
أثار المسلسل السعودي "رشاش"، حالة جدلية واسعة، طوال الشهور الماضية، بالتزامن مع الإعلان عن تنفيذ المشروع، وحتى انتهاء الحلقة الأخيرة منه عبر منصة "شاهد"، إذ تباينت الآراء بشأن هذا العمل الدرامي.
وواجه المسلسل الذي عُرض على مدار 8 حلقات، العديد من الأزمات، والتي وصلت إلى مطالبات بمنعه من العرض.
وكشفت مصادر لـ"الشرق"، أنّ الرقابة قررت حذف 4 حلقات من المسلسل، فضلاً عن التحفظ على المشاهد الأخلاقية التي ظهرت في العمل على شكل حفلات ماجنة، كونها لم ترد في أي وثائق رسمية أو تقارير سُجلت على "رشاش"، ما اضطر فريق العمل لإعادة تصويرها.
أحداث مسلسل "رشاش"، مستوحاة من أرشيف المباحث الجنائية السعودية، وتدور عن مجرم عتيد، مارس نشاطاته الإجرامية المروّعة خلال حقبة الثمانينات في المملكة، إذ يروي العمل قصة رجل عصابات سيئ السمعة معروف باسم "رشاش"، ويبرز العمل جهود أجهزة الأمن للإيقاع به وتقديمه إلى العدالة.
المسلسل، بطولة يعقوب الفرحان، الذي يُجسد شخصية "رشاش"، ونايف الضفيري، وفايز بن جريس، وحكيم جمعة، وعبد الله البراق، وتأليف السيناريست البريطاني توني جوردان، وكتابة الشيخة سهى آل خليفة وريتشارد بيلامي، ومن إخراج البريطاني كولِن تيج.
عودة الجدل
نال مسلسل "رشاش"، اهتماماً كبيراً من قبل الجمهور السعودي، طوال فترة عرضه، إذ تباينت الآراء بشأن الزاوية الفنية للعمل، والأثر الاجتماعي الذي أحدثه العمل.
واستعرض قطاع كبير من الجمهور، بعض الأخطاء الفنية في المسلسل، لعل أبرزها التحية العسكرية الأميركية، والمعارك المقتبسة من هوليوود، كذلك التباين في اللهجات بين الأقارب، والشَعر الكثيف الذي لا يتلاءم مع العسكريين، وغيرها.
كما أبدت الكاتبة الكويتية شيخة البهاويد، استياءها لعدم اقتران العمل باسم أي مؤلف أو كاتب أو مخرج سعودي، بينما يعود التأليف للبريطاني توني جوردن. وكتبت عبر موقع تويتر: "مسلسل رشاش الذي لا يتحدث عن رشاش، كان يجب أن يظهر رشاش سعودياً، لا شخصية آتية من هوليوود".
واعتبر البعض، ومنهم السيناريست فهد الأسطاء، أن "المسلسل أحد الإنتاجات العربية الأكثر إثارة وتشويقاً وتفاعلاً على مواقع التواصل".
"الواقعية السطحية"
أرجع الناقد السعودي محمد العباس، الاهتمام الكبير بالمسلسل، إلى أنّ "العمل اعتمد على الإثارة، المتمثلة في العنف والمطاردات والحركة، فضلاً عن أن القصة ذات مرجعية واقعية".
ويرى العباس، خلال حديثه لـ"الشرق"، أنّ "المسلسل لا علاقة له بالواقع تقريباً، ولم يكن أميناً، كما أنه لم يعكس المكان والزمان في السعودية، أثناء تلك الحقبة"، مُبرراً قوله بأن "القائمين على العمل لم يكونوا بصدد عرض وثيقة تاريخية بمضامين موضوعية، بقدر اهتمامهم بتقديم مسلسل أكشن على الطريقة الهوليوودية".
ووصف الملاحظات التي رصدها الجمهور طوال فترة المتابعة على وسائل التواصل، مثل المعارك المقتبسة من الأفلام الأميركية، كذلك التباين في اللهجات بين الأقارب، والشَعر الكثيف الذي لا يتلاءم مع العسكريين، ووصفها بـ"التجاوز الموضوعي"، مُعتبراً إياها بأنها مجرد عينات لمنظومة من التجاوزات.
وقال الناقد السعودي: "لا يعقل أن تمر تلك الملاحظات على أي مهتم بالصناعة الدرامية، لكنها بالنسبة لصُناع المسلسل كانت مجرد شكليات ولم تصنف بأنها أخطاء، وهذه نتيجة طبيعية عند الخضوع لمفهوم الواقعية السطحية، التي تتفادى منطقية الأحداث، وفي النهاية العمل لا يزعم تقديم قصة سعودية بتفاصيل واقعية، بل مجرد استلهام جزء من واقعة حدثت في المملكة".
