أثار الفيلم المصري "ريش" للمخرج عمر الزهيري، جدلاً واسعاً، خلال الساعات القليلة الماضية، بعد عرضه ضمن فعّاليات مهرجان الجونة السينمائي، إذ لاقى اتهامات بأنه "يُسيء للدولة المصرية".
وحرص عدد كبير من الفنانين على حضور عرض فيلم "ريش"، منهم أروى جودة، ونسرين طافش، وإنجي وجدان، ومحمود الليثي، إلا أنّ البعض انسحب خلال العرض دون استكمال مُشاهدة الفيلم، اعتراضاً على المحتوى الفني، أبرزهم شريف منير، وأشرف عبد الباقي، وأحمد رزق والمخرج عمر عبد العزيز.
وتدور أحداث فيلم "ريش" حول أم تكرس حياتها لزوجها وأطفالها، بعد ما تنقلب الأوضاع عندما تتسبب خدعة سحرية فاشلة في حفلة عيد ميلاد ابنها البالغ من العمر 4 سنوات، في تحويل زوجها المتسلط إلى دجاجة.
فيلم "ريش"، إنتاج مصري فرنسي هولندي يوناني مشترك، وفاز بالجائزة الكبرى لمسابقة أسبوع النقاد الدولي في الدورة الـ74 لمهرجان كان السينمائي بفرنسا، في شهر يوليو الماضي.
آراء مختلفة
وقالت الفنانة المصرية إلهام شاهين، إنها شاهدت فيلم "ريش"، ضمن فاعليات مهرجان الجونة السينمائي، موضحة لـ"الشرق"، أنها لم تفهم بعض أجزاء العمل، ولم تقتنع ببعضها"، موضحة أنّ المخرج عمر الزهيري عمل على ربط الفقر وتدني الحالة الاقتصادية للأسرة بـ"القذارة وعدم النظافة".
وأوضحت أنّ: "المخرج أظهر الزوجة وأبناءها في مكانٍ غير نظيف، كما أنّ الزوجة لا تُنظف منزلها وملابس أبناءها أبداً"، لافتة إلى أنّ المشاهد الخارجية بالفيلم جرى تصويرها بجوار أماكن خاصة بجمع القمامة.
وأبدت إلهام شاهين، دهشتها من رأي البعض بأنّ يُسيء للدولة المصرية، قائلة: "رغم إنني لم أفهم غالبية مشاهد الفيلم، إلا أنني ضد الاتهامات التي وُجهت للعمل بأنه يُشوه صورة مصر، لأننا في النهاية أمام عمل سينمائي".
على الجانب الآخر، أشادت الناقدة السينمائية الفرنسية السورية ندى الأزهري، بالفيلم، مؤكدة: "فيلم ريش رائع ومخرجه عبقري ولديه لغة سينمائية معاصرة وفريدة". وأبدت الأزهري دهشتها من اعتراض البعض، كونه يصوّر الفقر والبؤس قساوة الحياة.
وقالت في تصريحات لـ"الشرق" إنّ هناك أفلام في العالم كله تتناول الفقر والبؤس في العالم المعاصر المشبع بالبؤس والعزلة بعد سيطرة التكنولوجيا والنظام الرأسمالي عليه، متابعة: "لا أعتقد أن المخرج هدفه الإساءة لبلده بل التعبير عن واقع ما مع العلم أنه لم يحدد المكان ولا الزمان".
جدل موازٍ
في الوقت نفسه، أثار اتهام الفيلم بالإساءة لسمعة مصر حالة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ علق الكاتب عبد الرحيم كمال، قائلاً إنّ "قائمة الفنانين المُنسحبين تعاملت مع الفيلم، بمُبالغة شديدة، وكذلك التحقير منه، كما أنها وصلت إلى حد الإساءة لصُنّاعه".
وأوضح أنّ الفيلم "به لغة سينمائية بليغة، صنعه مخرج موهوب، حيث تُعد هذه التجربة هامة جداً، كونه استعان بشخصيات لم يسبق التمثيل من قبل، ونجحوا في إيصال فكرة صعبة وقاسية وقاتمة رغم ظروفها".
