خاص
فن

فيلم "الست".. رؤية مختلفة وحداثية لمسار أم كلثوم

time reading iconدقائق القراءة - 7
الملصق الدعائي لفيلم "الست" للمخرج مروان حامد - المكتب الإعلامي للشركة المنتجة
الملصق الدعائي لفيلم "الست" للمخرج مروان حامد - المكتب الإعلامي للشركة المنتجة
مراكش -عبد الكريم واكريم

عودتنا السِّيَرُ الذَّاتِية التي تنجز حول شخصيات فنية أو أدبية أو عن المشاهير عموما في مصر والعالم العربي أن تُقدِّس هاته الشخصيات، وترقى بها إلى مصاف الملائكة التي لا تخطئ ولا تضعف، وكأنها ليست من جنس البشر الذي نعاشره ويعيش بيننا.

لكن صُناع فيلم "الست" حاولوا قدر المستطاع الابتعاد عن هذه النقيصة التي لا نجدها في أفلام السير الذاتية العالمية بهذا الشكل المبتذل في تقديس الشخصيات.

نجد بفيلم مروان حامد الجديد، الذي كان عرضه العالمي الأول بالدورة 22 من مهرجان مراكش السينمائي، شخصية لأم كلثوم تتأرجح بين القوة والضعف، الذي يعتريها في فترات، فتحاول مداراته وعدم إظهاره لمن حولها، بل إننا نجد في كثير من لحظات الفيلم شخصية مسيطرة على كل من حولها وهي تعاملهم بشراسة، وتَسَلُّط وتستغلهم لصالح ما تريده وتطمح إليه.

لكنها أيضا تلك الإنسانة التي تعاني من آلام نفسية جرَّاء فقدان من أحبتهم ابتداء من أبيها المتوفى ثم حبيبها أخ الملكة نازلي.

استطاع كل من السيناريست أحمد مراد والمخرج مروان حامد  تمرير رسائل بشكل درامي ضمني وكأنهما يراهنان على مشاهد ذكي قد يفهم ما بين اللقطات، ويخلق قراءة   ثانية لفيلمهما إضافة لما قد يُفهم من أول وهلة، شخصية أم كلثوم تُصبح مع مرور الزمن ما كانت تحارب ضده، هي التي حاولت التخلص من تسلط وسلطوية أبيها لتصبح في آخر المطاف المتسلطة على الجميع.

الإيقاع هو الحل

تميز فيلم "الست" بإيقاع سريع ولاهث، خصوصا في المشاهد التي تدور بمدينة القاهرة بعد هجرة أم كلثوم وأبيها وأخيها إليها، ثم المشهد الافتتاحي الذي يصور لنا فيه مروان حامد سهرة مسرح الأولمبيا بباريس من خارج المسرح ثم من داخله، بخلاف مشاهد القرية الأولى التي كان الإيقاع يصبح فيها أقل سرعة متماشيا مع إيقاع الحياة البطيء في القرى.

انتهج مروان حامد في فيلم "الست" سردا غير خطي، إذ تنطلق الأحداث من حفلة الأولمبيا لنعود بعد إسقاط أم كلثوم إلى طفولتها بالقرية وهجرتها إلى القاهرة، ثم يشرع مروان حامد في يذهب جيئة وذهابا بين ثلاث لحظات مهمة في حياة أم كلثوم مع استخدام اللونين الأبيض والأسود في بعض اللحظات الاسترجاعية.

منى زكي تتفوق

أداء منى زكي كان داخليا ومبنيا على الأحاسيس أكثر من كونها حاولت تقليد أم كلثوم في حركاتها، رغم أنها فعلت ذلك في بعض اللحظات والمشاهد القليلة، خصوصا التي كانت تبدو فيها أم كلثوم، وهي تغني على خشبة المسرح.

تفوقت منى زكي في أدائها للشخصية بعنفوانها وتقلباتها وأزماتها ومرضها وضعفها، وهي حالات تطلبت منها  مجهودا تشخيصيا مضاعفا لتتقنه وتُمسِك بتلابيب الشخصية الإشكالية لأم كلثوم. 

