كوثر بن هنية: "صوت هند رجب" أعاد إيماني بأهمية دور السينما

time reading iconدقائق القراءة - 7
المخرجة التونسية كوثر بن هنية تحمل صورة هند رجب على السجادة الحمراء أثناء وصولها لحضور عرض فيلم "صوت هند رجب" ضمن مهرجان فينيسيا السينمائي، إيطاليا. 3 سبتمبر 2025 - Reuters
المخرجة التونسية كوثر بن هنية تحمل صورة هند رجب على السجادة الحمراء أثناء وصولها لحضور عرض فيلم "صوت هند رجب" ضمن مهرجان فينيسيا السينمائي، إيطاليا. 3 سبتمبر 2025 - Reuters
دبي -محمد عبد الجليل

في مؤتمر صحفي افتراضي لناخبي "جولدن جلوب" شارك فيها صحفيون من أوروبا والصين والبرازيل وأستراليا، وحضرته "الشرق"، كشفت المخرجة التونسية كوثر بن هنية عن تفاصيل الرحلة الفنية والإنسانية لصناعة فيلمها الجديد "صوت هند رجب"، وكذلك المسؤولية الأخلاقية التي رافقت إعادة تمثيل الساعات الأخيرة في حياة الطفلة الفلسطينية هند رجب

الفيلم عرض في عدة مهرجانات دولية، وفاز بجائزة الأسد الفضي بمهرجان فينيسيا السينمائي، قبل أن يصبح ترشيح تونس الرسمي لجوائز الأوسكار.

قال بن هنية إن الاستقبال الأول للفيلم في فينيسيا ذهب إلى ما هو أبعد من توقعاتها، مؤكدة أن التفاعل العاطفي القوي من الجمهور منحها شعوراً بأن صوت هند رجب سيظل يتردد.

وأوضحت أن الفيلم نجح في الحصول على جوائز الجمهور في كل المهرجانات التي عُرض فيها تقريباً، ما يعكس ــ بحسب تعبيرها ــ تعلق المشاهدين بالقصة وبالطفلة التي تحولت إلى رمز لآلاف الأطفال الذين فقدوا حياتهم في غزة. 

ثقة الهلال الأحمر ووالدة هند

وروت بن هنية أن نقطة البداية كانت تسجيلاً صوتياً قصيراً لنداء الاستغاثة الشهير الذي أطلقته هند عبر الهاتف قبل استشهادها، والذي نشره الهلال الأحمر الفلسطيني.

وبعد تواصلها مع المؤسسة، حصلت على التسجيلات الكاملة لكل المكالمات التي جرت بين الطفلة وطاقم الإسعاف، ووصفت ذلك بأنه "ثقة كبرى" من المؤسسة، ومن أسرة الضحية، وضعها أمام مسؤولية غير مسبوقة.

وأكدت المخرجة أنها لم تكن لتتقدم في العمل دون موافقة والدة هند، التي كانت لا تزال في مرحلة الحداد العميق، وقالت إن الأم وافقت على إنتاج الفيلم، لأنها تخشى أن تدفن ذكرى ابنتها "بين جثامين آلاف الأطفال" في غزة.

لكن الأم – رغم حضورها عروض الفيلم وجلسات النقاش – ما تزال غير قادرة على مشاهدة العمل أو سماع صوت ابنتها في التسجيلات، فيما شاهد إخوة هند الفيلم، وناقشوا التفاصيل مع فريق العمل. 

فيلم يلامس الجرح

شرحت بن هنية أن اختيار الدمج بين الشكلين الروائي والتسجيلي جاء من اللحظة الأولى التي سمعت فيها صوت هند، إذ رغبت في نقل المشاهد مباشرة إلى تلك اللحظة الزمنية، "كما لو أن الطفلة ما تزال حية تطلب المساعدة". ولذلك قررت تصوير الفيلم بأسلوب الوثائقي من حيث الأداء والتلقائية، لكن مع عناصر درامية يعاد فيها تمثيل الأحداث بدقة.

وكشفت أنها اتفقت مع الممثلين على عدم منحهم توجيهات أدائية أو إعادة المشاهد، بل تركتهم يتلقون صوت هند الحقيقي لأول مرة أثناء التصوير، بحيث تكون ردود أفعالهم حقيقية وغير مصطنعة، وأشارت إلى أن الهدف لم يكن التمثيل، بل "الوجود الكامل داخل اللحظة".

وأضافت كوثر أن التصوير تم في لقطات طويلة دون قطع، حتى وإن ظهرت أخطاء تقنية. في الظروف العادية كانت ستعيد المشهد، لكنها تقول: "كان الممثلون يعيشون الألم لحظة بلحظة، ولم أستطع كسر هذا الصدق من أجل الكمال التقني".