وأعرب العباس، عن أسفه لضياع فرصة كبيرة مثل مسلسل "رشاش"، قائلاً: "كانت من الممكن أن تكون مشحونة بالرسائل الاجتماعية والتربوية والوطنية والجمالية".
وحذر من خطورة الدراما "الهوليوودية" على الإنتاج السعودي، وأهمية إنتاج أعمال تقوم على الواقعية الاجتماعية، موضحاً أن "من الممكن تحقيق هذا الأمر، إذ توفرت ميزانية معقولة كالتي توفرت لمسلسل رشاش".
"محاكاة"
بدأت شخصية "رشاش"، بالتزامن مع عرض الحلقات الأولى، بالتسلل للمجتمع السعودي، وأصبحت ملامح الشخصية، ذات الشعر الكثيف واللحية الكثة، أيقونة يتم رسمها وتداولها هناك.
كما تم تداول مقطع فيديو لأحد المقاهي التي وضعت صورة "شخصية رشاش" وبقية صور أبطال المسلسل، ووضع العبارة الشهيرة التي أطلقها رشاش: "شاهيكم ملغم يا ملاعين" على الأكواب المقدمة للزبائن.
وانتشر الكثير من المقاطع على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل عام، و"تيك توك" بشكل خاص لمراهقين يتقمصون فيها شخصية رشاش، ويحاكون دوره وتصرفاته.
وخرج بعدها الكاتب والروائي السعودي عبد الله ثابت، في مقال بمجلة "اليمامة" بعنوان "مسلسل رشاش.. حكاية ذوبها الفن والتهمتها الشاشة".
وقال ثابت، في مقاله: "أعود لشكل مهم من أشكال التفاعل الاجتماعي، وهو ما سمعته مراراً في العديد من المجالس، والذي كان جل حديثها عن خطورة صناعة المثال، وأثر المسلسل على المراهقين والطائشين، وهذا لا معنى له".
وأضاف: "الانجذابات التي تقيمها الأعمال الدرامية بالعادة عارضة، قصيرة العمر والذاكرة، وتحدث مع أي عمل ناجح، ولكي تصبح ظواهر خطرة، فإنها تحتاج إلى ظروف شديدة التعقيد، والمسلسل نفسه بعيد تماماً عن شب فتيلها! أبعد ما يمكن أن يحدث هو أن يرتكب متهور حماقة هنا أو هناك، وسيقبض عليه ويحاسب".
شخصية سينمائية
الدكتور عبد السلام الوايل، أستاذ علم الاجتماع المشارك بجامعة الملك سعود، فسّر هذه الحالة الجدلية التي أحدثها المسلسل، بأنها "أقوى إشارة على نجاح العمل، لأن الشخصية استطاعت إقناع المشاهد وجذبه".
ورأى الوايل، أنّ شخصية "رشاش" هي مزيج من الواقع والدراما، موضحاً لـ"الشرق"، أنّ "الجزء الأكبر من الشخصية هو ما ظهر لنا في العمل الفني، ولذلك فالانجذاب كان للشخصية السينمائية لأنها هي الملهمة".
وتابع قائلاً: "لا داعي للتخوف وربط شخصية رشاش السينمائية بالواقعية، لأنه سيظل محبوساً داخل الدائرة الفنية، وربما نبدأ بالتخوّف عند ازدياد هذا النوع من الأعمال".
وعن مدى استمرارية تأثير هذا العمل على الأطفال، قال الوايل: "لا داعي للخوف بشأن استمرارية التأثير، فهو مؤقت ولن يستمر فترة طويلة، وسيضمحل كما حدث مع كثير من الأعمال الفنية السابقة".
وأضاف: "البعض يربط انتشار العنف في المجتمعات بانتشاره في الأعمال الفنية، وهذا محل جدل، وبالنسبة لنا هذا أول عمل (أكشن) في السعودية، ويعتبر ناجحاً بالمقاييس الفنية، كما أن المسلسل لم يقدم الكثير من الأكشن كالأفلام الأميركية، فالخطورة لا تكمن في شخصية رشاش، ولكن في العنف والأسلحة واستخدامها".
واعتبر الوايل أنّ "الفن متعة وتعبير موازٍ للحياة الواقعية المثقلة بالأعباء، وليس رسالة للتوجيه والتربية أو ما يسمى بالفن الغرضي"، موضحاً بقوله: "نحن بحاجة إلى جانب جمالي في الحياة، لأن الفن يخرج مشاعرنا، وهذه هي الوظيفة الحقيقية للفن، أكثر من كونه محاولة لتجسيد الخير والشر".
وحاولت "الشرق"، التواصل مع فريق عمل مسلسل "رشاش" ومع مجموعة "MBC" بعدة طرق لإتاحة فرصة الرد، بشأن ما طُرح من آراء عن المسلسل، ولكن لم نتلقَ رداً.