ظهور نجوم مصر في التمثيل في أدوار صغيرة أغنى الفيلم، وأعطاه نكهة مميزة، ابتداء من آسر ياسين في دور الثري المستهتر الذي يُهَدِّد أم كلثوم الصغيرة، ويطالبها بغناء أغاني خفيفة وماجنة، مرورا بكريم عبد العزيز في دور العاشق لأم كلثوم شريف صبري باشا أخ الملكة نازلي، ثم أحمد حلمي في ظهور خاطف ومُبهج أضفى الابتسامة على الأحداث متقمصا دور ضابط شرطة يعشق أغاني أم كلثوم وحينما يجدها أمامه في قسم الشرطة يطلب منها حضور حفلتها القادمة على أن يكون هو وزوجته في الصف الأول، وأيضا علي صبحي في دور لص يتهجم على فيلا أم كلثوم ويسرقها، ونيلي كريم في دور الملكة نازلي التي تَغِير من أم كلثوم وتكيد لها في الخفاء.

ثم في أدوار أكبر قليلا مع كل من  سيد رجب وعمرو سعد وأحمد أمين، وكل هؤلاء أضفوا بأدائهم المتميز لمسات على الأدوار التي شخصوها وكان بالإمكان أن تأتي أقل قيمة لو أداها ممثلون آخرون.

مشاهد أساسية

بالفيلم مشاهد أساسية مؤثرة لا تدعنا كمشاهدين نظل محايدين اتجاهها، أهمها تلك التي تظهر فيها أم كلثوم ضعيفة ومهزومة، وتكاد تستسلم لضعفها، ثم يحدث شيء ما بداخلها أو بإيعاز خارجي لتنهض من رمادها كل مرة بعد أن تكون قد احترقت بشكل شبه كلي، وكأنها تعيش حيوات متعددة في حياة واحدة.

ومن بين هذه المشاهد تلك التي تظهر فيها بعد حدوث ثورة الضباط الأحرار، حيث تكاد تقتنع أنها أصبحت محسوبة على العهد البائد، خصوصا أن الصحف شرعت في كتابة ذلك، وبدأت في الهجوم عليها، ولم تعد أغانيها تذاع في الإذاعة كما كانت، لكن معجزة تقع تعيدها للواجهة بعد أن تساقط شعرها، ولم تعد تشتغل لمدة، فجمال عبد الناصر هو ما زال نائبا للرئيس يحب أغانيها؛ ولذلك فعليها أن تستعد لحفلة بأغنية جديدة، وتستمر الحكاية.

المقارنة لا تستقيم

الكل يعلم أن هناك أعمالاً تناولت سيرة أم كلثوم فيها ما هو وثائقي، لكن أشهرها عملان الأول دراما تلفزيونية من إخراج إنعام محمد علي والثاني فيلم  للمخرج محمد فاضل، لكن هل تستقيم المقارنة لو وضعنا "الست" في كفة وأحد هذين العملين في الكفة الأخرى؟

أظن أننا في "الست" مع عمل مصنوع برؤية متجددة وحداثية تضع أمامها المتلقي الجديد المكون من أجيال شابة، والذي لا يمكنه الصمود في الكرسي لمتابعة فيلم بطيء الإيقاع، ولذلك جاء هذا الفيلم سريعا في إيقاعه وواضعا في تصور صناعة الجمهور المحتمل الذي سيتوجه له.   لمحة نسوية

نجد بفيلم "الست" لمحة نسوية لا يمكن أن تخطئها عين المشاهد الذكي، فأم كلثوم مروان حامد امرأة متحررة، ولا تقبل السيطرة، وتتعامل مع الرجال الند للند إن لم تكن في بعض الأحيان تسطير عليهم، فابتداء من تحررها من سلطة أبيها الذي فهم في لحظة أنه لم يعد ممكنا أن يظل مسيرا لأمورها ومدبراً لشؤونها الفنية، فقرر العودة لبلدته لتسيير أمور الأرض التي اشترتها له ابنته، إلى علاقتها مع من أحبوها التي كانت في صالحها، إذ استطاعت أن تُدجِّن كلا من أحمد رامي والقصبجي ليظلا في خدمتها، دون أن ينالا الرضى الكامل بزواجهم منها، وحتى الهزيمة الوحيدة في الحب التي نتابعها بالفيلم جاءت الضربة القاضية من امرأة أخرى هي الملكة نازلي التي رفضت أن يتزوج أخاها أم كلثوم.

تصنيفات

قصص قد تهمك