري (كولومبو)".
وأوضح أن فكرة الزي جاءت سريعاً من بحثه عن "الصورة الظلية" للشخصية: "قضيت سنوات أرتدي أزياء معقدة وأقنعة ومكياج ساعات طويلة، الآن أحتاج لخمس دقائق فقط لأرتدي معطف لامب، وأضع القليل من الزيت على وجهي، الأمر مريح جداً بعد أفلام كـ Hannibal وDarkest Hour التي كانت تتطلب 6 ساعات مكياج يومياً".
بين الكتابة والتنفيذ
وحول إيقاع إنتاج المواسم، والذي يحرص صناع العمل من خلاله على وجود موسم جديد جاهز دائماً فور انتهاء السابق، قال أولدمان إن القرار جاء بوعي من المنتجين: "في عالم المسلسلات الطويلة، من المرهق أن تنتظر موسمين أو ثلاث سنوات لعودة عمل تحبه، أردنا أن نحافظ على الزخم، وأن نكافئ الجمهور على ولائه".
وأوضح أن الفريق صور المواسم تباعاً دون انقطاع طويل: "أنهينا الموسم السادس بالكامل، وهو الآن في مرحلة الألوان والموسيقى. بدأنا بالفعل تصوير الموسم السابع. بهذا الشكل لا يضطر الجمهور إلى نسيان الأحداث أو الشخصيات".
وأشار إلى أن Apple TV+ ترددت في البداية حول فكرة الإعلان المسبق عن الموسم الجديد بنهاية كل موسم، لكن المنتج التنفيذي دوجلاس أوربانسكي أصرّ على تنفيذها: "كانت خطوة جريئة، لكنها نجحت. الجمهور يحب أن يشعر أن الحكاية مستمرة".
وحول مدى تدخله في مصير الشخصية أو مسار الأحداث، أجاب أولدمان: "القاعدة الذهبية هي: لا يمكننا قتل أي شخصية لم يقتلها مايك هيرون في الرواية، لدينا حرية التعديل في التفاصيل الدرامية بإذنه، لكنه يظل المرجع الأخير".
وأوضح أن المؤلف يتعامل بتفهم مع طبيعة التحويل إلى الشاشة: "هو يدرك أن ما يصلح في الرواية لا يعمل بالضرورة في الدراما، لذلك يمنحنا مساحة كبيرة من الثقة، دون أن يفقد السيطرة على الجوهر".
وأضاف: "أحياناً أنتظر ما سيكتبه مايك في الرواية الجديدة مثل أي قارئ، كتابه الأخير Clown Town مليء بالمفاجآت، ولا أطيق انتظار رؤية كيف سنحوّله إلى الشاشة".
واقعية التفاصيل
كشف أولدمان أن فريق العمل الفني يتعامل مع موقع التصوير كعالم حي يتغير بمرور الزمن: "حتى مكتب لامب يتداعى ببطء، الكرسي تآكل، والدهان يتشقق، في الموسم الرابع، بعد مشهد إطلاق النار، بقيت آثار الرصاص والزجاج المكسور في الموسم التالي، ستجد حتى شجرة عيد ميلاد ميتة في الزقاق، وبقايا زينة معلقة بالشريط اللاصق، هذه التفاصيل الصغيرة تخلق واقعية مذهلة".
وأشار إلى أن زميله جوناثان برايس اندهش حين دخل موقع التصوير لأول مرة، وظنه مبنى حقيقياً، قائلاً: "لم يصدق أنه ديكور داخل استوديو، الدقة مذهلة، الأرضية الخشبية متشققة، والدهانات باهتة، كل شيء يوحي بأنك داخل مكان عاشه البشر فعلاً".
بين الأداء والنص
اختتم جاري أولدمان حديثه بشكر Apple TV+ على التزامها بإيقاع الإنتاج، وعلى ثقتها بالفريق، معتبراً أن النجاح الجماهيري والنقدي المتواصل، حيث نالت المواسم السابقة نسب تقييم مرتفعة من النقاد والجمهور على السواء، هو نتيجة للانسجام بين جميع عناصر العمل: "لدينا كتابة متقنة، طاقم تمثيل متجانس، ومخرجون يعرفون ماذا يريدون، كل ذلك يجعل Slow Horses أكثر من مجرد مسلسل تجسس، إنه دراما عن الفشل الإنساني، عن أولئك الذين أُبعدوا إلى الهامش، لكنهم ما زالوا يقاتلون".
في ختام المؤتمر، تحدث أولدمان عن استمرارية العمل قائلاً إن الجمهور يمكنه الاطمئنان إلى أن هناك مزيداً من المواسم في الطريق: "بدأنا بالفعل الموسم السابع، ونعمل بوتيرة ممتازة، هذا العمل أصبح جزءاً من حياتي، وسأستمر معه طالما بقيت فيه روح لامب".
وأضاف مازحاً: "أحياناً أمزح مع المؤلف وأقول له: فقط تأكد أن مشهد موتي سيكون مشهداً عظيماً".
ومع تأكيد أولدمان خلال المؤتمر أن "الموسم السادس جاهز بالكامل والسابع قيد التصوير"، يبدو أن Apple TV+ تراهن على استمرار هذه السلسلة كأحد أعمدة إنتاجاتها البريطانية في السنوات المقبلة.