وأضاف كمال في منشور عبر فيسبوك إنّ: "الفيلم تجربة سينمائية تحتاج الكثير من النقاش الجاد، دون إلقاء التهم، كما يستحق الاحتفاء به، لأنه فيلم فاز بجائزة هامة دون تخوين وتهويل"، متابعاً: "من حقك طبعاً إنّ الفيلم لا ينال إعجابك، لكن ليس ذلك معناه أن تنسب له عنوان كبير جداً مثل الإساءة لسُمعة مصر".
من جانبه، استنكر الناقد أسامة عبد الفتاح، مُبررات الفنانين الذين أبدوا اعتراضهم على الفيلم، قائلاً في منشور عبر فيسبوك إنّ: "مصر بمثابة عملاق تاريخي، ولا يستطيع أي شيء الإضرار بسمعتها، خاصة وأن هذا الفيلم حاصل على جوائز كبرى في مهرجانات دولية"، لافتاً إلى أنّ يُعاني من مشاكل كثيرة على مستوى الصناعة لكن لا تصل إلى حد الإساءة للدولة لمصرية.
كما أوضح الناقد أندرو محسن، المدير الفني لمهرجان القاهرة السينمائي، أنّ الأفلام يُجرى تقييمها من حيث مراحل الصناعة، قائلاً: "الأفلام تُقيم كأفلام، مش كمقال يتكلم عن البلد اللي هو جاي منها، ما يمكن بيدور في عالم موازي.. قولوا الفيلم -أي فيلم- مش عاجبكم، مافهمتوهوش، مش ذوقكم، وحش، ضعيف فنيًا، كل الحاجات دي عادي، لكن بلاش حكاية يسيء لسمعة مصر، عشان مفيش حاجة اسمها كده في الفن".
عالم خاص
وأبدت شاهيناز العقاد، منتجة فيلم ريش، دهشتها من الاتهامات التي وُجهت للعمل، بأنه يُسيء للدولة المصرية، قائلة لـ"الشرق"، إنّ: "العمل لا يتحدث عن مصر تحديداً، فهو لا مكان له ولا زمان وقد يكون في أي دولة في العالم"، معتبرة أن الفيلم جميل وقد لا يحبه كل الناس لأنه ليس جماهيرياً.
وأكدت أنّ الفيلم لا علاقة له بمصر، بل هو يمثل عالماً خاصاً، وأضافت: "كل ما في الفيلم ليس منطقياً بل عبثياً، صحيح أنه موجع لكن لا يتعلق بالسياسة ولا يسوق لأي فكرة ضد مصر".
أما المخرج عمر الزهيري، فقال لـ"الشرق"، إنه استطاع من خلال هذا الفيلم، التعبير عن نفسه ونظره جيله وكذلك لغته التجريبية الحرة في السينما، موضحاً أنّ "الفيلم عبثي وسريالي وشددت فيه على اللحظة التاريخية وكله صوّر في ديكورات واستوديو وغرافيك كي لا يمثلّ مكاناً أو دولة محدّدة".
وأوضح الزهيري أنّ الفيلم "يتحدث عن الإنسانية أكثر مما يتكلم عن مكان، ويدور حول علاقة بني آدميين ببعضهم أكثر، وعن شعور داخلي، وهو الصراع الدائم المتعلق بثقة الفرد بنفسه، ولكن من الممكن أن الإجابة لم تكن واضحة في الفيلم".
وأفاد: " أنا اخترت أن أذهب للحظات عادة لا نراها في الأفلام، اخترت أن اجعل بطلة الفيلم تدفع المشاهد للتساؤل حول ما تشعر به وما تفكر فيه، ولهذا ذهبت إلى لحظات لا كلام فيها، لحظات صمت، عادة لا يعتمدونها في الأفلام، لأدفع المشاهد لخلق علاقة مع الشخصية الرئيسية في الفيلم".
وصرّح مخرج الفيلم أنه لا يرى أن العمل "كئيباً، بل على العكس أراه كقطعة حياة، يعني هناك لحظات سعادة، هناك لحظات عبثية، هناك لحظات قاسية جداً، متابعاً: "أنا مصري وهذه ثقافتي وتربيت على السينما المصرية، فهذا الخليط داخل دماغي أو الخليط من التراكمات من الأفلام والموسيقى المصرية هي التي دفعتني إلى معرفة صنع فيلمي في النهاية".