كما اعتمدت على أسلوب "الإضاءة المسبقة" بدلاً من تغيير الإضاءة لكل مشهد، حفاظاً على انسيابية الأداء، وروت أن فريق العمل بأكمله كان يتوقف مراراً أثناء التصوير لبكاء جماعي أو لالتقاط الأنفاس، مشيرة إلى أن الاستماع المستمر لصوت هند الحقيقي جعل التجربة مرهقة ومؤلمة. 

وقالت بن هنية إن الهجين البصري في الفيلم لم يكن خياراً جمالياً فقط، ولكنه ضرورة لشرح حقيقة ما حدث، وللتأكيد للمشاهدين أن الأمر ليس "قصة إنقاذ" أو دراما حرب، لكنه واقعة موثقة.

وقد استعانت كوثر بمشاهد حقيقية من أرشيف الهلال الأحمر، كما استخدمت الهواتف المحمولة لإظهار اللحظة التي حاول فيها المسعفون معرفة مصير زملائهم الذين كانوا في طريقهم لإنقاذ هند قبل استهدافهم، "كان من المهم تذكير الجمهور طوال الوقت أن ما يشاهدونه ليس خيالًا. هذا حدث بالفعل". 

صمت إسرائيلي

وعن ردود الأفعال السياسية، قالت بن هنية إنها لم تتلق أي رد رسمي من إسرائيل بشأن الفيلم، لكن ردّها الرسمي على القضية نفسها بقي على موقف "الإنكار الكامل" لوجود قواتها في موقع استشهاد الطفلة، وهو ما يتعارض مع تحقيقات مستقلة أجرتها جهات مثل "Forensic Architecture" و"واشنطن بوست".

ورأت المخرجة أن السينما قد لا تغير السياسات بشكل مباشر، لكنها تستطيع أن تعيد للضحايا إنسانيتهم، خاصة بعد سنوات طويلة من تصوير الفلسطينيين كمجهولين من دون أسماء أو حكايات، "السينما تمنح القدرة على أن نكون في مكان الآخر، وأن نعيش لحظات حياته ومأساته، وهذا ما حاولت فعله مع طاقم الهلال الأحمر الذي عاش تلك الساعات القاسية". 

وعندما سئلت عن مفهوم السينما بالنسبة لها، قالت بن هنية إن أعمالها مستوحاة دائماً من قصص حقيقية، وإن كلمة "العدالة" هي المحرك الأهم لمشاريعها، ووصفت نفسها بأنها شديدة الحساسية تجاه الظلم، معتبرة أن السينما هي أداتها الوحيدة للحديث عن العالم غير العادل، ولعكس المظالم عبر قصص فردية تمثل جموعاً أكبر.

كما أكدت أن الفيلم أعاد لها إيمانها بالمهنة نفسها، فقبل بدء العمل كانت منغمسة في حملة الأوسكار لفيلمها السابق "بنات ألفه"، لكنها كانت تشاهد أخبار غزة يومياً، وتشعر بعبثية الفن أمام المأساة. وتقول: "كنت أسأل نفسي: ما معنى أن نصنع الأفلام؟ لكن هذا الفيلم أعاد لي الإيمان بأن السينما يمكن أن تكون أداة للتغيير والتأثير". 

قصة واحدة تكفي

وفي ردها على سؤال حول كيفية تمثيل آلاف الأطفال الذين قتلوا في غزة عبر قصة طفلة واحدة، قالت بن هنية إن السينما بطبيعتها لا تستطيع أن تروي قصص الجميع، لكنها تستطيع من خلال قصة واحدة فتح الباب لتخيّل حجم الألم الأوسع، وأكدت أن الاستماع إلى تسجيلات هند، بكل خوفها ووحدتها، يكشف شيئاً من عمق المأساة الإنسانية، "ويمكن مضاعفة هذا الشعور بعدد الأطفال الآخرين لفهم حجم الكارثة". 

اختتمت بن هنية المؤتمر بالتأكيد أن النجاح العالمي للفيلم ليس نجاحاً شخصياً لها، بقدر ما هو شهادة لصوت الطفلة التي تحولت إلى رمز، وأشارت إلى أن الجمهور في كل عرض يبكي ويتفاعل ويتقدم لاحتضانها واحتضان طاقم الفيلم وطاقم الهلال الأحمر الذين شاركوا في بعض العروض، وشددت على أن الفيلم "وثيقة حياة" لآخر ساعات عاشتها طفلة وسط الحرب.

وقالت إن ما منحها قوة للاستمرار هو قناعة راسخة بأن هذا الفيلم سيبقى جزءاً من الذاكرة الجماعية، وأن صوت هند رجب ـ رغم أنها لم تبلغ السادسة من عمرها ـ أصبح اليوم شاهداً على مأساة جيل كامل.

تصنيفات

قصص قد تهمك